ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل اثنين من سائقيه وإصابة ثلاثة من موظفيه في السودان    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا أحد يصدق ما يجري في الغربة؟؟
قصة قصيرة
نشر في الصحافة يوم 11 - 05 - 2010


«1»
٭ لا أحد يصدق ما يجري في الغربة..
لا أحد يصدق خيول الحرية المجنونة وهى تركض خارج حدود الوطن. وتجتاز آلاف الأميال في ومضة.
في زمن التناقض، ناس تموت من التخمة!! وناس تموت من الجوع! وناس تهرب من الصيف الى اوربا!! وناس تشرب عرقها المالح الذي يحفظها على الاقل من التعفن..!!
بلد مليون ميل مربع..
مربع واحد اضافي يتغير فيه طعم الأشياء.. وتمارس الحرية بافراط يدعو للشفقة والدهشة وكثير من الاشمئزاز!!
«2»
٭ وكانت هناك..!!
خارج المليون مربع.. هاربة من الصيف والسحائي ومن ثقل الاحترام الزائف.. مكتنزة بالصحة والمال، الى بلد ما بلدك وكانت ضمن عائلة صغيرة تشاركني القطار المتجه من سويسرا الى مدينة «فراج بورج» الالمانية.. تلك المدينة الصغيرة التي ترقد بين الحدود يالسويسرية الالمانية الفرنسية، تعارفنا..! وكنت متلهفاً لنسائم الوطن، وكنت أحاول أن أشم الرائحة التي طالما أحببت، وكانوا يتحدثون عنه بضيق، يعكسون الجانب المعتم والموغل في الاحباط، حديثاً مختصراً ولزجاً ومنفراً ومتعالياً..! بوصلة عشقي تتجه للوطن، وعيوني ممتلئة بالحنين كبحار تائه في عرض البحر لاحت له اليابسة من بعيد، فضج الفرح في قلبه.. اقترب منهم بمسرة وهم يبددون أشواقي وينثرون لهفتي في صمت القطار المحايد.. وفي وجوه الركاب الجامدة والمنشغلة بالقراءة كأنهم في مكتبة عامة! الأب المترهل تكمن مشكلته في غذائه الجيد..! ولا يكف عن الثرثرة وعن زيارتهم السنوية الى سويسرا والى المانيا والى مدينة فراج بورج الصغيرة التي تنعم بالهدوء بعيداً عن ضجيج المدن الكبرى.. بون- ميونخ- برلين- فرانفكورت- اتحدث عن الوطن- فيسحقني بأنه يود شراء بيت في هذه المدينة الصغيرة الخالية من التلوث، برغم ان لديه ابن يعيش في فرانكفورت-، أحاول أن أمرر شحنة من الوطن من خلال حديثه الممل، وكان براعاً في افساد كل المحاولات مع إيجادة الغزل بالحياة الاوربية..!
٭ لا أحد يصغي لعطشي المزمن انني «أأذن في مالطا».
٭ لا أحد يطحن قمحي، وجوه الركاب الشمعية لا تحفل لحجم أشواقي، ضجرت، حملت عطشي واتجهت بنظري الى نافذة القطار، وكنت أنظر ولا أبصر سوى الوطن في كل الخضرة الممتدة أمامي، ومن حين لآخر استرق النظر الى سحناتهم التي لا مناص منها والتي تحمل جينات الوطن مهما علق بها من شوائب ونكران!- وكان ذلك يفرحني- وكانت هى طيلة الرحلة تلهب وجهي بنظراتها الحارقة حتى أشعر بالحياء..! الاب المتمرغ في الترف يثرثر الى ولديه الراشدين عن متعة السفر داخل اوربا بالقطار.. وبنته الكبرى الفائرة النضوج تتربص وفي عينيها وجد مخيف! وعندما تأكد بأنه الحق الكدر بولديه وببعض الركاب المحايدين تحول الىَّ كأنني طبق آخر على مائدته..!! منذ متى وأنت في ألمانيا؟ وباقتطاب أجبته بأنني هنا لنيل شهادة الدكتوراة في الكيمياء الحيوية من جامعة فراى بورج، وأجبت على نظراته التي تتفحصني بريبة بأنني من أسرة عادية جداً تتحرق شوقاً لحضوري، وأنني هنا منذ سنتين فقط.
٭ صمت لبرهة..
