قد يكون النسيج الاجتماعي في السودان مثل غيره في بقية انحاء العالم مع فارق طفيف قد يكون ميزة عادية مثل الفوارق التي تكون دائماً من سمات المجتمعات المتقاربة او المتباعدة بحكم الجغرافيا او العادات والتقاليد، والسودان تمثل القبيلة فيه واحدة من مكونات المجتمع، والقبيلة كما جاء في التعريفات هي جماعة من الناس تنتمي في الغالب الى نسب واحد يرجع الى الجد الاعلى او اسم حلف قبلي يعتبر بمثابة جد، وتتكون القبيلة كما معروف من عدة بطون وعشائر، وغالباً ما يسكن افراد القبيلة إقليماً مشتركاً يعدونه وطناً، والقبائل تنتشر في كل انحاء العالم وقاراته دون استثناء، فمنها ما اندثر مثل قبيلة الجرمانيين في اوربا، ومنها ماكاد يندثر مثل الهنود الحمر في امريكا الشمالية وامريكا الجنوبية. وتكون عوامل الاستقرار في القبيلة ونظامها الذي تتبعه في ادارة شوؤن افرادها وتعاملها مع من حولها من القبائل المجاورلها في سلم، واحداً من الاسباب التي تؤدي الى نمو القبيلة وازدهارها، ويكون التناحر والحروب المستمرة بين أي قبيلتين واحداً من الأسباب التي تؤدي الى نقص كبير بين افرادها، وقد يكون النظام المتبع في إدارة شؤون تلك القبائل ان تحافظ على مكانتها وسط نظرائها من القبائل الاخرى. والقبائل قد تفرخ بطوناً وعشائر، ولا توجد في منطقة واحدة او غير ذلك ما يعرف بمولد «قبيلة جديدة»، وقد تكون هنالك محاولات من بعض الاسر في السودان القادمة من الخارج بأن تحاول ان توسع اسم اسرتها لكون في عداد القبيلة، ونجد في الخرطوم ان هنالك اسراً قد توسعت بفضل التزاوج والتصاهر فيما بينها او محيطها ان كان على مستوى الاحياء والمدن او الولايات الاخرى خارج الخرطوم، وقد زادت عدد افرادها واصبح لها وجود، وقد تحاول تلك الاسر من خلال نشاط اجتماعي او اقتصادي او حتى نشاط سياسي اواعلامي أن تبدو في موازاة القبائل السودانية المعروفة. ورغم أن القبيلة قد اختلف دورها ومسارها القديم بسبب التطورالذي طرأ على الحياة بصفة عامة مما هو سلبي او ايجايبي، ألا أننا نجد التعصب الأعمى للقبيلة قد اخذ في الانقشاع، واصبحت تنمية المهارات الفردية هي اولى اولويات الفرد ان كان داخل قبيلة او اسرة، ولم يعد ذلك التكتل والانسياق وراءها بالشكل القديم الذي دائما ما يصاحبه ظلم خاصة في التعديات التي تحدث لاسباب اجتماعية او اقتصادية دون التروي في ميزان العدل والحقيقة. وقد يكون التطور الذي حدث بفضل التقدم العلمي وتغيير النمط القديم الذي كان سائراً، واحداً من أسباب تخفيف تلك الحدة والتعصب القبلي، بالاضافة الى التحول من حالة الرعوية والتنقل المستمر والتحول الى الاستقرار والانتقال الى حالة المدنية ان كان على مستوى القرى والأرياف، مما جعل الحياة في داخل تلك القبائل تتخلى عن بعض الموروثات القديمة التي يكون بعضها مخالفاً لمبدأ التعايش السلمي، وان كان بعضها مازال يعاني من هذا الامر. وبالقدر الذي ساهم فيه التطور في الحياة الى ان تتخلى القبائل عن بعض الموروثات والتقاليد التي كان بعضها يشكل تكبيلا لافراد القبيلة من الانطلاق، الا ان هذا التقدم خاصة الذي شهده هذا القرن والذي سبقه مما يعرف بثورة الاتصالات، فقد كان