٭ أرجو التكرم بنشر هذه الكلمة بعمودك المعهود (صدى) وقد عبرت عن الفكرة بالحدث الأصدق لا الحديث المجرد. ولك موصول الشكر وبعد: قبل الاستقلال أيام انجليز الأمس أبناء الاسر العريقة والجامعات التليدة وكما يقول التاريخ لا انجليز اليوم ذيل بوش الصغير. كانت اللحمة تباع بالوقه (3 ارطال إلا ربعاً) لا الكيلو (رطلان وربع) وكان من التعبيرات المشهورة أن يقول الشخص للآخر (الليلة حق اللحمة ما عندي) كناية عن فلسه البالغ. وهذا يعني أن أكل اللحم كان من مألوف الحياة اليومية. وفي مصر العزيزة الشقيقة، عندما ذهبنا الى الدراسة الجامعية بجامعة فؤاد بالقاهرة وجدنا اللحمة تباع بالرطل، ولاول مرة ارى طبخاً من غير لحمة، وكان هذا مكان استغراب ودهشة عندنا، ومن التعبيرات المألوفة أن تسمع المصري يقول للآخر ( النهارده نحن طابخين) بعد أن أصبح الطبخ باليوم واليومين في الاسبوع. ومن المألوف أن يبادل المصري السوداني في وجبة الغداء العامة بالكلية برتقالته بقطعة لحمة السوداني وكنت أقول للسودانيين ( والله المصريين ديل في الضحية ما يشبعوا لحمة). ومن هذا القبيل حكى لي السيد أبوبكر يوسف شايقي من البخيت كان بدوحة الخير بقطر قبل أن يعود ويفتح مغلقاً بالحي، قال حضر مصري بفترة الرئيس المخلوع الطويلة حسني مبارك ليعمل بالجيش القطري وبوجبة الغداء العامة وضعت له دجاجة كاملة وكان يظنها لاربعة بالاشتراك فلما علم أنها خالصة له، قال عفو خاطر :( إيه الهنا ال/ أنا فيه دا؟!) ليعبر عن سعادته ودهشة المفاجأة وبعد الاستقلال بعهد رئاسة السيد عبد الله خليل أصبحت اللحمة تباع بالكيلو الى اليوم وبعده أيضاً أعني الاستقلال كنت أعمل بعام 6691م استاذاً بمدرسة شندي الثانوية بنين، من تلاميذي الطيب سيخة ذكرهم الله جميعاً بالخير أبداً فقد مثلوا ........... في بنك الحياة العملية أرصدة غير مكشوفة، بل شيكات معتمدة، وقد أيد هذا زميلي بمصر وناظرها عام 9691 ابراهيم ملاسي بتجربة مرت به معهم بجامعة الخرطوم يطول ذكرها، وكنت أسكن في شندي، بشندي فوق شرقي مباشرة السيد الجاك العبيد ( ويقال له الجاك شمال) يقابله جنوباً العمدة الجاك بادي (ويقال له للفارق الجاك يمين)، حكى لي الجاك العبيد عن ذكرياته في الجيش أيام الحرب العالمية الثانية بليبيا. من ذلك في العودة الى السودان مروراً بالقاهرة وكانوا في حالة قرم للحم بالغ، فدخل وآخر مطعم حاتي (المعنى كبابجي) لا يقدم شيئاً غير اللحم المشوي، والمصريون طلبهم لا يتعدى ربع رطل أو نصف رجل، جلسا عرضا بالقرب من محصل دفع الحساب، أتى الجرسون وبعد الترحيب والمباشرة سألهم الجرسون (البهوات يطلبوا ايه؟) وكان يتوقع أن يقولا بلغة الرطل السائدة رطل فقال الجاك على غير توقع بصوته الأجش الجهور (وقه) قال الجرسون (وأة) فاغراً فاه لدهشته يقلب القاف همزة شأن المصريين لنطقهم للفا ق (وأة؟!) لاحظ المحصل دهشته بالقول والفعل فقال له باللهجة المصرية: ملبوخ مالك (مرتبك بالفصحى) ما تلات أرطال إلا ربع بعدها نادى الجرسون بالطلب المطلوب للشاوي بلغة الرطل المترجمة لوزن الوقه). من زملاء الجاك بليبيا جاري الحيطة بالحيطة محمد الحسن صبيراب ومنهم شاعر (صه يا كنار) الصاغ محمود أبو بكر من أبناء الشرق له ديوان شعر مطبوع فيه قصيدة وطنية قالها في ليبيا منها قوله ( يا هلالاً بالعامرية هلا) ( تعب القلب من عسى ولعلا) كان بالغ الوطنية لا يساوم لذلك رماه الانجليز بالجنون شأنهم شأن المجموعات السرية الخبيثة عندما يعجزون عن ترويض وطني يسلب ارادته بالثروة والسلطة والجاه. لا عليك يا أبابكر الأهم رضا الله والضمير. وفي لندن في ذات المعنى والحرب والقرم أرسلت اسرة سودانية 6 دجاجات محمرة الى ابنهم المبعوث لانجلترا كما طلب. وكان يسكن مع أسرة انجليزية فلما وصلت رأت الأسرة إخطار وزارة التموين أو تؤكل مجزأة، لم يأخذ برأيهم لقرمه وكسرها دفعة واحدة وقال لهم تفضلوا والباقي نأكله فيما بعد فأكلوا كما رأى. إنه السودان أينما كان إلا في الداخل أليس هو ثاني دول العالم باقتصاده الطبيعي؟؟ اليوم قال لي ابن خرطوم عريق صاحب دكان بالحي قال: له 6 أشهر لم يأكل لحماً غير الدجاج. كما أصبح شراء ربع الكيلو مألوفاً. اللهم ألطف بعبادك وألزمهم الصبر آمين. والله من وراء القصد بروفيسور/ عبد الله عووضه حمور