قرأت أمس في صحيفة واحدة هي الغراء الأهرام اليوم، خبرين منفصلين كان محورهما الحذاء السوداني الأشهر - المركوب - أحدهما طريف والآخر مؤلم ومزعج، الطريف يحكي عن معتمد فقد مركوبه المصنوع من جلد النمر أثناء انعقاد اجتماع لهيئة شورى الحزب الحاكم، سارع المعتمد لابلاغ المنصة بهذا الفقد الجلل، المنصة اذاعت النبأ الحزين على أهل الشورى المجتمعين، ليتضح أن وزيراً من الحاضرين تشابهت عليه المراكيب فانتعل من غير قصد مركوب المعتمد، والمؤلم المزعج يقص كيف أن صاحب مقص «حلاّق يعني» أقدم على ازهاق روح شاب في مقتبل العمر بسبب خلاف حول مركوب، الطريف في هذا الخبر المحزن أن الصحيفة وضعت له عنواناً يقرأ مدخله ال»KICKER» «في قضية المركوب»، وقد صدقت الصحيفة فلنا مع المراكيب والأحذية عموماً قضايا وقضايا... طرفة مركوب المعتمد ذكرتني بالطرفة المروية عن ناظر المسيرية المرحوم بابو نمر طيب الله ثراه، قيل أن الناظر في إحدى جلسات أحد البرلمانات وكان عضواً فيه، كان يجلس مجاوراً للعضو الجنوبي بوث ديو، عند انتهاء الجلسة وتهيؤ الناظر لمغادرة القاعة افتقد فردة من مركوبه، التفت إلى جاره بوث ديو، واستفسره قائلاً «بوث أخوي فردة مركوبي دي ما وقعت في عينك»، فتح بوث باصبعه عينه على اتساعها ورد على الناظر بسخرية لاذعة قائلاً «ياهو عيني شوف في مركوب هنا» وزاد بالقول «عين صغير دا بشيل مركوب كبير دا كيف»... للمراكيب عندنا أشكال متعددة وأسماء مختلفة، منها الفاخر الثمين ومنها ما دون ذلك ومنها ما هو أدناها، فالمركوب أضحى أداة من أدوات الفرز الطبقي وتحديد المكانة والمقام، فمن ينتعل مركوباً من جلد النمر ليس كمن ينتعل مركوباً من جلد التيس وعلى ذلك قس، أرني ماذا تنتعل أقل لك من أنت، يقال ان الفرنسيين مغرمين جداً بالأحذية لدرجة جعلوها مقياساً يزنون به ثقل الشخص الاجتماعي والمالي ويحددون مستوى ذوقه وثقافته، الرجل عندهم جزمة، مثلما عند «شفوتنا» جمع «شفت» والشفت هو الحِدِق أو التفتيحة ولن أزيد، شفوتنا عندهم الفول زيت والقميص لياقة والحلة بصل و«اللهم إني صائم»... غير أن أشهر المراكيب عندي، مركوب طائفي، ذاك الذي ارتبط بطائفة الأنصار مثله مثل الجلابية على الله، ويمكن أن يطلق عليه أيضاً مركوب على الله وليس مُركب علي الله، مركب على الله هذه موضوع آخر، المركوب الأنصاري يمكنك أن تدخل قدميك فيه دون أن تبالي، لا يمين فيه ولا يسار بل أنصاري كامل الدسم مية في المية، ولا يعترف بالاتجاهات غير المقدمة والمؤخرة وهذا هو الاختلاف الوحيد بينه وبين الجلابية على الله التي إذا شاهدت مرتديها من بعيد يصعب عليك تحديد وجهته أهو رايح أم جاي، وأظن أن إحدى عبقريات الأنصار قد تجلت في هذا الملبس أثناء خوضهم لحروبات تحرير السودان من المستعمر، إذ يساعدهم على تلبية نداء الاستنفار بأعجل ما تيسر دون مشقة في لبس الجلابية أو انتعال المركوب... وعودة إلى الخبرين الطريف والمبكي تكمن المفارقة، ليس في الفرق بين مركوب المعتمد ومركوب القتيل من حيث الفخامة والجودة وغلاء الثمن بينهما، فتلك هي سنة الله في خلقه، منهم من يصعد إلى وظيفة معتمد ومنهم من ينحدر إلى خانة رمتالي، ولكنها في كون أن المعتمد يمثل مستوى من مستويات السلطة الحاكمة، ولو أنه تدبر قليلاً في أمر مركوبه النمر لما اقتناه أصلاً دعك من أن يجدَّ في ايجاده عندما افتقده، ويستوى في ذلك معه الوزير الذي شُبّه له فارتداه على أنه مركوبه النمر... وإلى هنا تسكت شهرزاد عن الكلام المباح «ولا رأيك شنو أستاذنا الدكتور ود الريح»....