مايرنو.. مصحف يجسد عبق التاريخ من يزرو مدينة مايرنو الواقعة جنوب سنار يتوقف على التطور الكبير الذي طرأ على هذه المنطقة، فعلي صعيد البنية التحتية باتت تضاهي اكبر مدن البلاد، ومن حيث التعليم فالمدارس المشيدة على احدث الطراز المعماري تنتشر في جنباتها وهي تعج بطلبة العلم، اما الخلاوي والمساجد والزوايا، فيجدها الزائر اينما اتجه، وترتفع فيها اصوات الذين يتلون القرآن بتبتل وخشوع، وعلاقة مايرنو بالقرآن والدعوة في سبيل الله كعلاقة الانسان بالماء، وشاءت الظروف ان نلتقي في زيارتنا لمايرنو بسلطانها الشيخ الجليل ابو بكر دانفديو، وهو رجل وقور يشع نور الدين من وجهه، ويحظى بمكانة كبيرة وسط منسوبي قبيلة الفلاتة وكل اهل سنار، وهو يمثل الرمزية لهذه القبيلة العريقة والكبيرة، والشيخ أبو بكر يقف على قضايا المواطنين في محكمته الاهلية، وتحظى احكامه بالرضاء من الجميع لعدالتها، ولاحظنا خلال زيارتنا له في داره انه يحمل مصحفاً كبيراً، وعرفنا ان هذا المصحف كتب باليد قبل مئات السنين، ويقول رئيس رابطة أبناء الفلاتة بسنار هاشم حامد إن من يضع يده على المصحف يقول الحق ولا يمكن ان يكذب، بل ويصاب بالرهبة، واعتبره من تراث القبيلة الذي يفاخرون به. الدمازين.. جزار وقاضٍ «يا هو ده السودان» قلتها دون ان اشعر، وانا استمع الى مراسل الصحيفة بولاية النيل الازرق الزميل مكي ماهل وهو يعرفني على رجل ستيني التقيناه بسوق الدمازين قبل ايام معدودة، فقد قال لي ماهل: «هذا الرجل يحظى بتقدير واحترام كل اهل الولاية، وذلك لأنه يصلح بين الناس ويمارس دور القاضي»، ودفعني حديث ماهل الى تجاذب اطراف الحديث مع قجة عبد الرحيم جبريل، وهو شيخ الجزارين بالدمازين، وفي ذات الوقت يمشي بين الناس صلحاً، فقال انه ظل يقوم بهذا العمل منذ عقود مضت لوجه الله تعالى، مشيراً الى ان القضاة بالمحاكم يحولون اليه الكثير من القضايا لحسمها عبر تقريب شقة الخلاف بين المتخاصمين، كاشفاً عن حسمهم في لجنة الصلح لسبع آلاف وسبعمائية قضية خلال عام واحد، لافتاً الى انه لا يتدخل في القضايا الحدية، الا انه ينظر ويصلح بين الناس في كل القضايا الجنائية والمدنية الاخرى، وأضاف قائلاً: «إن الخلافات الاسرية ونزاعات العقارات والاراضي ومعاملات البنوك وجرائم القتل وغيرها من قضايا نحسمها بالكلمة الطيبة والصلح بين الناس، ونستعين في عملنا هذا بالتذكير بما جاء في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ولله الحمد نجد التجاوب من المتخاصمين، وانا سعيد بهذا العمل». لا تعليق غير أن «يا هو ده السودان» و «البلد لسها بخيرها». دارفور.. البفولو قاهرة الرمال يطلقون عليها بكردفان ودارفور العديد من الالقاب التي توضح متانتها وقوتها، وفي ذات الوقت تجسد احترام وتقدير المواطنين لأدوارها التي ظلت تلعبها في ظروف غاية الصعوبة، تتمثل في انعدام الطرق المسفلتة، وعربة البفولو او النواب التي ادخلها رئيس الوزراء الأسبق وامام الانصار الصادق المهدي في منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي عندما منحها لنواب دارفور لتسهيل حركتهم في الاقليم، باتت اليوم وسيلة المواصلات المحببة للمواطنين، وذلك