لهذا التطور افراز من هذا القبيل، وهو مفهوم للتعريف القبلي الحديث ومختلف غير الذي اشرنا اليه في بداية المقال، والذي يقول إن القبيلة هي جماعة من الناس تنتمي في الغالب الى نسب واحد يرجع الى الجد الاعلى او اسم حلف قبلي يعتبر بمثابة جد، ولكن المفهوم الجديد الذي احدثته ثورة الاتصالات اوجد انواعا جديدة من القبائل ليس لها اصل في الماضي وليست لها بطون او عشائر مثل القبيلة التقليدية وليس لها «جد» تنتسب اليه وليست لها ارض واحدة مشتركة يعدونها وطناً لهم. ومن بين هذه القبائل الحديثة التي كانت نتاج هذا التطور هي قبيلة «الشاتاب» وهي منسوبة لكلمة الشات، والشات هو ادأة تواصل ودردشة كتابية مباشرة بين المشتركين في شركات الاتصالات، والشات يستخدم في التسلية والدردشة والترفيه والاستفادة من نقل المعلومات والتعارف وغيرها، والشات اصبح يجمع آلاف الناس من مختلف انحاء العالم، واصبح هو الوسيلة الاسرع في نقل المعلومات بين الناس، وفي السودان ليس الوضع بعيداً عن العالم، فقد ازداد عدد مستخدمي الهاتف السيار عبر شركات الاتصالات الثلاث التي تعمل في السودان الى «27» مليون شخص حسب حديث وزير الاتصالات امام الرلمان يوم الإثنين الماضي، وكشفت دراسة لهيئة الاتصالات أن مستخدمي الانترنت في السودان بلغ نسبة «36%»، وهذا يعني ان نصف او يزيد من سكان السودان يتعاملون مع ثورة الاتصالات من خلال الهاتف السيار او الانترنت، وهذا يعني أن قرابة «30» مليون شخص يتعاملون بشكل مباشر او غير مباشر، وهم في ذات الوقت مؤهلون للتعامل مع «الشات» او الطرق الجديدة التي اوجدتها خدمات الاتصالات او وسائل التواصل الاجتماعي، واصبحت هذه المجموعات تسمى «الشاتاب» واصبحت تلك الوسيلة امراً مهماً في التلاقي الاجتماعي والسياسي. وفي السودان يدير الدكتور غازي صلاح الدين حواراً مع الشباب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وهو بالتالي يستعيض عن اللقاءات المباشرة من خلال تجمعات ان كانت في قاعة او ميدان عام، وبالتالي يتجب الاصطدام بالسلطات في حال اللقاءات المباشرة. ووجدت صفحته على الفيسبوك تفاعلاً كبيراً خاصة بعد محاولة عمليات الاصلاح التي قادها داخل الحركة الاسلامية وداخل المؤتمر الوطني، والتي افضت الى تحجيم الرجل، ولم يجد غير قبيلة «الشاتاب» ومخاطبة الشباب من خلالها، وفي نفسه أن يكون زعيماً لقبيلة «الشاتاب» في السودان، وغير غازي صلاح الدين هناك نائب رئيس الجمهورية الحاج آدم، وهو ايضا من الناشطين في استخدام وسائل التواصل، وكذلك د. حسن الترابي، وفي المحيط القريب نجد ان الانترنت كان فاعلاً في نجاح الثورة المصرية، ومن هنا كان «الشات» يجمع الناس من غير أرض ولا مورثات، وهو مكان افتراضي يتلاقى الناس فيه ولا يعرفون بعضهم البعض، لكن قد تجمعمهم اهداف، ولكن لا يمكن السيطرة عليهم من خلال ناظر القبيلة او العمد او الشرتاي، ولا من خلال جسم تنسيقي، وهم بالتالي خارج النظام الاهلي. ومن تلك القبائل التي ظهرت أخيراً ولم تجمعها «ارض» هي قبيلة «الحواتة» وهم مجموعة كبيرة من الشباب من الجنسين جمع بينهم حب الفنان محمود عبد العزيز الذي توفي قبل فترة في الاردن، والحواتة