رصد : عبدالوهاب جمعة: دعا مهتمون بقضايا الهوية والاثنية في ندوة مركز الراصد « قضايا الهوية والاثنية واثرها على الاستقرار في السودان » الى ضرورة ادارة التنوع الثقافي والاجتماعي والعرقي، مشيرين الى غياب التنمية وعدم عدالة توزيع السلطة والثروة، منادين باستصحاب القرارات لحاجة المواطنين، مؤكدين على ان الديمقراطية تعتبر احد اسباب الاستقرار السياسي بجانب دور الشباب والمجتمع المدني في تحقيق الاستقرار . في مبتدر كلمته عمد البروفسور بركات موسى الحواتي الى تفكيك عنوان الندوة وتساءل عن ماذا يعني الاستقرار ؟ واجاب بانه من ناحية المنطق وجود استقرار يعني عدم استقرار ، ويشير الحواتي الى ضرورة الاستقرار باعتباره احد ادوات التداول السلمي للسلطة بعيدا عن اسباب العنف ودائرته الجهنمية التي يعرفها كل السودانيين، مبينا ان الاستقرار السياسي يعني عدالة تقسيم السلطة والثروة ورفاه المجتمع ، ويتساءل الحواتي عن كيفية الوصول الى الاستقرار ؟ مرة اخرى يجيب بان كثيرا من القرارات في السودان تتخذ بعيدا عن حركة المواطنين . واوضح الحواتي ان السودان يقف امام مكونات اثنية متعددة، مشيرا الى ان القبيلة في افريقيا شكلت اساس الحكم والدولة ، ويقدم سردا تاريخيا للحضور الاثني والحضاري، مشيرا الى مساهمة الحضارة السودانية في اثراء الحضارة الانسانية، واوضح الحواتي تشكل الدولة في السودان بعد اعادة تقسيم افريقيا في مؤتمر برلين، مشيرا الى تداخل الالسنة في مختلف ارجاء البلاد ، واوضح ان شكل الدولة السودانية من الناحية السياسية تشكل بعد 1821 بعد غزو محمد علي باشا للبلاد للحصول على الرجال والذهب والسيطرة على منابع مياه النيل، وقال ان الثورة المهدية حققت اول سيادة نظيفة للبلاد بينما عمل الحكم الانجليزي لاستئصال المهدية وبناء الدولة، ولفت الحواتي الى ان مسألة العرقية ليست مرتبطة بالسودان لوحده وانما شملت دولا تعتبر في مصاف العالم الاول مثل سويسرا وفرنسا وايطاليا وهولندا وقال ان تلك الدول نجت من غلواء التعصب الاثني نتيجة تنامي الوعي، مؤكدا ان تلك النزعات اذا لم يحسن معالجتها ستكون لها اثار كارثية ، لافتا الى مظاهر العصبية العرقية التي كانت سببا في الحرب العالمية الثانية وحرب دويلات يوغوسلافيا السابقة، ويعطي الحواتي ملمحت عامت لتوالي ظهور النزاعات العرقية، مشيرا الى ان علماء السياسة والاجتماع يؤكدون على ان هناك عدة اسباب تزيد من وطأة تلك النزاعات تتراوح بين رفع بعض الاقليات لسقف مطالبها الى مستوى اعلى و عدم قدرة النظام السياسي لفهم المتغيرات التي تواجه تلك الاثنيات بجانب عدم العدالة في السلطة والثروة او ان الاغلبية تزدري الاقلية في السلوك والحياة اليومية او التنمية ، ويلفت الحواتي الى انه في بعض الحالات تتداعى وحدة الدولة لجهة تدخل قوة اقليمية او دولية في شؤون تلك الاثنيات . وينطلق الحواتي وراء تساؤل هل كان المركز على علم ووعي للنزعات الاثنية التي ظهرت بعد الاستقلال لجهة ظهور حركات نهضة دارفور وسومي والزنوج الاحرار ومؤتمر البجا واتحاد جبال النوبة التي بدأت بمناقشة مطالب تحولت سريعا الى انعكاسات سياسية ، ويلفت الحواتي الى ان اتفاقية نيفاشا التي كانت حلا مطلبيا اعطت الجنوب حق الانفصال بمشروعية تامة، مشيرا الى ان نيفاشا فتحت الطريق للمشورة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الازرق، مؤكدا انها اعادت الامور الى المربع الاول، ويقطع الحواتي بان نيفاشا خاطبت الاثنية، وقال انه بعد اتفاقية نيفاشا برزت الى السطح عدة اتفاقيات ذات خلفية اثنية مثل اتفاقية ابوجا واتفاقية الشرق بجانب إنشاء ولايات على واقع اثني مثل ولاية شرق دارفور والضعين، مشيرا الى الصراعات القبلية ومؤتمرات الصلح منذ 1957 الى الان . ويختم الحواتي مداخلته بجملة « السودان بوضعه الحالي قنبلة قابلة للانفجار». بروفسور عبده مختار موسى يبدأ بالقول ان الاثنية