لسرعتها ومتانتها وقدرتها على تجاوز الكثبان الرملية والاودية، ورغم ارتفاع قيمة المشوار بها الا ان المواطنين يقبلون عليها، وهي تتحرك في الليل اكثر من النهار، وتبلغ تذكرة المشوار عليها من الضعين إلى نيالا البالغ طول مسافته ما يزيد علي المائتي كيلومتر «150» جنيها، ومن نيالا الى النهود «400» جنيه، ويقول سائق البفولو الذي اقلنا من الضعين الي نيالا، انه لولا هذه العربة لتوقفت حركة المواطنين بدارفور وكردفان في ظل عدم وجود طرق مسفلتة. الشرق.. أطفال يبحثون عن «الرطوبة» في مناطق «الشدة» من أراد تلمس المعاناة والتعرف على تفاصيلها الكئيبة وصورها القاتمة، فليتوجه الى شرق السودان وتحديداً في الارياف البعيدة عن المدن الكبرى، ففي هذه المناطق تتجسد المعاناة في الاطفال الذين يتدثرون بملابس بالية، وتمتزج البراءة بالحرمان الذي يتبدى جلياً في مظهرهم البائس، وفي الصورة الاولى اطفال احدى قرى الشواك وهم يرتدون «الرَّطَّب» في أرجلهم، وفي الصورة الثانية تعتبر «الشِّدة» وهي حزاء مصنوع من البلاستيك وبخس الثمن الملاذ الوحيد الذي يلجأ اليه اطفال تلكوك بولاية كسلا لحماية أرجلهم من الطبيعة القاسية، وما بين «الرَّطَّب» و «الشِّدة»، يبحث أطفال الشرق عن «الرطوبة» في مناطق «الشدة». كسلا.. عجوز في عمر الشباب في وطننا هناك الكثير من الرجال الشوامخ الذين اجزلوا العطاء بكل نكران ذات وتجرد، لا يبتغون من خدمتهم للمجتمع مالاً او شكوراً، فهم بسطاء.. أنقياء.. أوفياء.. أتقياء.. يعشقون تراب هذا الوطن حد الوله، ومن هؤلاء الاكارم الصحافي محمد ابراهيم الشهير ب «عجوز»، فهذا الرجل الذي يستحق ارفع انواط التكريم، ظل ولمدة خمسين عاماً كالشمعة يحترق من اجل ان ينير للآخرين الطريق ويبدد العتمة بكتاباته الصادقة والمهنية، فمنذ عهد إرسال رسائله الصحفية من كسلا إلى العاصمة عبر القطارات واللواري «قبل الاسفلت» والتلغراف والي زمن الانترنت، ظل عجوز صحافياً رياضياً يعكس النشاط بمدينة الجمال الى كل السودان، أكثر من خمسين عاما والرجل الذي يلقب بالعجوز يتدفق شباباً وحيوية، متعه الله بالصحة والعافية، وقيض الله له من يكرمه بقدر ما اعطى. الفاو..الغسيل على ضفاف الترع لا تواجه النساء في المدن معاناة كبيرة في غسيل الملابس، لتوفر المياه واجهزة الغسيل الحديثة، ومن لا تملك غسالة كهربائية تقوم بايجار نساء للقيام بمهمة الغسيل نظير مال لا يتجاوز سبعة جنيهات لدستة الملابس، ولكن في كثير من مناطق السودان خاصة تلك التي تقع على ضفاف الانهار والترع، تحمل النساء والفتيات الملابس لغسلها على اطراف المجاري المائية، بداعي انقطاع المياه في كثير من الحالات عن المنازل او لعدمها في الغالب، والصورة توضح فتيات يغسلن الملابس بالقرية «6» بالفاو، وتعتبر قرى الفاو من اكثر مناطق السودان معاناة في الحصول على مياه الشرب، والصورة تتكرر أيضاً في القرى التي تقع على ضفاف النيل الأبيض. الأبيض.. سائق عربة النفايات يتدفق إبداعاً الإبداع لا وطن له، وهو ليس حصرياً على الاغنياء او المثقفين، وهذه الحقيقة يجسدها إنسان بسيط في مظهره وفقير بحسابات المال، بيد انه غني بروح تشع ابداعاً وفناً، وسائق