الآن وبعد أن باتت معدلات الجرائم التي كان السودانيون إلى عهدٍ قريب يعتبرونها شاذة وغريبة في إزدياد وإضطراد، آن لنا أن ندرك رغم قساوة النتيجة أن المجتمع السوداني لم يعد هو ذاك المجتمع ذو الأنفة الذي يأنف حتى منحرفيه من إرتكاب الجرائم الوضيعة مثل جرائم الاغتصاب وخطف الاطفال وغيرها من نوعية الجرائم التي كان أي سوداني عندما يسمع بها أو يقرأ عنها يحمد الله على عافية مجتمعه ومعافاته منها، فاذا به الآن وبسبب أسباب عدة منها المحلي الذي ضرب بنية المجتمع ونسيجه الاجتماعي في مقتل ومنها الخارجي العابر للحدود والمخترق للثقافات والموروثات، أصبح من الطبيعي أن يسمع السوداني أو يقرأ بين يومٍ وآخر عن واحدة من هذه الجرائم التي كان فيما مضى عندما يسمع بها أو يقرأ عنها لا يملك أن يعجب منها ويضرب كفاً بكف ثم يستغفر الله ثلاثاً، ومن بين هذه الجرائم التي بدأت تأخذ طابع الاعتياد، جريمة خطف الأطفال والتي للغرابة لم تكن وقفاً على الخرطوم بل شملت عدة مدن إقليمية صغيرة شهدت هي الاخرى حالات إختطاف أطفال في ظروف مجهولة ما يشي بأنها جريمة غير عادية وذلك ما كشفته لاحقاً جهود الشرطة الدؤوبة حين اكتشفت أنها جريمة منظمة تمارسها شبكة محترفة ومتخصصة، ولكل هذا مجتمعاً لم تعد تكفي إجتهادات الشرطة على أهميتها لسبر أغوار هذه الجريمة وإجتثاثها من جذورها ولا إنفعالات الصحافة بها، إذ لا بد من جهد قومي كلي يتكامل ويتضافر ويتساند كلٌ في مجال تخصصه وعمله ذو العلاقة بالقضية، مؤسسات بحثية ومنظمات معنية بالطفولة، والأسر والمدارس ورياض الأطفال، ليس ذلك فحسب بل يمكن أن ينخرط المجتمع كله في خوض حرب ضروس ضد هذه الجريمة التي تهدده في كل حاضره وأهم رأسمال يملكه ويدخره للمستقبل... إن من الخطل والخطر أن نترك قضية بهذا الحجم وبهذه الخطورة للمعالجات الشرطية فقط، لا بد من إعتبارها قضية أمن قومي والتعاطي معها على هذا الأساس، أن يجعلها مجلس الأمن القومي الذي يرأسه رئيس الجمهورية على رأس أجندته في أقرب فرصة بأن يدعو عضويته للالتئام عاجلاً، وأن يبادر البرلمان في أول جلسة إنعقاد رسمية له لطرح هذه المسألة المقلقة للتداول ومراجعة كل القوانين المتصلة بها لتشديد العقوبة على الأشرار مرتكبي هذه الجريمة، كما على أرباب الأسر عامة والأمهات بصفة خاصة أن يراعوا أطفالهم ولا يدعونهم لقمة سائغة يسهل إختطافها بواسطة هؤلاء الشواذ، كما يقع على الولايات والمحليات واجب توفير أماكن لعب ولهو آمنة للأطفال تجعل المجرم يتردد ألف مرة قبل أن يقترب منها، لا بد من فعل شيء أكثر فعالية وأكثر جدية للتعامل مع هذه القضية مما هو حادث حتى الآن والذي لم يتعد دور الشرطة في تلقي بلاغات الفقدان ثم سعيها الحثيث الذي يبذله رجال المباحث، ودور الصحافة في الطرق على قضايا الاختطاف رغم تقديرنا لبذل الشرطة وعطاء الصحافة...