والهوية تتداخل وتتقاطع مع السياسة ، ويلفت الى التعقيد المصاحب لموضوع الهوية والاثنية التي تسيطر عليها غريزة الانتماء الذي تمتد جوانبه العاطفية، مشيرا الى ان الهوية تنشأ باللاوعي ، مبينا انها تؤثر في السلوك بجانب الابعاد السياسية والدينية، مشيرا الى ملامح البعد النفسي للسلوك السياسي والذي يترجم الى هوية سياسية بناء على انتماء الفرد لتلك الجماعة التي تؤثر في سلوك الفرد السياسي. ويقدم مختار رؤية قائمة على ان الدين الإسلامي واللغة والقبيلة شكل القاعدة الاساسية للهوية السودانية، بيد ان مختار يؤكد انها لم تنقض على الهويات الاخرى وانما احتوتها في عملية استيعابية وابان ان العرقية باتت تشكل محورا لهوية المجتمعات المتخلفة الى الدرجة التي باتت فيها النخب تتحصن خلف الاثنية لبلوغ مراميها وللوصول للسلطة، وقال ان الاثنية تطغى في احيان كثيرة على العقيدة الدينية ، مشيرا الى عملية تسييس الدين في القرار السياسي، موضحا انه في احيان تغيرت المظلة من العقيدة الى الاثنية، ويقدم مختار شواهد على ذلك بمسألة داؤد يحى بولاد الذي انسلخ من الحركة الإسلامية بجانب خليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة . يقدم مختار طرحا يرتكز في مجمله على انه كلما زادت درجة تعرض المجتمع للتحديث والعولمة، زاد حماس المجتمع للعودة لجذوره، مشيرا الى ان العولمة تعني في ابسط معانيها اذابة المجتمعات في ثقافة واحدة، ويشدد مختار الى خطورة الامر في وجود سلطة مركزية قابضة يكون رد فعل الاثنيات انفجارا كبيرا ، ويلفت مختار الى ان العقدين الاخرين شهدا اهتماما كبيرا من منظري السياسة والاجتماع بعد حالات الاستقطاب الحادة، ويؤكد مختار ان الاثنيات في السودان لم تنصهر في هوية واحدة، مشيرا الى ان الهوية لها مسارات متباينة تتفاعل وتتقاطع تكون نتيجتها دولة متماسكة ومستقرة رغم التعدد كما في الولاياتالمتحدة، ويوضح مختار ويقطع بان السودان لم يستطع ان يكون بوتقة انصهار لكل الهويات، ويلفت مختار الى تكوين الحكومات وتشكيل الوزارات حيث يقول انه من بين 500 قبيلة هناك 3 قبائل فقط نالت 45 % من المناصب الحكومية، مضيفا « ثلاث قبائل لم تغب عن اي تشكيل وزاري سواء عسكري او مدني »، ويشير مختار الى ان الاضطرابات والحروبات بالبلاد تعود الى تنامي العرقية وغياب التنمية العادلة والشاملة بجانب فشل النخب السياسية في ادارة التنوع وغياب الرؤى الاستراتيجية وغياب العدالة التي تنمي الغبن والاحباط . الكاتب الصحفي عبدالله ادم خاطر يشير الى مبدأ اساسي يتعلق بان جميع اصول العالم من نشأة واحدة، مبينا ان التجربة السودانية ليست خارج التجربة العالمية ، ويشير خاطر الى ان الاستعمار الانجليزي للبلاد كان اهتمامه يتعلق بالارض وليس السكان مشيرا الى ان السودان لم يكن محل ضغط استعماري شديد ولاجل ذلك قام الانجليز بالحكم غير المباشر حيث تعامل كل منطقة حسب طبيعتها، وابان ان بريطانيا حافظت على ذلك النهج حتى الاستقلال لتنفجر بعدها المشكلات الاثنية ، ويلفت خاطر الى ان ذلك الامر استمر الى توقيع اتفاقية اديس ابابا التي منحت السودانيين رؤية اهمية التنوع ، مشيرا الى نشأة المؤسسات ذات الطابع الوحدوي بعد اديس ابابا مثل جامعة جوبا ومعهد الدراسات الافريقية والاسيوية والمجلس القومي للثقافة والفنون بجانب منصور خالد الذي اقنع العالم بان السودان له مستقبل ، بيد ان عودة الحرب في 1983 قادت الى الانتفاضة التي وصفها خاطر بانها اعترفت بالتنوع وحق الاقاليم في حكم نفسها بجانب تشجيع الديمقراطية ، ويقدم خاطر جلدا للذات ويقول ان المأزق بعد الانقاذ شارك فيه الجميع وليس الانقاذ لوحدها او احزاب معينة ، مشددا على ان الهيمنة المركزية لا تحل المشاكل ، ورأى خاطر ان المستقبل للاستقرار، مشيرا الى ان اللامركزية والديمقراطية احد اسباب الاستقرار السياسي، مؤكدا دور الشباب والمجتمع المدني في تأمين الاستقرار .