عربة الصحة بمحلية شيكان بشمال كردفان ابراهيم الزين رجل تمشي ابداعاته بين الناس، فهو يجيد صنع اشكال فنية في غاية الجمال من فروع الاشجار التي يحولها الى لوحات في اشكال مختلفة، ويبدع في تجسيد الحيوانات، وتحظى مصنوعاته ومنحوتاته بإقبال كبير من قبل هواة الجمال، وهذا الرجل صاحب الروح الجميلة، التقته «الصحافة» في معرض بأحد المتنزهات بالأبيض، وقال إنه يستلهم أفكار منحوتاته من البئية ومن عيون الناس وحركتهم، مشيراً إلى أن أجمل لحظات حياته يعيشها عندما ينتهي من صناعة منحوتة تنال اعجاب الناس في المعارض. ود بندة.. الإنسان والحيوان يتزاحمان على مورد مياه واحد غير مهتمين بما يترتب على مشاركتهم الحيوان مورد شرب واحد، يتدافع المواطنون في ارياف غرب السودان على «الدوانكي» لجلب المياه، وعندما رأيت مشاركة الحيوان للإنسان الشرب من حوض واحد تملكتني الدهشة وشعرت بالشفقة عليهم، لكن أحد الشباب هون عليَّ ضاحكا «يا ناس البنادر دي حياتنا، اتعودنا عليها، وربنا حافظنا»، نعم ربنا هو من يحفظهم، والصورة التقطتها «الصحافة» ل «دونكي» مياه بقرية صقر التي تقع بإدارية دردوق بمحلية ود بندة بغرب كردفان، ولا عزاء لجمعيات حماية المستهلك. بربر.. اعطني مسرحاً اعطك أمة عبر محرريها ومراسليها زارت «الصحافة» معظم مناطق السودان ان لم تكن جلها، ووقفت على مختلف مناحي الحياة، وفي زيارتنا الاخيرة لولاية نهر النيل وتحديداً مدينة بربر تفاجأنا بوجود مسرح على احدث طراز، وشعرنا ونحن نتجول بداخله بسعادة غامرة، وذلك لأن الامم التي تهتم بتشييد المسارح وتفعيل دورها أمم متحضرة ومتقدمة فكرياً وثقافياً واكاديمياً، والمسرح الموجود بمدينة بربر العريقة لم نجده في الكثير من حواضر الولايات وكبريات مدن البلاد، وفعلا اعطني مسرحاً اعطك أمة. أم روابة.. أزياء الثانوي وذكريات الزمن الجميل وأنت ترى طالبات مدارس ام روابة الثانوية وهن يرتدين ذلك الزي المدرسي المميز، تستعيد شريط ذكريات الزمن الجميل، ففي هذه المدينة وبعض مناطق البلاد مازالت الطالبات يرتدين الزي ذا اللون اللبني الذي اشتهرت به المدارس الثانوية في الماضي، وكم هو جميل الزي المدرسي القديم. جبل مرة.. الشرطة في خدمة الشعب الشرطة السودانية وعلى مر العهود والحقب ظلت الملاذ الآمن والحضن الدافئ للمواطن، ومكانتها في القلوب لم تتأثر برياح السياسة وتقلبات الأيام وتصاريف الدهر، ومنسوبوها في مختلف الإدارات ظلوا يجسدون عظمة الإنسان السوداني في كبريائه وعزته وسماحته ونصرته للحق وحماية الضعيف.. والصورة لأفراد من الشرطة وهم يبثون الأمن والاطمئنان في قلوب المواطنين بجبل مرة في دارفور، وليت الحرب اللعينة تتوقف حتى يستمتع الشرطي والمواطن بسحر وجمال جبل مرة. الجنيد.. زحمة إطفال جوه جنة والعيد على الأبواب يبدو الأطفال دائماً هم الإكثر سعادة بمقدمه، لا يعيرون الظروف الاقتصادية المتأزمة التي تمر بها البلاد والعباد إدنى التفاتة، فهم يريدون الجديد من الملابس، وحتى إن عجز الآباء عن الإيفاء بمتطلبات فلذات أكبادهم فتظل الفرحة حاضرة حتى وإن كانت منقوصة، والصورة لأطفال مدينة الجنيد وهم يلهون بكل براءة ابتهاجاً بعيد الفطر الماضي.