نعى وزير المالية الأسبق عبد الرحيم حمدي الصناعة الوطنية وتعهد بإقامة أعظم جنازة لها ،ورأى أنه لا يمكن حمايتها عبر إجراءات أو دعم لان ذلك سيكون ضد مصلحة المواطن ،ودعا إلى إعادة هيكلة الصادر لأنه لا توجد صادرات حاليا غير النفط،وقال في حوار مشترك بين «الصحافة» و «الوحدة» إن صادرات البلاد الزراعية والصناعية ينبغي أن تربط بحاجة السوق العالمي ،ودعا إلى فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية وتشجيعها وإزالة العوائق التي تعترضها لأنها المخرج الوحيد للسودان،خصوصا إذا اختار الجنوب الانفصال فإن موازنة الدولة ستفقد أكثر من 50 في المائة من مواردها،واعتبر الخدمة المدنية مشروع إعاشة لأنها مترهلة وغير فاعلة ولكن لا يمكن الاستغناء عن العاملين لاعتبارات عدة. ودافع حمدي عن سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها (الإنقاذ)، التي بدأت منذ العام 1992 واستندت على خروج الدولة من الاقتصاد والاعتماد على الذات وتحريك الموارد المحلية واعانة الفقراء «البرنامج الثلاثي»،وقال إنه لولا تلك السياسات لما استغل السودان النفط ، مشيرا إلى مضاعفة الميزانية إلى تسعة أضعاف خلال العقدين الأخيرين ووصلت إلى 16 مليار دولار، واقر بأن الاقتصاد القومي سيتأثر في حال انفصال الجنوب ودعا إلى التشجيع الحقيقي للإنتاج الاقتصادي باعتباره البديل خلال المرحلة المقبلة،وتاليا نص الحوار : *استخراج النفط وبدء تصديره على مدى السنوات السابقة لم يحقق أثرا ايجابيا في حياة المواطن لماذا؟ ما قامت به حكومة الانقاذ فى اوائل عهدها ووضعها للاستراتيجية ليس مبنيا على النفط، وان البرنامج الرئيسي الذي قامت به الحكومة في مجال الاقتصاد بدأ منذ العام 1992م وهو برنامج خروج الدولة من الاقتصاد والاعتماد على الذات وتحريك الموارد المحلية الذاتية وبرنامج اعانة الفقراء لكى يتحملوا المتغيرات « البرنامج الثلاثى للانقاذ الاقتصادى «وبدأ تنفيذ كل هذه الاهداف فى وقت تشتعل فيه الحرب التى ظلت تأكل معظم الموارد بجانب المقاطعة الاقتصادية التى بسببها منع السودان من الموارد الخارجية، بالاضافة الى الجفاف الذى ظل يضرب البلاد انذاك، ولذا فإن النتيجة للبرنامج الثلاثى وما تلاه من برامج اقتصادية سابق للنفط وظهر بعدها البترول نتيجة لهذه البرامج مما جعل الكثيرين عقب ظهور البترول يتدافعون الى السودان بغرض الاستثمار فى النفط ووصلت الاستثمارات إلى 14مليار دولار في وقت حررت فيه الدولة الاسعار للمستثمرين وكان البترول احد الانجازات التي أنجبتها السياسات التي تبنتها(الإنقاذ) ولولاها لما كان الاستثمار فى السودان. * ولكن ما أثر ذلك على حياة المواطن؟ سياسات تحرير الأسعار كانت جزءا من البرنامج الاقتصادى واسهمت فى استخراج وتصدير البترول واصبح عنصرا مهما من عناصر البناء الاقتصادى باعتباره موردا واضافة حقيقية للاقتصاد وعائده سريع بالاضافة الى ميزته التى تعطى صورة موجبة للدولة فى قدرتها على السداد ويساعد على جذب المستثمرين ، ولذا فإن ظهور البترول فى كل الدول كان بكميات كبيرة مع عدد سكان ليس كبيرا لكن في السودان استطاع النفط ان يساهم في إنشاء البنى التحتية والخدمات ، ونعلم جيدا ان البترول فى السودان كميته محدودة ،حيث بدأ من 140 الف برميل فى اليوم وتطور الى ان وصل الى نصف مليون برميل وهو محدود بالمقاييس العالمية، وإذا علمنا أن العالم يستهلك فى اليوم 76 مليون برميل وبترولنا المستخرج اقل من 1 % فى وقت يواجه بمشكله الحرب كما ان نسبته ضئيلة جدا للاقتصاد السودانى الكلى باعتبار انه لايزيد فى الدخل القومى على 7 % ولكن تأثيره على الميزانية كبير باعتباره موردا مهما ،وفى بداية استخراج النفط كان 80 % منه يذهب للشركات المنتجة لكن تتناقص تدريجيا لصالح حصة الحكومة ، بالإضافة إلى مشاكل الحرب ولذا فإن عائد النفط لم يذهب كله الى الحكومة او للخدمات وحتى اذا ذهب فإن نسبته بسيطة جدا مقارنة بعدد السكان والمساحة الكبيرة ونجد ان الآمال كانت كبيرة من قبل المواطنين في وقت نجد فيه ان النفط لم يحل كل المشاكل مثلا دول الخليج لديها حتى الان مشكلة فى الاسعار برغم انها منتجة للبترول ولكن الذى يحل المشاكل هو انتاج الغذاء والانتاج الصناعي. * وحتى مشاريع التنمية الكبيرة كسد مروي نشأت بقروض خارجية؟ نعم الصناديق العربية مولت سد مروي بقروض طويلة الأجل لكن من ضمن اشتراطات المانحين لتنفيذ السد ان تشارك الحكومة التى دفعت نحو نصف مليار دولار من التكلفة الكلية البالغة مليار ونصف المليار دولار، اما فى مجال الصحة والتعليم فإن الحكومة الاتحادية تخصص جزءا للولايات لكن ميزانيات الولايات تعتبر المكون الرئيسي ، فى وقت نجد ان الحكومة القومية ظلت تتحمل خدمة مدنية كبيرة جدا فقد طالبنا بالحكم الفيدرالى واكتشفنا عدم وجود موارد ولن نستطيع تفكيك النظام برغم عدم وجود كفاءة فى الخدمة المدنية واذا تم انقاص الخدمة المدنية فبالطبع يحتاج الشخص الى نظام معاشى جديدة معتبرا ان الخدمة المدنية تحمل فى طياتها عبأ ثقيلا وصارت مشروع إعاشة في ظل وجود ثلاثة جيوش عسكرية،ففي الدول الغربية يعطى العاطل عن العمل إعانة شهرية له ولأسرته ونحن لا نستطيع في السودان إعانة العطالة المتزايدة. *الاستثمار تواجهه عقبات والإنتاج المحلى تكبله مشكلات مع تراجع المنافسة الخارجية للصادرات السودانية فما المخرج ؟ الاستثمار هو المحرك الاساسى للانتاج ونجد ان السودان بلد ضعيف جدا فى مجال المدخرات التى لاتزيد عن 2 % من الدخل القومى للبلاد واذا عرفنا ان البلاد التى تطورت كانت مدخراتها تزيد عن 40 في المائة، كما في النمور الأسيوية وإذا لم يكن لديك مدخرات فعليك بفتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية وتشجيعها، فالعالم الغربي استثمر فينا لفترات طويلة واستفاد منا فى تطوير نفسه، ونعلم ان البعض يعتبر ان الاستهلاك هو ماكينة لنمو العالم خاصة ان العالم المتقدم مثل اميركا يعتمد على الاستهلاك بنسبة 70 في المائة واليابان بنسبة 80 في المائة. واصبحت منطقة « اليورو» في أوروبا منطقة استهلاك ولذا تسعى بعض الدول الى عدم هبوط اليورو او حدوث خلل فى دول الاتحاد الأوروبى باعتبارها دولا مستهلكة بالدرجة الاولى ولذا لابد