من الواضح ان الوضع الصحي في السودان اصبح مثل حائط آيل للسقوط ان لم يتداركه أرباب الشأن الصحي ومنظمات المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الانسان ، يجئ هذا الحديث وفي الذهن شريط من الأحداث المؤسفة التي ظلت تدور وتقلق الناس منذ تولي د. مامون حميدة حقيبة وزارة الصحة ولاية الخرطوم وانفجار وتوالي الأحداث منذ ذلك التعيين غير المرحب به من قبل العديد من الأوساط، ولكن نسبة لاختلال عملية اتخاذ القرار فقد أصبح الشعب السوداني مسرحاً بشرياً للتجريب واعادة التجريب، ولعل النماذج الدالة علي ذلك لا حصر لها وفي كل الاتجاهات وليس الحقل الصحي فحسب . ونسبة للفوضى العارمة الناتجة عن الأخطاء الجسيمة في عملية اتخاذ القرار في مستوياته الاولى يدفع الشعب السوداني اليوم فاتورة الغلاء والبلاء وتعشعش فوق مخيلته مخاوف الاصابة بالامراض لعلمه التام بأنه وفي ظل الظروف الصحية الراهنة والسياسات المتبعة حتماً لن يجد الرعاية الطبية اللازمة في المستشفيات الحكومية، حتي أولئك الداخلين تحت مظلة ما يسمى بالتأمين الصحي، وسيتعرض للهلاك المحتم في حالة عدم تحريزه لملايين الجنيهات لتقديمها قرباناً للحصول علي العلاج في المستشفيات الخاصة، بل اشتكي العديد ممن خاضوا تجربة تسليم أنفسهم وأموالهم للمستشفيات الاستثمارية الخاصة المملوكة - في مفارقة للمنطق - لمن يفترض به تقديم الرعاية والعناية الطبية والصحية الحكومية، اشتكوا من تعرضهم لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان حينما دفعوا عشرات الملايين من الجنيهات دون أن يحصلوا علي العلاج الكافي وبعضهم تعرضت حياته للخطر او فقدها بسبب الأخطاء الطبية داخل المستوصفات الخاصة . ان خدماتنا الصحية أصبحت في خطر عظيم بعد ان هُزم - بضم الهاء - قسم أبقراط ذلك القسم الإنساني العظيم وبعد أن ولج الحقل الطبي والصحي رجال لا أخلاق لهم ولا يعبأون بشئ ولا اهتمام لهم الا بجمع وكنز المال دون ادني واعز من ضمير - نستثني من الأطباء أولئك النفر الكريم الذي ما يزال ينفق من ماله وسلوكه النبيل ويبذل ما بوسعه من اجل الحفاظ علي سمو مهنة الطب والتطبيب - وهو سلوك ربما يعذرون فيه لانهم ارتضوه مسلكاً في حياتهم ولكن مالا يرضاه الشعب السوداني هو تلك الحماية الرسمية التي تضفيها الدولة علي ارباب السلطة بموجب قرار وضعهم فوق رأس الشعب ، من السهل جداً ان تعربد قوي الطمع والجشع والانتهازية في بلد يوصف بأنه ظل يتربع أعلي قائمة الدول الأكثر والأكبر فساداً علي الاطلاق، ولا يظنن أحد أن تلك الارواح التي أزهقت اهمالاً ستمضي الي بارئها مظلومة فحسب، بل ستترك خلفها لعنة لعناء تطارد المتورطين والمتسببين في ذلك الاهمال كل بحسب دوره ومسؤوليته، ولئن تقاصرت الدولة وقوانينها عن الاقتصاص للضحايا فقد علمتم جميعاً أن منهج الشرع لا مجال فيه للافلات من العقاب . نريد اصلاحات صحية وثورة طبية تضع نصب اهتماماتها تطوير الخدمات الطبية وتقليص كلفة العلاج علي الفقراء والعمل علي ايصال تلك الخدمات للمدنيين في المدن والارياف وتوفير الادوية الفعالة غير المغشوشة لجهة الحفاظ علي ارواح واموال الناس وإعمال مبدأ المحاسبة علي الأخطاء الطبية وطرح أسعار العلاج التي يفرضها الأطباء المستثمرون للنقاش حول مدي معقوليتها وتناسبها فقد اصبح سوق العلاج نهباً للسماسرة وعديمي الضمير، كما ان الاتجار في الأدوية والسموم اصبح باباً « للاثراء بلا سبب » بعد ان نشط بعض المتسللين الي مهنة التداوي والتطبيب في اغراق الاسواق والصيدليات بنفايات الدول الصناعية وبضائعها غير المطابقة للمواصفات مستفيدين من ضعف الرقابة الحكومية وارتفاع نسبة الامية وسط قطاعات عريضة من الباحثين عن العلاج . ان أوضاعنا الصحية والطبية تنحدر نحو الحضيض فهل من متدارك يعتقد أنه مسؤول ؟ نسأل الله السلامة .