فانعكس الضوء على وجهه المترهل وعلى التجاعيد في عنقه المتين وعلى شاربه الخفيف المصبوغ وعلى شفتيه السميكتين وصلعته التي يحاول أن يخفيها بجذب الشعر من الخلف للأمام.. ويبدو عليه بأنه يجري محاولات شاقة ومستمرة لاخفاء بصمات الزمن العنيد من ملامحه وبدأ كعربة قديمة تمت اعادة صناعتها من جديد وبصورة عصرية، وظل هيكلها الاساسي غير قابل للتعديل كاشفاً عن موديلها! وفجأة انفجر الفرح في وجهه، وانتقل منه الى ولديه الراشدين والقطار يمر بمدينة «بازل» السويسرية وخرجت الذكريات منهم واللحظات الرائعة.. وبدأ فصل آخر من فصول الذكريات المشتركة عن مدينة بازل.. وعن مدينة الملاهي العالمية بها. وأنها لا تقل عن مدينة «والت ديزني» بأمريكا!! واختلطت أصواتهم العالية والركاب يتململون من هذا التخلف الجماعي!! وعلمت من جلبة الذكريات الهادرة بأن «الماما» الله يرحمها كانت معهم والبنت الكبرى تكيل الىَّ النظر من خلال ذلك الهرج بإسراف، وأنا أحاول ألا استمع لتفاصيل الذكريات الخاص.. الوقت يمر بتثاقل ويزيد في ألمي بلا شفقة.. إلى أن وصل القطار مدينة «فراى بورج» وتبادلنا العناوين، وافترقنا على أمل اللقاء.. وكانت أكثرهم حرصاً على معرفة عنواني بدقة..!!
«3»
«قندل فينغن» حي صغير بفراى بورج.. يضم شقتي المتواضعة ذات الغرفة الواحدة.. تدغدغني رائحة الوطن، فأشعر بنوع من السعادة.. وقبل أن تكتمل دائرة الهناء تتلفها البنت الناضجة بحضورها المرعب وهى تحرق جسدي بنظراتها الشهوانية!! وتطل من هناك عينا «نجوى» فتعيد الطمأنينة والتوازن الى قلبي- كم افتقدك- في ذات مساء جميل من أماسي الوطن، أمسكت بلهفة بيدي وأنا على وشك الرحيل وضغطتها بحب صادق نبيل، وكانت عيناها حافلتين بالمودة وقالت- لا تتأخر يا دكتور.. لا تنظر الى غيري..! لا تجعل اوربا تقضي عليك.. أنا هنا في انتظارك.. وكان القمر يستحم في النهر بطمأنينة ويبارك هذا الوعد الجليل والرجاء الملئ بالحب، ونحن نجلس على حافة الشاطئ الرطبة كحرفين متوهجين.. ومن يومها عرفت بأن القلب لا يتسع بعدها لأخرى..! وعرفت معنى الحضور في الغياب.. وظللت أهش طنين الاغراءات عن وجهي وعن جسدي واستعصم بالصوم والصمود وبنجوى التي تنتظرني هناك..!!
٭ النهار يلف المدينة المحايدة بهدوء، كان لا يود أن يفسد هجعتها- ولا يهتم بالتفاصيل- جرس الشقة الخافت يرن كعصفور كسيح- أنا ونجوى والمسافة الشحيحة نتقدم للباب.!!
٭ وكانت هى.. هكذا بأسرع مما تصورت.. سبقها عطرها للداخل متدفقاً كنهر من الفرح الهائج والبوح المحموم..! افترت شفتاها عن ابتسامة تحمل ألف معنى ومغزى..
٭ كانت ذات جمال باهر.. وكانت مثل عارضات الازياء الخلاسيات.. خلعت معطفها- فظهر فستانها الكاشف وساقيها السمراوين العاريتين- بحثت في عينيها عن الوطن فلم أجده- وهى تتنقل ببصرها في الغرفة الهزيلة..! لم يكن هناك سوى السرير العتيق والكرسيان الخشبيان والمكتبة المتواضعة، وعدد غفير من الكتب العلمية وصحف من الوطن، وشيء أشبه بالدولاب- ستارة مستطيلة خلفها ملابسي، وجزء يسير عبارة عن حمام ومطبخ تفصل بينهما ستارة باهتة.. وأشياء أخرى متناثرة هنا وهناك- ليس في الغرفة شيء له أهمية جمالية- ترشيد مذهل للمساحة.
٭ كان الجوع يتلألأ في عينيها...!!
وندى الرغبة يبلل وجهها.. كان ينظر في عينيها وهى تقترب منه بثقة اكيدة، فقد الأمان- تذكر عيني نجوى والوعد الذي قطعه على نفسه أمام النيل، كانت عيناها تلمعان كثمرة ناضجة في شجرة شاهقة- وهى تُرحب به في شقته.. ما بيني وبينها المسافة التي تتآكل كشاطئ تعصف به الامواج..
