قيل إن المملكة العربية السعودية قد استعانت بخبير «امريكي» لوضع رؤية علمية لتفادي المشكلات التي تصاحب موسم الحج في كل «عام»، ولتفادي عملية «الزحام» وعمليات سقوط «الجسور» التي تؤدي إلى وفاة العشرات من الحجاج أو «المئات» في بعض الأحيان، ولأن هذا الخبير الامريكي لا يسمح له بدخول الأراضي المقدسة فتم الاتفاق على معاينة حركة الحجاج من البداية إلى نهاية عبر «طائرة» تحلق في أجواء الأراضي المقدسة، وبعد انتهاء موسم الحج والكل في انتظار هذا الخبير الامريكي أن يقدم الحل الناجز لكل المشكلات التي تتعلق بموسم الحج، جاءت النصيحة من «الخواجة» غير متوقعة للجميع فقال أحسن حاجة تعملوا الحج «مرتين» في السنة لتفادي عمليات الزحام هذه. ومقترح هذا «الخواجة» غير بعيد من المسؤولين في ولاية الخرطوم الذين فشلوا في ايجاد حل لمشكلة المواصلات في العاصمة، ففي كل مرة يأتي وال ويعقد اجتماعات وتقدم الكثير من الآراء ويصل إلى حل يعتقد انه الجازم والحازم في حل مشكلة مواصلات العاصمة التي أعيت من يداويها، ورغم أن خريطة وحركة المواصلات واضحة وخطوط السير معلومة في وسط الخرطوم منذ الاستعمار وحتى الآن، إلا أن عقلية من يتولى مسؤولية العاصمة فشلت في ايجاد أي حل لمشكلة المواصلات التي يعاني منها أكثر من ستة ملايين من سكان العاصمة، وحتى الذين يملكون سيارات «خاصة» يعانون من تلك الربكة التي تحدثها حركة السير حتى في الشارع ذات الاتجاه الواحد فضلاً عن الشارع ذي الاتجاهين. والغريبة أن حكومتي المتعافي وحكومة الخضر لم تستفيدا من التجربة القديمة في جعل مواصلات العاصمة قريبة من بعضها البعض، كما كان سابقاً، حيث توجد مواصلات بحري شرق الجامع الكبير ومواصلات أم درمان غرب الجامع وشماله، ومواصلات جنوبالخرطوم فيما يعرف بموقف «جبرة القديم» ومواصلات الصحافة جنوب الجامع الكبير، وواضح من هذا التقارب أنه يهدف إلى سرعة انتقال المواطنين من مواصلات إلى أخرى دون أن يضيع هذا المواطن زمناً في المشي لمسافات طويلة بحثاً عن المواصلات التي تنقله إلى جهة أخرى، وكان يجب على المسؤولين في ولاية الخرطوم الاستفادة من هذه التجربة، وذلك تخفيفاً على المواطنين وكسباً لوقتهم، وهو في ذات الوقت كسب لوقت الدولة وكسب للانتاج بصورة عامة، ولكن الحكومات المتعاقبة في ولاية الخرطوم لا تنظر إلا بعين واحدة دون النظر إلى بقية القضايا أو الموضوعات المتعلقة بهذا الأمر. وأفلحت حكومة المتعافي في نقل المواصلات من مكانها القديم حول «الجامع الكبير»، وكان الهدف من هذا أن يكون مركز الخرطوم أكثر بعداً من هذه «الزحمة» خاصة بعد أن ظهرت في «وسط» الخرطوم العديد من «الأبراج» مثل «البركة و«الواحة»، وكان الهدف هو جعل «قلب» الخرطوم مركز تسوق كبير وحديث ويناسب في شكله مراكز التسوق الكبرى في العواصمالغربية والعربية، والسبب الثاني هو عودة الشركات الكبرى إلى مركز الخرطوم بعد أن هربت منه إلى مواقع أخرى في شرق الخرطوم مثل حي الصفا والطائف وأركويت والرياض والمنشية وعلى شارع الستين والنخيل. ولكن هذه الجهود لم تفلح ولم تحقق أهدافها، والشركات التي هربت إلى شرق الخرطوم لم تعد