الخرطوم: محمد صديق أحمد : بالرغم من إجازة قانون الاستثمار أخيراً من قبل الحكومة إلا أن ملف تدفق الاستثمارات الخارجية الى البلاد يشغل بال الجميع لما يرنو اليه الكل في اسهام فاعل من حصائل المشروعات الاستثمارية في دفع عجلة التنمية والانتاج، لا سيما عقب نكوص دولة الجنوب المتكرر عما وقعته من اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع السودان، الأمر الذي ظل يمثل عائقاً رئيساً أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية، رغم الامكانات الكبيرة التي يتمتع بها السودان من أراض زراعية بكر وموارد طبيعية جمة، غير أنه بالرغم من وجودها مازال ملف الاستثمار الخارجي يراوح مكانه، الأمر الذي يطرح تساؤلاً مشروعاً عن مكمن الخلل وأصل الداء الذي عطل مسيرة قطار الاستثمار بالبلاد وحرمه من الانطلاق؟ فإن كانت الحجة في السابق عدم إجازة قانون الاستثمار فلماذا لم تتحرك عجلة الاستثمار عقب إجازته، الأمر الذي يشي بأن ثمة معيقات وعقبات تقف حجر عثرة أمام تدفق الاستثمار الأجنبي يجب الالتفات إليها والعمل على معالجتها، على رأسها قضايا الفساد المالي الذي أشارت إليه الجهات الحكومية في محافل كثيرة وهددت بتقليم أظافر كل من يثبت تورطه في مائه الآسن. ويرى البروفيسور عصام بوب أن مكمن داء الاستثمار يتجسد في عدم القدرة على ترجمة الجهود والنظريات المبذولة من قبل الدولة على ما تتمتع به من رصانة وجودة من حيث المستوى النظري الى حيز العمل والتنفيذ على أرض الواقع، وزاد بوب قائلاً إن إجازة القانون من الجهات التشريعية ليست كافية لإزالة عقبات الاستثمار، واعترف بأن كل قوانين الاستثمار تجابه بجملة عقبات ومطبات صعوبة التطبيق على أرض الواقع، نسبة للبيروقراطية المصاحبة والملازمة للأداء التي نأت بقطار الاستثمار عن السير على قضبانه، وساعد في ذلك التهاون في تطبيق القانون على الجميع لجهة قانعة بوب بأن التهاون في تطبيق القانون مهد كثيراً لتمرير الأجندة الشخصية وتحقيق المنافع الذاتية في ظل غياب قوة تطبيقه، بجانب ضعف الرؤية للاستثمارات الأجنبية التي تم استدراجها لباحة البلاد التي تم إغراؤها بالأراضي المتوفرة بالسودان، وخلص الى أن عيب الاستثمار بالبلاد اداري لجهة اتخاذه لتحقيق منافع شخصية وذاتية، ووصف ما يحدث منه على أرض الواقع بأنه استنزاف لأصول ورؤوس أموال المواطنين، وأن الحل المفضي إلى الخروج من مأزق الاستثمار يكمن في اعادة هيكلة الاقتصاد الكلي، وختم حديثه بأن صدق النوايا وقوة العزيمة والشفافية في الاستثمار مطلوبات لا يمكن الاستغناء عنها، وإلا سيكون الأمر كله مطية لتحقيق المآرب الذاتية. وغير بعيد عن إفادة بوب يقول الدكتور محمد الناير: «صحيح أن بسط الحوافز وتخفيض الرسوم والضرائب المفروضة على المشروعات الاستثمارية وتطبيق طريقة النافذة الواحدة لإكمال الاجراءات وفك الاشتباكات والتقاطعات التشريعية بين مستويات الحكم، تمهد الطريق للمستثمرين، إلا أن ذلك لن يكون مفيداً حال افتقاد الاستقرار الأمني الشامل بالبلاد وعدم حل المشكلات الأمنية في دارفور وأبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق وعدم استقرار الأوضاع السياسية، وإذا تم ذلك فإن الطريق للاستقرار الاقتصادي يكون ممهداً ومن ثم التحكم في معدلات التضخم وكبح جماح سعر الصرف»، ودعا الناير للاهتمام بالاستقرار الأمني والسياسي بغية تحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي ينقاد لهما، ومن ثم تتبعه تدفقات الاستثمارات على البلاد من كل حدب وصوب. وشدد الناير على أهمية التوصل إلى استقرار أمني واقتصادي مع دولة الجنوب التي غدت ممارساتها تجاه الدولة الأمر الطارد الأول للمستثمرين الأجانب. ولم يبتعد المحاضر بجامعة الأحفاد الدكتور السماني هنون عما ذهب اليه الناير، وأضاف أن المعضلات التي تجابه الاستثمار الخارجي المباشر كثيرة، على رأسها التشريعات والقوانين المنظمة، وأعرب عن أمله في أن يوفر قانون الاستثمار الجديد الحماية اللازمة للمستثمر وأصوله من الضياع والاعتداء، قبل أن يدعو للعمل على وضع حد لمعاناة الاقتصاد من عدم الاستقرار الذي يعمل على زعزعة ثقة المستثمر في الاقتصاد، جراء عدم استقرار سعر الصرف وزيادة معدلات التضخم والضرائب الباهظة وارتفاع تكلفة الانتاج وعدم القدرة على منافسة المنتجات الخارجية. ودعا هنون الى توجيه وتركيز الاستثمارات في القطاعات الانتاجية الحقيقية «الزراعة والصناعة» التي تحتاج إلى مد يد العون جراء تراجع عجلة إنتاجها، في ظل غض طرف الحكومة عما يجري في باحتيهما، وقال إن على الحكومة التركيز على القطاع الزراعي، وأن تعمل وسعها في اللحاق بالعروة الصيفية التي انطلقت مسيرتها متأرجحة ومتثاقلة الخطى، ومن ثم يمكن توجيه رؤوس الأموال الأجنبية إلى القطاع الصناعي الذي يمكن أن يسهم في توفير العملات الأجنبية وإعادة الاتزان للميزان التجاري.