والوطن ينتهك- وفي القلب حشرجة الشوق ونداء التراب ونجوى..!
كنت اود ان أسألها ألف سؤال عن الناس هناك!! عن الشجر والشمس والمطر والعصافير، عن القمر الذي يستحم في نهر النيل بوقار موزعاً بهاءه المبجل على الشواطيء والمدن.. عن المليون ميل مربع مربع..
كنت أملك القدرة الكافية على الانصات ولكنها لم تحكِ.. كانت اشواقي مشتعلة وبي ظمأ لكل الوجوه السُمر هناك.. وكانت تجردني من الأسئلة المتدافرة مثلما تجرد أم طفلها وتدفعه دفعاً للحمام..!!!
٭ قالت بلا حياء.. من النظرة الاولى كنت أمهد لهذا اللقاء.. وجهك الطيب يلوك نافذة القطار وأنا اتمنى ان تنتهي الرحلة حتى أخلو بك..! رمت خلفها برجلين يتمتعان بمكانة علمية عالية بعد أن أفرغتهما من نبض الفعل الإنساني!!
أتت كالنار على شهوتهما حتى بعد أن تناولا الفياجرا..!! وأنزويا كل منهما في مدينة يرتعدان من أثر الزوجة النمرة..!!
وكان الحصاد طفلتين من الأول ومن الثاني الذي لاذ بالفرار الخواء..!! فأى طفل آخر يزيد من أعباء الجسد ويدفعه للترهل..! ينبغي أن تنسل منها الحياة من غير أن يفقد الجسد جماله وحيويته..
٭ لم يخطر بباله أنها متزوجة.. ومرتين؟!!
٭ ضحكت..
- وتيقن بأنه هنالك لا محالة.
- وقالت بخبث المرأة العارفة بشؤون الرجال وهى ما تزال تضحك.. وأنت تدير لي ظهرك في القطار علمت بأنك لست شريراً.. وانك لا تذيع الاسرار.. وأموت أنا في السرية وفي الرجال الذين لا يتباهون بعلاقتهم النسائية ويفشون أسرار الحرائر..
٭ اربكني هذا الاطراء الناصع.. وانما سبرت غوري حتى النزيف!! هممت ان اتكلم، أنا، أنا.. أنا ونجوى أنا ونجوى.. هناك، وهى تواصل اقترابها الوهاج وتنصب الفخاخ..!!
«4»
٭ النهار الراعش يقف على أطراف اصابعه ويتلصص من خلال النافذة.
كانت عيناها تتحركان صعوداً وهبوطاً في جسده.. وشعرها يتهدل على كتفيها تتخلله بأصابعها الطويلة المصقولة بعناية والزبد يفور في فمها.. ووجهها مضرج بالشهوة الغانية- كانت تتقد- وهو تحت الاحتلال- عيناها تتبعانه، وبدأ كملك الشطرنج الذي تحاصره الجنود!! عيناها مشدوتين إليه وهو معلق بين مخالبها!! معلقاً على مشجب الصمت..!!
٭ هل أنت خائف..
- فجرت ضحكة ممطوطة كأسوأ أغنية هابطة..!
وصدرها يعلو ويهبط، وجسدها العامر ينتفض كأنها على وشك ان تخرج أنوثتها من كل ذرة في كيانها دفعة واحدة.. وعلقت ابتسامة على وجهها وهى تراقبه.. وتراقب مفعول أنثوتها الطاغية فيه. وعيناها تلتهمان خوفه وتهون عليه الفعل! وبدأت كالشرر المتطاير وهو جامد في مكانه كالدم المحتقن تحت الجلد..!!
٭ كانت عيناها مليئتين بالرغبة.. رفعت حاجبيها عالياً مستهجنة جمودة.. يداها ممدوتان اليه.. ووجهها يتداعى من فرط الرغبة.. أرسل عينيه الغائمتين الى نجوى التي تنتظره هناك.. لا تجعل الغربة تقضي عليك، لا تنظر الى غيري، شعر بالقوة تدب في أوصاله وهى تقترب منه بقوة وجبروت..!!
