٭ ظللنا كلما تأهبنا لقتل غول الفساد فرحين مستبشرين تقتل فينا الآمال، لقد بدأت مسيرة محاربة الفساد منذ زمن بعيد ويمكن ان نقول عند فجر الانقاذ فإستبشرنا خيراً كثيراً إلا أن الوتيرة بدأت في النزول وبدا للعيان ما تتناقله الألسن وتكثر فيه (القوالات) خاصة مع الموجات العارمة التي إغتالت مصلحة المهمات ومؤسسات شراء ورقابة وصيانة المركبات الحكومية ولجان المشتريات المركزية والمحلية حتى اصبحت كلها جزءاً من تاريخ الخدمة المدنية وذكريات من قصص الشفافية ثم بدأ بعد ذلك التنافس الخطير الذي بدأ للعيان في البنايات الشاهقة والاثاثات المستورد والعربات الفخمة المظللة ثم ظهر الثراء في اطفال الأثرياء فصار ملبسهم فاخراً وأماكن طعامهم تفوح منها روائح أفخاذ الدجاج المشوي والمحمر والاسماك الطازجة، ثم بعد ذلك بدأت المؤسسات الحكومية التي تمسكت بها الطبقات المتوسطة ترمي بموظفيها الى خارج مبانيها وقد حملت هذه الفاجعة في طياتها قصصاً تنوء عن حملها الأحزان والتفكك الأسري وما كان للآلاف الذين استغنت عنهم المؤسسات يتصورون أن يوماً أو أياماً نكده ستغشى أسرهم فقد فارقوا مأوى معاشهم بواسطة ورقة صغيرة، أما كبار المسؤولين والذين انقسموا الى غير الموالين وطموحات البعض في أماكنهم الشاغرة الفاخرة من القادمين الجدد فقد كانوا أقل هماً عن الآخرين منهم يحملون من الخبرات والشهادات ما ساعدتهم الى القفز خارج القفص الحديدي الذي أحاط بالبلاد وتبع كل ذلك المأساة الكبرى التي تمثلت في تدني الخدمة المدنية وإنفراط القيود فصار كل يرعى بلا قيد ولا سؤال، وبدأت الطامة الكبرى عندما بدأت المؤسسات تتهاوى لسببين رئيسيين أولهما الإطاحة بذوي الخبرات وثانيهما الاستيلاء عليها بواسطة ذوي الولاءات الزائفة وبدأت كل جهة تعدو نحو فنائها بسرعة البرق فقد أهلنا ما قرأناه آخر عن مشروع الجزيرة الذي شهدنا تفوقه وعظمته وذلك عندما أصدر والي الجزيرة قراره بإستيلاء حكومته على ما تبقى من أجزاء جسده الذي أصابته ضربات الفساد فلم يتبق إلا بقايا من الاقسام تركت لتحكي الأحزان، أما النتيجة المؤلمة كانت في اختفاء المخازن والمهمات والعربات فإمتلأ الشارع بما لذ وطاب من العربات الصغيرة والكبيرة والحمراء والصفراء دون ضابط لأى مشتريات، وفي كل هذا الأثناء ظلت الحكومة تكون لجان الفساد فتركت مولانا محمد ابو زيد في كهف صغير بشارع الجامعة ليصرح أخيرا بأنه سجين الامكانيات والمعلومات ثم عندما استشرى الامر وصار يشمه البعيد والقريب بدأت اللجان تتكون وتنفض حتى بدأت الأجهزة المسموعة والمرئية والمكتوبة تبشر بإعتلاء د. أبو قناية سدة مقعد محاربة الفساد، ولكن دائماً يفقد الشارع ما يجري تحت الكواليس ورئيس الجمهورية لم يفتأ يشتكي من آثار الفساد حتى وأنه وبكل شفافية إعترف بأن عهده إمتلأ بفساد الاراضي وعدم ادارتها بالصورة المطلوبة.. وهكذا ظللنا نسمع ونشهد الكثير الذي لا نعول عليه كثيراً لأنه يفتقد للمصداقية والشفافية وظلت ملاحظات الشارع