دخلت مصر منعطفا خطيرا بعد مقتل العشرات وجرح المئات من المتظاهرين المعتصمين أمام دار الحرس الجمهوري، وسرعان ما تركت هذه الأحداث تداعيات سياسية بانسحاب حزب النور من العملية السياسية ودعوة حزب مصر القوية إلى استقالة الرئيس المؤقت عدلي منصور، وتحيمل مسؤولية الأحداث لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي. وتضارب توصيف الأحداث وروايتها والمسؤول عنها، فجماعة الإخوان المسلمين وصفتها بالمذبحة التي يتحمل مسؤوليتها السيسي، وأوضحت أن الحرس الجمهوري أطلق النار على المصلين المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي وأدى ذلك إلى مقتل عشرات الأشخاص بينهم أطفال. أما القوات المسلحة فأعلنت أن ضابطا قتل وأصيب أربعون آخرون بعدما حاولت «مجموعة إرهابية مسلحة» فجر امس الاول اقتحام نادي ضباط الحرس الجمهوري. وأثارت هذه الأحداث أسئلة كثيرة عن إمكانية تكرار السيناريو الجزائري بمصر وانزلاق البلاد نحو حرب أهلية كما حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. القيادي في التيار الشعبي عصام الإسلامبولي استبعد انزلاق مصر إلى السيناريو الجزائري «لأن المؤسسة العسكرية المصرية قوية واستجابت للشعب المصري وتطلعاته وحمت البلاد من مؤامرات خطيرة». وأشار إلى أن المخابرات العسكرية أعلنت أسماء المتهمين بقتل ضباط وعناصر الجيش والذي كان الرئيس «المخلوع» يحميهم ويرفض إعلان الأسماء واتخاذ إجراءات ضدهم. وخلص إلى أن مرسي ومن خلفه جماعته حاولوا جر البلاد لحرب أهلية «لكنهم فشلوا ويفشلون». على الضفة المقابلة كرر القيادي في حزب الحرية والعدالة خالد حنفي موقف الجماعة بأنهم لن يعتدوا على أي شخص حتى لو اعتدى عليهم، «فنحن لم نمارس العنف حتى عندما كنا في السلطة ولن نمارسه الآن ولا حتى في المستقبل» ودعا جميع المتظاهرين للسلمية والتحقيق مع السيسي «المسؤول الأول عما جرى من قتل للمصلين». وأمل أن يتراجع الجيش خطوات للوراء «لأنها المرة الأولى التي يطلق فيها جيش وطني النار على مواطن مصري ويُوقع مذبحة» بحق المتظاهرين. هذا رأي السياسيين أما العسكريون فلكل رؤيته وتحليله لما جرى، فاللواء أركان حرب المتقاعد عبد الحميد عمران أعرب عن مخاوفه من انزلاق الوضع بمصر نحو السيناريوين الجزائري والسوري حتى، وأكد أن التيار الإسلامي في مصر مصمم على عدم الانزلاق للعنف وهم ينظرون إلى الأمور بأن «المواجهات مع الجيش يسقط فيها الآن العشرات ولكن إذا تحولت لمقاومة مسلحة للسلطة فيصبح الرقم آلاف القتلى». واعتبر أن بيان الجيش القاضي بمقتل ضابط وإصابة جنود في هجوم لا يبرر إطلاق النار على مصلين وقتل عشرات منهم وهذا أيضا حصل في العريش قبل أيام حين كان المتظاهرون يصلون. وأشار إلى أن البلاد تدخل في مرحلة «اللاعقلانية»، وتابع أن قيادات الجيش حين تعطي أوامرها يصل الأمر للضابط على الأرض بأن عليه إطلاق النار والقتل وهذا لا يكون مقصد القيادة. وأكد أن الجيش لن يتراجع ولكن يجب على الجميع حصر الخسائر الناجمة عن الإجراءات التي قام بها الجيش. وخلص إلى أن البلاد تفتح على المجهول إذا لم يرفض قسم من الجيش ما يجري وينبه الضباط السيسي بأنه بعد أحداث الحرس الجمهوري وانسحاب حزب النور وطلب عبد المنعم أبو الفتوح من الرئيس المؤقت الاستقالة لم يعد هناك إجماع حول الخطة السياسية. في المقابل أكد اللواء المتقاعد مجدي البسيوني استحالة انزلاق البلاد للسيناريو الجزائري «لأن الجيش يسيطر على الوضع» في البلاد. وأضاف أن الحرس الجمهوري لم يرد على إطلاق النار متهما مجموعات مسلحة بإطلاق النار على المتظاهرين وقيام بعض منهم بارتداء زي عسكري «لإيهام الآخرين أن الحرس اعتدى على المتظاهرين، لكن الحقيقة أن مسلحين اعتلوا أسطح البنايات وبادروا بإطلاق النار على الجيش». وأوضح أن المسلحين أطلقوا النار على الحرس والمتظاهرين للإيقاع بين الشعب والجيش، فمن يهدد ويتوعد وينادي بالجهاد والاستشهاد في رابعة العدوية يمكن أن يمارس أعمال عنف في محافظات عدة «بمشاركة عناصر فلسطينية من حماس وغيرها من الفصائل». وفيما يتعلق بالتداعيات السياسية وانسحاب حزب النور ودعوة حزب مصر القوية الرئيس المؤقت للاستقالة يقول القيادي في التيار الشعبي عصام الإسلامبولي إن خروج حزب النور لن يؤثر على العملية السياسية التي دعمها الجيش. وأضاف «هو دخل بإرادته وحر بقرار الخروج»، وتابع أن حزب النور رفض تكليف محمد البرادعي كرئيس للوزراء وتعيينه كنائب لرئيس الجمهورية أيضا ثم رفض ترشيح زياد بهاء الدين لرئاسة الحكومة، «معنى هذا أنه يحاول وضع عقبات أمام العملية السياسية الجديدة» في البلاد. ولم ير في انسحاب حزب النور خسارة «للغطاء الإسلامي» للعملية معتبرا أنهم بغنى عن غطاء «الرصاص وقتل الناس في الشوارع»، وأكد أن حزب النور لم يشارك في مظاهرات الثلاثين يونيو وتبنى موقفا سلبيا منها، وأضاف أن شباب الحزب يشاركون في اعتصام المؤيدين للرئيس «المخلوع». ونفى أن يكون الصراع حاصلا بين التيار الليبرالي والمدني من جهة والتيار الإسلامي من جهة أخرى، لكنه بين الشعب المصري ومن «يتاجرون بشعارات الدين». القيادي في حزب الحرية والعدالة خالد حنفي ثمن موقف حزب النور «الإيجابي» ودعوة عبد المنعم أبو الفتوح لاستقالة الرئيس المؤقت. وأشار إلى أن أمر «الانقلابيين» افتضح بأخذهم حزب النور كغطاء إسلامي «لانقلابهم». وبعد أيام وقعت «المذبحة» أمام الحرس الجمهوري، وأضاف أن حزب النور انسحب لأنه لا يستطيع أن يُكمل أمام أنصاره «الغرق في دماء المصريين». وأكد أن الصورة بدأت تتضح أمام الأحزاب السياسية الذين كانوا يحصرون خلافهم مع الجماعة بالسياسة لكنهم اكتشفوا مدى «غشامة العدوان الذي وقع أمام الحرس الجمهوري». وخلص أنها لم تكن في الأساس هناك عملية سياسية بل «انقلاب» صريح وواضح وانحياز لطرف دون أخر.