٭ عندما يأتيك الجزء الفاسد من الوطن في الغربة تتمنى الموت..!! جرحها صمته- ففتحت نافذة من الغواية في شرايينه لتمضي قلقة وفزعة وتسترده من ذهوله، وحكت له عن زوجها الاول «وسرها في بئر» والد الفتاتين- وحكت عن زواجها الثاني الذي لم يستمر طويلاً، وقالت كلاماً مخجلاً في حق الرجلين..!! وقال لها إن نجوى في دمه، وأن عائلة بكاملها تعيش على الفتات في انتظار عودته وهو حامل شهادة الدكتوراة.. ففرشت ثروتها أمامه..! فشعر بالقرف والهوان.. كان ينظر اليها والعبرة ملء حلقه ووجهه يمور بالغضب وهو يتعرض للشراء..!!
«5»
٭ كانت تحدق فيه بجسدها كله...!!
تتمدد في الزمان والمكان وتسد الأفق كسمكة كبيرة ابتلعت النهر وراحت تبحث عن الانهار المجاورة.. ترخي جسدها حوله كحبل المشنقة.. وكاد صدرها يلامس صدره وهى تسعى بكل أنوثتها أن تضع الغشاوة في عينيه، وأن تسهل عليه مهمة اقتحامها وتمرر الدنس بنعومة..! وفي أعماق عينيها كان هناك شيء أشبه بالنعاس..! هالات رقيقة جداً من الدمع تغلف أحداقها.. ولكنها كانت أيضاً مفزعة وغير رحيمة..! تجثم الرائحة المليئة بالعرق والعطر على المكان وهو يشمها قسراً.. النظرات المترعة بالرغبة تحاول أن تقرع طبوله- أن تهز فحولته.. ورغبتها العارمة تتصاعد الى قمة الأفق كاللهب.
كان ينظر اليها بعينين مطفأتين في نهار الغربة الذي بدأ يتغلغل داخل الغرفة وهو مذهول.. ولا يصدق ما يجري أمامه..
لا يصدق ترف العري.. عيناه محملقتان على بضاعة بلاده المسفوحة.. وقلبه الواجف مفتوح على الوطن.. وعلى نجوى التي يزيدها الفقر كل يوم عفةً وجمالاً..
٭ ابتسمت كنمرة جائعة..
وكان صمته المتخاذل يطعن أنوثتها في الصميم.. اتسعت ابتسامتها كالعذاب.. صارت أنيناً.. وفحيحاً.. وضجت الشهوة الجريحة في ملامحها.. وأضرمت أنوثتها في صمته وفي طراوة الصيف ونداوة النهار فبدأ المكان يشتعل! عيناها تلمان بوحشية.. وجسدها لا يكف عن الغزو والاشتهاء والثرثرة الماجنة- وكان يهتف- وصدرها الشاهق يزدهر والجسد الراغب يزأر وهى تطلق أنوثتها عليه كالكلاب المسعورة! الصدر الناهد الممشوق يقود مظاهرة الرغبة..!! يترامى اليه صوت نجوى- أنا في انتظارك- لن يخونها أبداً، ولشدة ما كره الابتذال والخيانة.
٭ المظاهرة الصاخبة تتجه نحوه..
وصوت الهتاف الجسدي يعلو..
كانت محتشدة بالنساء الجميلات المتبرجات.
امتلأت الغرفة بالصهيل وبعويل الغريزة العمياء..
واكتسى جسده بسحابات من الرعشة ومن صخب الهتاف.! وبدأ كعشبة تطفو فوق بحر هائج.. ونجوى تمسك به بكلتا يديها وتنسدل عليه.. وهو يشم رائحة نهر النيل وهى تطغي على الرائحة الباريسية الشديدة العتك.. وصافح وجهه وجه والده الجميل الذي جعل منه رجلاً يفتخر به في المجالس.. وغمرته طيبة والدته.. التي كانت تراهن عليه وعلى أخلاقه..
وتحول من عشبة طافية الى شجرة راسخة وثابتة وفروعها إلى السماء.. وكان النهر يطل من النافذة بعينين مجروحتين يراقب المعركة ما بين الوطن والغربة.
«6»
٭ وحين نظر في عينيها ارتعشت.. واتسع جرحها، وعرفت بأنه استرد عافيته..!! وكانت الخيبة قد تجمعت في وجهها الأسمر كالصفعة، وكان يسمع انكسارات الرغبة وهى تتهشم بمرارة.. استدارت بوجهها عنه كحصان جريح وهى تغالب البكاء والهزيمة.. وترحل عنه تتبعها رائحتها الباهظة.. ولم تخلف وراءها حتى الذكرى.
٭ ومياه نهر النيل العذبة تمتد إلى الغرفة وتغسل الدنس العالق بها.. والنهار يغمض جفنيه بارتياح..
الفاتح ميكا
«كتبت هذه القصة بين ألمانيا والخرطوم»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.