: اوقات قصيرة هى التى تفصل بين الزيارات التى يقوم بها فى كل مرة وفد سودانى على مستوى عالٍ لجمهورية الصين، وفى المقابل تندر زيارات المسؤولين الصينيين لبلادنا، وهذا ربما يفسر العائد القليل لهذه العلاقة فى المجالين السياسى والاقتصادى رغم الضجيج العالى حول طبيعة هذه العلاقات، فعلى الجبهة السياسية وبعد أن كان للصين مبعوثها الخاص للسودان، فقد اوقف هذا المبعوث نشاطه او استنفد اغراضه، ولعل مهمته انتهت من غير اعلان، والخطورة فى علاقة بلادنا مع الصين انها تبدو كخيار اوحد، ولا مناص من أن تكيف حكومتنا اوضاعها طبقاً للمزاج الصينى، وهو مزاج يتأرجح ويميل كيفما تتجه مصالح الصين «الشقيقة» وعلى الارجح فليس من وجهة نظر الصين ان لدينا ما يغرى بعلاقة استراتيجية، ولعلنا نتمثل حالة «صاحب الحاجة أرعن»، ولا نتورع من تأكيد تمسكنا بالمصالح الصينية فى كل الاوقات أملاً فى ان تتمسك وتؤكد الصين على مصالح بلادنا ولو فى بعض الاوقات، وليس من الحكمة فى شيء تأكيد حكومتنا على موضوع دعم جهود الصين الرامية للحفاظ على مصالحها، فى وقت بدا واضحاً شح وقلة الدعم الذى تقدمه الصين لحكومتنا، والحكومة تعلم أننا فى أوضاع لا تمكننا من اقناع الحكومة الصينية بأننا نستطيع تقديم اى دليل لتلك التأكيدات حول قدرتنا على دعم جهود حكومة الصين للحفاظ على «مصالحها»، وقد رأينا كيف أن أخطر القرارات التى اصدرها مجلس الأمن وهى قرارات حددت وتحدد شكل ومستقبل البلاد تترك آثارها لاجيال قادمة، هى الصين نفسها التي لم تعترض ولم تستخدم حق الفيتو، ولم تتحفظ وتعمل على تحسين تلك القرارات الخطيرة التى صدرت جميعها بموافقة الصين أو امتناعها عن التصويت، فأية استراتيجية تلك التى تجعل موقف الصين تجاه بلادنا مساوياً لموقف الولاياتالمتحدة او فرنسا، او دول الاتحاد الاوربى الاخرى، ولا شك ان الصين تنظر لعلاقتها بنا من منصة الدولة العظمى، فبالرغم من أن الصين تستثمر ودائعها السيادية البالغة أكثر من «2» ترليون دولار فى الولاياتالمتحدةالامريكية ودول الاتحاد الاوربى، إلا أنها لم تبسط يدها تجاه حليفها السودانى باكثر من «2» مليار دولار فى الحاح غير مبرر ان تكون قروضها فى مجال توريد السلاح، وتراجع اهتمامها بالسودان لتحتل دولة جنوب السودان أهمية كبرى للصين، لدرجة أن الصين هى وراء فكرة بناء خط بديل لنقل البترول عبر كينيا كما يقول بعض المحللين، ويذهب آخرون إلى أن الترويج لهذه الفكرة يأتي من باب إعمال ضغوط إضافية على حكومة السودان، ويعزز هذه الأقوال الصعوبات الحقيقية التي تواجه الفكرة، وتوقفت الصين عن ضخ استثمارات جديدة لتطوير الحقول النفطية القائمة أصلاً، ناهيك عن استثمار أية مبالغ اضافية فى الاستكشافات الجديدة أو العمل في مجالات أخرى غير البترول، فالتصرفات الصينية تؤكد أنها بدأت فى مراجعة شكل علاقتها بالسودان عكس الفلسفة التي تقول «لا تعطني سمكة بل علمني كيف اصطاد سمكة»، وتتذبذب رؤيتها للعلاقات مع السودان في إطار خليط من الأفكار الكنفوشية والشيوعية والرأسمالية التي تضع المصالح الوطنية العليا الصينية فوق كل اعتبار، قبل الأيديولوجيا والمسميات الاخرى كالصداقة والتضامن والمصالح المشتركة، والعلاقة مع الصين مهما قويت فهى لن تكون بديلاً أو معادلاً للعلاقة مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربى، ومهما قيل عن زيارة الدكتور نافع مساعد السيد رئيس الجمهورية والوفد الكبير المرافق له، والنجاحات التى حققتها، أو لم تحققها، إلا أن لا أحد يستطيع أن يفهم أن تكون المباحثات قد سارت فى مسارين أحدهما حكومي والثاني حزبي يخص علاقات المؤتمر الوطني والحزب الشيوعي الصيني، ولا احد يدرى ما الحاجة والحكمة «الحكوميتين» في إدارة مفاوضات بهذين المسارين !!، فهل ذهب الوفد الحكومي «الحزبي» لبحث علاقات التعاون بين البلدين أم لبحث علاقة حزب المؤتمر الوطنى مع الحزب الشيوعى الصينى؟ وهل العلاقات الاستراتيجية بين الحكومتين أم بين الحزبين؟ أم أن الزيارة هدفت إلى إرضاء الجانب الصينى لجهة أن العلاقات شهدت أزمة مكتومة بسبب إغلاق الحكومة السودانية «الأنبوب»؟، وربما على قرار الحكومة السودانية أن تكون لجنة مشتركة تقوم بفحص السلع الصينية الواردة للسودان، وذلك أن الكثيرين أصبحوا دائمى الشكوى من تدني جودة السلع الصينية التى اغرقت الاسواق السودانية، بما فى ذلك جهات حكومية، وهناك اعداد كبيرة من الإخوة الصينيين يمتلكون محلات فى أسواقنا العديدة وبالذات سوق ليبيا، ويقومون باستيراد منتجات بلادهم مباشرة بما يخالف القانون وتحت غطاء من بعض السماسرة.. فالصين تتعامل معنا بصداقة زائفة، ونحن نلهث خلف علاقة استراتيجية!!