منسوبون الى «الحوت»، وهو لقب أطلق على هذا الفنان من معجبيه، وقد استطاع محمود عبد العزيز ان يجمع حوله العديد من الشباب، وتشهد كل الحفلات التي يقيمها تدافعاً بشرياً كبيراً، واحتار علماء الاجتماع والنفس لمعرفة سر العلاقة تربط هؤلاء الشباب بهذا الفنان، ولم تعرف السلطات حجم هذا العلاقة الا حينما أعلنت وفاته، فتدافع هؤلاء الشباب الى منزله في حي المزاد ببحري ثم المطار، حيث اشتبكوا مع قوات الأمن، ووصلوا الى المدرج حيث مهبط الطائرة، وهو خلل أمني، لكنه لم يكشف سر العلاقة القوية بين عبد العزيز وهؤلاء الشباب، ولكن هذا الحب لم يتأثر بالرحيل ولكن ازداد، وها هي الجموع من محبي الفنان «الحواتة»، تقيم حملة للتبرع بالدم في سلسلة اعمال الخير التي ظلت تقوم بها منذ حياة الراحل، وقدم الحواتة اكثر من «80» زجاجة لبنك الدم. والحواتة قبيلة جمعها حب الفنان محمود عبد العزيز، وبالتالي هي ايضا خارج منظومة النظام الاهلي، وان كانت امكانية معرفة حدودها ومعرفة افرادها أسهل من قبيلة الشاتاب. اما اللوتراب فهم مجموعة من الناس سافرت للولايات المتحدة عبر البرنامج المعروف «منح التأشيرات» وهو برنامج تتولاه وزارة الخارجية الامريكية كل عام بناءً على تكليف لها من الكونغرس الامريكي، وهو ما يعرف بالهجرة العشوائية او ما يسمى بالقرين كارد او البطاقة الخضراء او اليانصيب، وكلها مسميات لهذا البرنامج، ويدار هذا البرنامج بموجب البند رقم «203/ج» من قانون الهجرة والجنسية الامريكية، ويتيح هذا القانون صدور خمسين الف تأشيرة كل عام للاقامة الدائمة في الولاياتالمتحدة، ويتم التسجيل لهذا البرنامج عن طريق الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الامريكية على شبكة الانترنت، ويتم اختيار الفائزين عن طريق السحب العشوائي بواسطة الكمبيوتر، ولا يجوز لاي بلد ان يأخذ اكثر من «7%» من عدد الفيز المتاحة في تلك السنة. ونجد عدداً كبيراً من السودانيين هاجروا الى الولاياتالمتحدةالامريكية عبر هذا البرنامج، واطلق عليهم اسم «اللوتراب»، وهي ايضا مجموعة من الناس غير كبيرة اذا قورنت ب «الشاتاب» او «الحواتة» وقد كانت أسباب الهجرة اقتصادية او سياسية او دراسية او غيرها، ورغم كثرة المواقع داخل الخرطوم التي تخدم خدمات هذا البرنامج الامريكي للهجرة، الا ان نسبة السفر ليست كبيرة لتكلفتها العالية بالاضافة الى الحظ في القرعة . و «اللوتراب» بمفهوم هذه الهجرة يشكلون قبيلة يمكن أن يكون لها تأثير رغم قلة عددهم لأنهم يقعون في منطقة نفوذ اعلامي، ويمكن ان تشكل ورقة ضغط سياسي بعيداً عن سيطرة الدولة، خاصة أنها قبيلة نوعية من حيث مستوى العلم والمعيشة. وبمثل ما تغير مفهوم معنى «السيادة» في عهد ثورة الاتصالات، فقد تغير مفهوم القبيلة في هذا العهد ايضاً، وانتهى عهد التفاخر والتصعب الأعمى الذي كان سائداً، ولا أدري ماذا يقول شاعرنا ابراهيم العبادي عن القبيلة في عهد ثورة الاتصالات مثل «الشاتاب» وغيرها، وهو الذي حاول علاج التعصب القبلي القديم حين قال: : جعلي ودنقلاوي وشايقي شن فايداني غير جعلت خلاف خلت اخوي عاداني جعلوا نبأنا يسري للبعيد والداني يكفي النيل أبونا والجنس سوداني