إلى «قلب» الخرطوم، وأصبحت مراكز التسوق الكبرى أيضاً في مواقع أخرى من شارع المطار وشارع محمد نجيب وشارع الستين، وأصبحت المحلات القديمة تعمل بأقل من معدلاتها القديمة، لأن المواطنين أصبحوا طرقاً أخرى لا تمر بالسوق «العربي» أو السوق «الافرنجي» وأصبحت القوة الشرائية لتلك المحلات ضعيفة جداً. وأصبح مركز الخرطوم أو قلب الخرطوم مكاناً لصناعة الخمور، حيث ضبطت السلطات آلاف القوارير معبأة بالخمور في سيارات «هايس» جديدة ومظللة وبها ستائر ومكيّفة، فضل أصحابها أن تنقل بها هذا الخمور بدلاً من المواطنين، والسؤال المطروح هذه هي الكميات التي ضبطت أحياناً «20» ألف قارورة ومرة «10» آلاف قارورة من الخمور، فكم الكميات التي لم تضبط وذهبت من السوق إلى أحياء ولاية الخرطوم؟ والمعروف سابقاً أن صناعة الخمور تتم في أطراف العاصمة مثل الحاج يوسف وجبل الأولياء ومايو وأمبدة وغيرها من المناطق الطرفية، ولكن بعد اجتهادات ولاة الخرطوم أصبحت الخمور تصنع في «قلب الخرطوم» وعلى بعد كيلومتر واحد فقط من القصر الجمهوري ومكتب والي الخرطوم، وتنقل بسيارات جديدة ومكيفة، وهذا الأمر يتطلب مساءلة السلطات ان كانت في محلية الخرطوم أو الولاية نفسها، فكيف انتقلت صناعة الخمور من أطراف العاصمة إلى «قلب» الخرطوم؟ إن حركة المواصلات وانسيابها أمر ضروري جداً ولا بد أن تنظم بالقدر الذي لا يخَّل بالحركة داخل العاصمة وخاصة قلب الخرطوم ولا يتضرر منها المواطن، ان كان في سهولة الانتقال من البيت إلى العمل أو العكس، ولا يتضرر منها أصحاب المركبات العامة، ولا يكون لها تأثير على الجهات الأخرى مثل المرور وغيرهم. كثير من العواصم المزدحمة والمعروفة بعدد سكانها الذي يعادل في بعض الأحيان نصف سكان السودان، لا تجد فيها مشكلة مواصلات يتضرر منها المواطن مثل بكين وطوكيو والقاهرة وبومباي وغيرها. ووالي الخرطوم يحدثنا عقب كل زيارة خارجية قائلاً إننا نريد أن نستفيد من تجربة «أنقرة» عاصمة تركيا في كذا، ونريد أن نستفيد من تجربة «برلين» في كذا، ونريد أن نستفيد من تجربة «ساوباولو» البرازيلية في كذا، ولم نر ذلك على أرض الواقع. إن الخرطوم مربوطة بأنهار النيل الأزرق والأبيض ونهر النيل، ويمكن الاستفادة من هذه الأنهار في نقل المواطنين عبر مواعين مائية، أو الاستفادة من خطوط السكة الحديد الممتدة في مساحات واسعة في الخرطوم، وتقديم حلول ناجحة تستوعب الزيادة اليومية في عدد سكان العاصمة بسبب الهجرة الكثيفة من الولايات، وإذا فشلت ولاية الخرطوم في حل مشكلة المواصلات وانتقال المواطنين بكل سهولة من كان إلى مكان آخر فعليها الاستعانة بخبراء أجانب، ويمكنها الاستعانة بذات الخبير «الأمريكي» لأن الأمر هنا غير مرتبط بركن من أركان الإسلام، ولا يعرف الخواجة ان الأمر مرتبط بمواقيت ومحكوم بقيد مكاني وزماني، وهو بالتأكيد لا يدري شيئاً عن الإسلام ناهيك عن ركن من أركانه وهو الحج، ليقول مقترحه الذي صدم من استعان به «أعملوا الحج مرتين في العام». ولأن «الخرطوم» ليست «مكة» أخشى أن تقبل سلطات الخرطوم أن تقسم حركة المواطنين مرتين في العام حتى تحل مشكلة مواصلات الخرطوم.