من وجود مشتر ومستهلك واذا توقف الاستهلاك سيتوقف الانتاج ونحن فى السودان لدينا مشكلة فى الانتاج وهى ارتفاع التكلفة التى تحد من المنافسة المحلية والعالمية ولذا فإن فتح الاستيراد يأتى لمصلحة الإيرادات ووصول سلع رخيصة لمصلحة المواطن ولكن هناك عيوبا في دخول لبن بودرة بقيمة 140 مليون دولار الى السودان في ظل وجود ميزة نسبية وعدم تشجيع اللبن المحلى، في بداية( الإنقاذ) حاولنا زيادة الانتاج فى الصمغ العربى بالا يصدر الا مصنعا بجانب الجلود ايضا فوجدنا مقاومة شديدة من مصدرى الجلود والصمغ العربى، فهذه اخطاؤنا التى تتذيل بمصالح محلية الى ان فقدنا حاليا كل السلع ، ثم جاءت مسألة السلع المصرية وخفض التعرفة الجمركية التى جاءت وفقا للاتفاقيات الموقعة فى منطقة الكوميسا ومنطقة التجارة العربية الحرة بأن كل سنة يتم التخفيض بنسبة 20 في المائة ولم يكن الأمر مفاجئا ، ولذا لماذا افرض على المواطن ان يشترى سلعة بسعر أعلى في ظل إمكانية التوصل إليها بسعر مخفض خاصة وان العالم انتهى من مسألة الحماية وصارت الدول تعمل وفقا للسلعة التى لها فيها ميزة نسبية. *ا لا تعتقد أن الطاقة واحدة من مكبلات الصناعة بالسودان؟. واعتقد أن حجة أن الكهرباء عقبة في تطور الصناعة ليس بمنطق صحيح ولكننا ظللنا ندعم دائما صناعات فاشلة وكانت فى فترة من الفترات تسمى الصناعات المحلية « بدائل الاستيراد» التى تم تشجيعها من قبل الدولة انذاك وتم اعطاؤها امتيازات وهى فى الاساس قائمة على خطأ. *اذا لماذا تدهورت صناعة الزيوت مثلا برغم وجود ميزة نسبية ؟ خلال العام 1978م كانت هنالك معاصر للزيوت تعمل فى كردفان والسبب الرئيسى لانهيار صناعة الزيوت فى السودان هو السبب الطبيعى « الجفاف» فانهار حزام زراعة الفول والسمسم وتبعه انهيارالمعاصر فى حقبة السبعينات كما ان كل معاصر بورتسودان انهارت تماما وشركة الحبوب الزيتية انهارت ايضا والنسيج نفس الشئ والقطن ايضا باعتبار اننا نزرع قطنا أغلى تكلفة في العالم وكل العالم يزرع قطنا مطريا واعتقد انه لا توجد ضرورة فى تشجيع الصناعة الوطنية وفقدنا فرصتنا فى اتحاد مع مصر لكى تكون لنا الريادة فى الصناعة الوطنية . وأقول إذا وجدنا الصناعات الرخيصة لماذا اذا أشجع وأدعم صناعات عالية التكلفة وامنع دخول الصناعة الرخيصة واعمل دعومات؟ فأنا اعتبر ان الموقف غير صحيح كما انه منطق ضد مصلحة المواطن في أن يجد سلعة رخيصة لماذا احمل المستهلك شراء سلعة بسعر غال، فإذا كانت شروط التجارة تسمح باستيراد سلع رخيصة لماذا لا استوردها ، موقفي هذا ليس ضد الوطنية فى وقت توجد أمثلة في دول عديدة بالعالم تعمل بهذا النظام . واكتشفت بعض الدول وجود صناعات مكلفة وليس لديها فيها ميزة نسبية فتركتها لذا فإن الصناعات التى ليس بها منطق اقتصادى يجب تركها لتموت سريريا وقال» اتعهد بتنظيم جنازة للصناعة المحلية « واعتقد ان السوق السودانى ضيق جدا ولذا لابد من اصدار قرار واضح وبأجل محدد لوأد الصناعة ،لأن حماية الإنتاج المحلى ستضر بالمستهلك السوداني . *مستقبل الزراعة فى السودان وما هى اسباب فشلها ؟ اكبر فئة متعلمة فى السودان هم الزراعيون، ولكنْ هنالك اسباب كثيرة ادت لفشل الزراعة فى السودان ونحن مع الاهتمام بالزراعة باعتبار ان العالم فى حاجة الى لاغذاء كما اننا يمكننا تصدير منتجاتنا إلى العالم لكن ينبغي العمل بعقلانية ، وإنتاج ما يحتاجه السوق الخارجي فكينيا مثلا تصدر زهورا إلى أوروبا ،وفي عيد الحب (الفالنتاين ) قبل فترة قصيرة استورد السودان زهورا بثلاثين مليون جنيه ، ولذا لابد من اعادة هيكلة وصياغة الصناعة والصادرات ومعرفة ما يريده العالم خاصة واننى على يقين تماما بأن صادراتنا لن تزيد بهذه الطريقة التقليدية وعلينا بدراسة للأسواق التي تجاورنا وجلب خبرات في مجال الزراعة كما حدث فى حالة السكر . *هل السياسات مشجعة وجاذبة للاستثمار الاجنبى ؟ سياستنا غير مشجعة للاستثمار فبعد ان نقر قوانين الاستثمار نفرض ضرائب على الاستثمار خاصة ان سياساتنا معقدة فى قطاع التعدين مثلا وفى الصادر والجبايات، لكننا في حاجة الى عمل دؤوب فى هذه المسألة ، وقد قمنا باستشارة البنك الدولى الذى أعد تقريرا حول الاستثمار أقر فيه بوجود 138 عائقا للاستثمار في السودان ، ودرسناها واتخذت الجهات المختصة قرارا بشطب المعوقات كلها الا انها لم تشطب الى الآن . *ما الذى تحقق ايجابا في ظل السنوات الماضية ؟ لقد نما الاقتصاد الوطنى من 6،8 مليار دولار الى 62 مليار فى العشرين سنة الماضية فى ظروف كلها حرب وهذا يعد انجازا كبيرا ، كما أن الميزانية تضاعفت 9 أضعاف من نصف مليار دولار في العام 1992 ووصلت إلى 12 مليار دولار ، وحدوث استقرار نسبي في سعر صرف العملة الوطنية ومقاومة الضغوط الخارجية ، فهنالك دول كثيرة انهارت ولذا فإن الدولة بفضل السياسة استطاعت التوسع فى الانتاج والانفاق على الجيوش مع الاستمرار في افتتاح المدارس والمستشفيات وصناعات جديدة. كل هذا فى ظل المعيقات ونتوقع ازدياد الاستثمارات الأجنبية إذا تلاشت وانتهت التعقيدات هذه باعتبار ان المستثمر يبحث عن الأمن والأمان . *ولكن ما هي البدائل المتاحة فى المرحلة المقبلة خصوصا إذا استقل الجنوب ؟ البدائل المتاحة هي تشجيع الانتاج والان لدينا نظرة غريبة ضد امتيازات الاستثمار تؤدي الى عرقلة الاستثمار فى كافة جوانبه المختلفة، لكن لابد من مبالغة فى اعمال امتيازات استثمارية خاصة للمناطق الفقيرة والأمر يتطلب إجراءات فقط ،إذا نجحنا في جذب الاستثمار عبر الامتيازات فإن ذلك سينعكس على تشغيل الخريجين والعطالة وتحريك عجلة الاقتصاد ،واعتقد ان كل الحلول معروفة . البدائل هى الانتاج الحقيقى والان نجد هنالك زيادة فى الخدمات التى تعنى زيادة فى الاقتصاد الكلى . *برنامج الخصخصة التي تبنيتموه ماذا أنتج ؟ سياسة الخصخصة وفتح الابواب ساهمت فى دخول ستة مصارف عربية ادخلت ما يقارب المليار دولار إلى السودان وقامت هذه البنوك بتمويل عقارات وسيارات ولابد من فتح الباب لأي عدد من البنوك باعتبار أنها سوف تدخل مبالغ الى البلاد واعتقد أن السودان لا يزال يحتاج إلى مبالغ ضخمة واذا حدثت منافسة فإن الربحية والتمويل بأرباح بطيئة سيكون ممكنا وكل ذلك لمصلحة المواطن السودانى .