«نبق بلدنا ولا عنبكم» و «دوم بلدنا ولا تفاح لبنان»، وغير ذلك من العبارات التي تحمل ازدراءً لثقافة الآخر ورفضاً لأشياء في الحياة إذا ما تمت حيازتها ربما تشكل واقعاً جميلاً، وعدم تطلع وسعياً لتحدي الذات لإحداث التغيير المطلوب الذي يمكن ان يقودنا للأفضل، مثل تلك المفردات والمقولات التي سادت ساحتنا ردحاً من الزمن لترسخ وبإصرار لمفهوم ثقافة العيش تحت ظل النبق لتتساقط علينا ثمار الدوم «البتفلق»، كما أن أفكار ومقولات «ود أب زهانة» سيئة الذكر التي روجت للكسل وعمقت مفاهيم التواكل وسط المجتمع فترة من الزمن، لم تك بعيدة عن واقعنا. إن عدم التمسك بالمفاهيم السالبة، بل ومحاربتها، كما أنه بقليل من التطلع والطموح المصحوب بكثير من الجهد سيقود حتماً لتغيير الواقع المعاش واستبداله بمفهوم آخر اكثر رحابة والعيش في كنف واقع جديد فيه سعة واطمئنان واستشراف مستحق لمستقبل مشرق، فهل هناك صعوبة في زراعة العنب والتفاح عندنا؟ مع احترامي الشديد للنبق والدوم؟ وتحضرني هنا قصة أحد ظرفاء القرية حين جاء لزيارة اقاربه في سوق ام درمان وبالتحديد في محلات سعد الشيخ للعطور «فيا ترى هل تلك المحال موجودة حتى الآن أم لحقتها يد التغيير؟»، لا أدري، ولكن ظلت هذه القصة راسخة في ذهني عهوداً، وهي أن ظريف القرية دخل محلات العطور تلك التي يوجد بها اقاربه من مدير المحل وبعض البائعين. فأفردوا له مكاناً للجلوس، فجلس بجانب طاولة المدير التي احتلت زاوية داخل محل البيع، لا يفصلها عن البائعين وزبائن المحل اي حاجز يذكر، وأثناء رصده ومتابعته بشغف لحركة البيع والشراء التي لم يألفها في القرية، فقد لاحظ اثناء ذلك نشاط وحركة دائبة من احد الصبية البائعين في المحل، فتذكر على الفور ابنه «الجعيلي» هناك في القرية، والذي يشتغل بالحركة البطيئة التي عموماً تميز إيقاع القرية، فوجد الظريف أن هذا الصبي النشط يتحرك أمامه جيئة وذهاباً، صعوداً ونزولاً بسرعة ونشاط فائقين ليلبي طلبات الزبائن في المحل، فالتفت الظريف لمدير المحل وهو يشير باصبعه نحو الصبي متحسراً وبلهجته الريفية قال له: «من أداني مكنة الشافع ده، لوليدي الجعيلي»، وتمنى أخذ هذه الماكينة الأمدرمانية ليحرك بها ركود وسكون القرية، متطلعاً لواقع أفضل. والمراقب لنهضة ماليزيا يجد ان ماليزيا لم تك شيئاً يذكر قبل عام 1990م، ولكن دخلت الساحة ماكينة مهاتير محمد لتحرك وتشعل نهضة ذلك البلد «قاطع الاخشاب» الذي كان يعتمد كلياً على حفنة من الغابات «لا تسمن ولا تغني من جوع»، والدول الآسيوية من حوله نهضت صناعياً وكونت مجموعة الفهود الستة، ولكن ماكينة مهاتير جاءت وفي فترة وجيزة جداً «ما بين 1990م حتى 2005م» لتدخل ماليزيا الناهضة صناعياً لنادي الفهود مضيفة نفسها بجانب سنغافورة وهونج كونغ، وكوريا الجنوبية، وتايوان، واندونيسيا وتايلاند، كأحد الفهود الجدد لتصبح مجموعة النمور السبعة، فلننظر الآن إليها، أي رقي وأي شأن اصبحت تعتليه ماليزيا. فقط دعونا نتمنى قليلاً ونردد كثيراً مقولة ظريف القرية ونقول: «من أداني ماكينة مهاتير لوزراء البشير». [email protected]