الخرطوم: ولاء جعفر : لم يكن استقبال رمضان بالعاصمة القومية هذا العام كسابق العهد به، فعوضاً عن الاستعداد له بتحضير الأواني المنزلية وشراء الاحتياجات الغذائية من توابل وما شاكلها، لم تعد لأحياء العاصمة المثلثة أمنية سوى الحصول على جرعة ماء، فقد عكر صفو استقبال الشهر الفضيل انقطاع المياه عن المنازل، علاوة على تغير لونها الذي يقرب من الطمى في أحياء أم درمانوالخرطوم وبحري، رغم أن الكل يعلم منذ ايام الدراسة الأولى أن الماء لا لون ولا رائحة له وهو عصب الحياة، لكن ما يعانيه سكان العاصمة هذه الأيام دون تميز هو انقطاع إمداد المياه، حيث أوضح بعضهم أن الانقطاع زاد على خمسة عشر يوماً، والبعض الآخر أبان أن الانقطاع قد بلغ يومه الرابع. «الصحافة» تجولت وسط احياء الخرطوم والتقت سكانها الذين يبدو على وجوههم الارهاق جراء السهر للحصول على جرعة ماء لقضاء حوائجهم، فكانت البداية بمنطقة الكلاكلة التى شهدت احتجاجات أخيراً نتيجة لانعدام المياه، حيث وجدنا مجموعة من المواطنين يجلسون أمام بقالة ويضعون بجانبهم سطلاً تحت «حنفية»، ينتظرون فرجاً يأتيهم، لكن صاحب البقالة اشار الى ان هذا «الجردل» موضوع منذ الأمس تحت الماسورة، ولم تتكرم عليه بقطرة ماء، وزاد بأنه حتى الموتور عجز عن سحب المياه من المواسير الى ان المنطقة لم تر المياه منذ اكثر من اسبوعين، مما ادى الى قلق وتضجر سكان الحى الذين خرجوا نساءً ورجالاً بحثاً عن الماء، مشيراً الى لجوء السكان فى اليوم الاول من رمضان لاستهلاك مياه الصحة من بقالته، واتفق معه المواطن على كمال وشكا من السهر والجلوس حول حنفيات وصنابير المياه حتى الصباح بغية الحصول على ما يحتاجونه من المياه، غير أنه مع ذلك كله لا ينالون ما يرجونه منها، مشيرين الى ان المياه بعد جهد وسهر تأتى متسخة بصورة اقرب للطمى ما ادي لاصابة العديد من المواطنين بالاسهالات. وفي منطقة الصحافة لم يكن الحال بأفضل من منطقة الكلاكلة، حيث التقينا الغسال ابراهيم موسى الذى شكا مما لحق به من ضرر بسبب انقطاع المياه، واكد ان الحي انعدمت به المياه منذ يوم الاحد الماضى، فيما قال المواطن محمد يوسف ان الامداد المائى متذبذب منذ فترة طويلة، لكن خلال الاربعة ايام الماضية انعدمت المياه وحتى أثناء الليل تعثر وجودها، أما فتح الرحمن الذي يسكن حي الشجرة فقد أشار إلى وجود رواسب وتغيير في لون المياه التي يتم الحصول عليها على قلتها، مما اثار تخوف المواطنين، وقالت الخالة كلثوم التى تعمل بائعة شاى وتأتى من مايو الى حى الزهور لهثا وراء الرزق: «إن المياه انقطعت عنا قبل ثلاثة ايام مما ادى الى تعطيل عملي الذى اعيش من ورائه ايتاماً، ففي اليوم الاول من رمضان اخذت ماءً من الجيران لأنهم يحفظون الماء فى صهاريج، لكن بعد ذلك لم اجد مكاناً اجلب منه الماء، خاصة ان استهلاك المياه يزيد في الشهر الكريم». واثناء تجوالنا في أحياء الخرطوم القديمة اكد سكانها انقطاع الامداد المائي منذ يوم الجمعة الماضي، وهم في انتظار الفرج، في حين أنهم يتساءلون عن الأسباب التى ادت الى ذلك. وقال المواطن حسن عثمان من سكان جبرة إن مشكلة انعدام المياه يعانى منها سكان جبرة مربع «15» وما جاوره من مربعات منذ مدة، والذي لا يملك موتوراً لن