تدور سراً تارة وعلناً تارة أخرى حتى فوجئنا بتعليق د. الحبر نور الدائم بعد استماعه لتقرير المراجع العام والذي ظل الشارع يردده حيث اتسق تعليقه مع موروثاتنا الشعبية (كل ما نقول موسى نلقاه بقى فرعون) إنه مثال استطاع ان يلخص فيه د. الحبر ما آل عليه الحال. لقد أصبحنا نعاني الأمرين من الفاسدين حتى أصبحنا نتذوقه ونتنفس هواه ،فالفاسد كما يقول الكاتب علي حسن السعدني مباح له كل شيء يسطو على ما تشتهيه نفسه بدون وجه حق، والكثير من الاشخاص يدعون الى محاربة الفساد والتصدي له، لكن القليل منهم من يدعون دعوات صادقة لمحاربة الفساد والمفسدين ومحاسبتهم. ان اطلاق سراح الاعلام لتناول أوجه الفساد وإزاحة الغطاء عن الكثير من الفساد الذي أريد به (الستره) هو السبيل الوحيد ليكون هؤلاء عبرة ولجلبهم ليقفوا أمام القانون لمحاكمتهم كما يجب، لقد حظيت ظاهرة الفساد باهتمام واسع من جميع بلاد العالم خاصة الفساد الإداري والمالي وهى أغلبها تعبر عن الانحرافات الإدارية والمالية والوظيفية والمخالفات التي تصدر من الموظف أثناء تأدية عمله واستغلاله للمناصب والصلاحيات المخولة اليه في محاولة للكسب السريع والثراء على حساب المصلحة العامة. وهناك الفساد السياسي المتمثل في فساد أصحاب المناصب العليا الذين ابتدعوا تفشي ظاهرة الفئوية والقبلية والعنصرية ومنح الأقارب للمناصب دون النظر الى الكفاءة والنزاهة والعدالة، ثم الفساد الاخلاقي وهى الانحرافات الاخلاقية والسلوكية التي انتشرت بسبب ضعف الوازع الديني لدى بعض الأفراد ، ولا ننسى الفساد الديني الذي استخدمه البعض غطاء لإضافة صفة شرعية على بعض الأمور والتصرفات للوصول الى ما يصبون اليه. اننا نحلم بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد والفاسدين يطلق يدها لتتحسس كل ما يقع في يدها وكل ما يصل الى سمعها والى كل سطور الإعلام وأقوال الناس ثم التثبت والتحقق والعدالة في إصدار أحكامها ، ونحلم بأن تراجع الحكومة خاصة المؤسسات الوزارية المعنية بالخدمة العامة القوانين التي سرت في وقت الفوضى خاصة الجمع بين عمل المسؤول الحكومي وبين عضوية مجالس إدارات الشركات والمؤسسات، لقد نما الى علمنا ونرجو أن يكون ذلك غير صحيح أن بعض الوزراء وأصحاب الولاءات الأخرى يتربحون من كونهم أعضاء في عشرات من مجالس الإدارة دون تخصص يجعلهم يعينون المؤسسة بعلمهم وخبراتهم ويتقاضون بدلات عنها آلاف الجنيهات ، كما يجب متابعة القوانين الخاصة بالكبار الذين يتحصلون على قطع الاراضي والمزارع وغيرها خارج حدود المنافسة وبأسعار رمزية مع تسهيلات القروض التي يحصلون عليها دون ارتباط بالقوانين، اضافة الى وضع قوانين للذين يحصلون على الهدايا بحكم مناصبهم، ثم أن تفصيل وثيقة الأموال والاحراز للمسؤولين يجب أن تخضع للإعلام والنشر حتى يكون الكتاب مفتوحاً للجميع.. إن الإفادة من بعض البلدان المشابهة وكيفية معالجتها للفساد يمكن أن تكون أحد المفاتيح التي تساعد على قبل باب الفساد.