تتوفر له قطرة من الماء، وقد شكا السكان مرات ومرات لكن لا حياة لمن تنادي، وبعد عدم النظر في شكوانا وحل مشكلاتنا استسلمنا للامر الواقع وتبرمجنا على المواعيد التي تأتي فيها المياه التى اصبحت بلون وطعم ورائحة مختلفة، ومضت في القول الى ان جميع سكان الحى قاموا بشراء صهاريج لحفظ المياه لفترة من الوقت حتى لا يعدموها، والذى لا يملك موتورا لا يرى الماء ليلا أو نهارا، لكن فى بداية هذا الاسبوع تعذر مجيئها إطلاقاً مما ادى الى خروج الاسر للشوارع بحثاً عن الماء فى المربعات المجاورة، وأضافت الحاجة آسيا من سكان الديوم الشرقية مربع «5» إن الحنفيات والأزيار تشهد على انعدام الماء، وقالت إن المنازل في اليوم الثاني أصبحت خالية من قطرة ماء وحتى الذين لديهم صهاريج نفدت مياههم، والسكان تفاجأوا بانقطاعها ولم يعملوا حسابهم، مشيرة الى أن سكان الحى عمدوا أخيراً الى تأجير عربات بوكس من اجل جلب المياه من المناطق التى تتوفر فيها، وعلى الرغم من انها لا تكفى حاجتنا الا انها أفضل من العدم، وطالبت الحاجة آسيا الجهات المسؤولة بمعالجة الاشكاليات لأن الماء من ضروريات الحياة. أما الحاجة مدينة فقد قالت: إن قيمة برميل المياه وصلت هذه الايام الى اثنين وعشرين جنيها، ولا يتحمل المواطن البسيط اعباءً فوق طاقته، وقال العم محمد وهو يتساءل اين الانجازات التى قامت بها هيئة مياه ولاية الخرطوم في بداية العام ام انه كان مجرد كلام من غير فعل، فقد تم انقطاع الماء منذ اسبوع مما ادى الى معاناة المواطنين فى سبيل جلبها، وقبل انعدامها كانت تأتي بلون الطمي حتى انها لا تصلح للشرب، وكانت تنساب عبر الحنفيات ضعيفة للغاية وفى بعض الاحيان تنعدم في فترة النهار وتأتي بالمساء في منتصف الليل. ويستغرب العم محمد من ان المسؤولين عندما يتحدثون فى المنابر يؤكدون تذليل الصعاب للمواطن البسيط، حيث انه لا يطمع في شيء غير توفير الخدمات الاساسية من مياه شرب وكهرباء وصحة. اما المواطن عثمان من سكان بيت المال فقد أكد انعدام الماء في المنطقة منذ يوم السبت الماضي، ويتساءل عن سبب الانقطاع. وقال: اذا كان للهيئة عمل وصيانة فى الشبكات من المفترض ان تعلن سكان المناطق المقصودة بالصيانة عبر وسائل الاعلام كى يقوموا بوضع احتياطاتهم ويتجنبوا المعاناة التي يتعرضون لها بسبب انعدام الماء، ويمضى عثمان قائلاً: قبل انقطاع الامداد المائي نهائياً عن الحى كانت المياه تأتي ضعيفة في النهار وتندفع بعد منتصف الليل، وكان السكان يجلبونها نهارا من جامع الحى الذى يوجد به موتور يساعد على اندفاعها نهاراً، لذلك يستغله المواطنون تجنباً للسهر ليلا، لكن بعد انعدامها هذا الاسبوع ازدادت المعاناة وبات الناس يبحثون عن الوسائل التي تساعدهم على جلبها من المناطق التي تتوفر فيها. ومضى في القول إلى ان عربات الكارو التي تجلب الماء مهمة في مثل هذه الظروف لأنها المنقذ الوحيد في مثل هذه الضائقات. والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر أكد أن أزمة المياه طارئة بسبب العكورة الزائدة، معلناً عن تشغيل كل المحطات الجوفية الاحتياطية، ووضع «50» تانكراً احتياطياً للاستجابة لبلاغات المواطنين فى المناطق الحرجة، حتى يعود الوضع إلى طبيعته خلال الأيام القادمة.