م.م عيسى إبراهيم الخضر: كنت في عام 1991 م مبتعثاً من وزارة الري و الموارد المائية لحضور كورس السدود و الأنهار بمدينة تسكوبا العلمية بمعهد بحوث الأشغال العامة التابع لوزارة التشييد اليابانية الممول من الوكالة اليابانية الدولية للتعاون .JICA لحسن الصدف تزامن الكورس مع إنعقاد ما سمي بالعقد العالمي لتخفيف آثار الكوارث الطبيعية ( The international decade for natural disaster reduction IDNDR ) في الفترة من سنة 1990 الى سنة 2000 ( لم يسمع به في السودان ) والذي نظمته الحكومة اليابانية بالتضامن مع الأممالمتحدة مع جهات أخرى.كان المؤتمر تجمعاً ضخماً ضم دولاً كثيرة و منظمات و هيئات تعمل و تهتم بمشكلة الكوارث الطبيعية ولها تجاربها الثرة في هذا المجال.عرضت في المؤتمر أوراق عديدة لخبراء و علماء و إداريين عن الكوارث المختلفة باختلاف المناطق و المسببات و جرى فيه نقاس و مداولات ثرة في مجال الكوارث الطبيعية و طرق درئها و تخفيف آثارها. لقد كان المؤتمر فرصة طيبة للدارسين للتعرف على مختلف التجارب في هذا المجال، بالإضافة للاوراق والكتيبات والتوصيات التي تم توزيعها .لقد طلب منا نحن الدارسين ان نقدم اوراقاً عن الكوارث الطبيعية في بلداننا و كيفية التعامل معها درءاً أو تخفيف آثار.من جانبي إختصرت ورقتي في أننا في السودان نعاني باستمرار من ظاهرتين على طرفي نقيض يؤثران بعمق في حياتنا و هما ظاهرتا الفيضانات والسيول من جهة و الجفاف و التصحر من جهة أخرى، ولما كنا نحن دولة ذات موارد محدودة فنحن نطلب عون الدول الصديقة مثل اليابان لإنشاء البنية التحتية و العون الفني للتعامل مع هاتين الكارثتين . لقد لامني مستر موكاي المشرف على الكورس بأن ورقتي هذه مكانها الأمم التحدة و ليس هذا المؤتمر، بل أضاف في صراحة بأن الحكومة اليابانية لا تساعد حكومة عسكرية و أضاف: لو تذكر حينما جاء رئيسكم المنتخب ديمقراطياً مستر المهدي و تحدث في التلفزيون الياباني ليلاً أصبح كل الشعب الياباني مقتنعاً بأن الحكومة اليابانية يجب ان تساعد هذا الرجل، وقدمنا له عوناً لم نقدمه لدولة من قبل في شكل طلمبات وآليات و عربات لدعم دولتكم الزراعية و كانت لنا ثلاثة مشاريع في السودان ( كبري النيل الأبيض و مياه الخرطوم و أرز النيل الأبيض) إنسحبنا منها حينما جاءت حكومتكم العسكرية الحالية . قلت له يجب ان تنظروا للشعوب و ليس للحكومات، فقال لا يا سيدي هذه مشكلتكم غيروا هذه الحكومة الى حكومة ديمقراطية و نحن على إستعداد لدعمكم. لقد كان شعار المؤتمر هو ( الوقاية خير من العلاج) لذلك تم تقسيم طرق التعامل مع الكوارث الطبيعية إلى طرق لدرئها مثل ان تنشئ الحكومات البنى التحتية التي تمكن من التنبؤ والإنذار المبكر للإحتياط لها بالمشاريع المناسبة ثم طرق للتعامل معها بعد وقوعها كالإغاثة والمعونات المتعلقة بها.من هذا المنطلق أعتقد أننا يمكن ان نضع من الحلول ما يمكن من تقليل آثار الكوارث الطبيعية بتصحيح الخطأ بإعادة تكوين المجلس القومي لدرء الكوارث و توفير الصلاحيات المالية والإدارية له بأن يكون ذا شقين: شق فني لدرء الكوارث قبل وقوعها و شق علاجي لتخفيف آثارها على ان تكون رئاسته لمجلس تخصصات علمية يضع الدراسات و يقترح الحلول و يشرف على المشاريع التي يقترحها، ولما كانت الحقيقة أنه من المستحيل منع الكوارث منعاً تاماً لابد من وجود جسم آخر في مرحلة أدنى يعنى بالإغاثة و دعم المتضررين المهمة التي يحصر نفسه فيها المجلس الحالي. مثلاً فإذا كنا نعاني من ظاهرتي الجفاف و التصحر من جهة و الفيضانات و السيول من جهة أخرى فإن الحل يكمن في التنسيق بينهما لأن إحداهما تحل الأخرى إذ يمكن التصدي لهذه السيول بإقتناصها قبل وصولها إلى جهة النيل التي هي ذات مستوى مساحي منخفض تنحدر نحوه الأرض بتشييد السدود في مناطق إنعكاس ميل الأرض للإستفادة منها في الزراعة و تربية الحيوان و مياه الشرب و الإستعمالات الإنسانية الأخرى، وبذلك نكون قد حولنا النقمة إلى نعمة.أيضاً يمكن الإستفادة من مياه الأمطار و تخزينها بحفر الآبار الجوفية لتغذية المياه الجوفية في زمن الأمطار و إعادة ضخها للإستعمالات كافة في زمن الصيف أو في زمن الجفاف، و بذلك نكون قد حللنا مشكلة الفقر المائي التي ربما نعاني منها في المستقبل في ظل الصراعات الحالية حول المياه .أما بالنسبة لفيضان النيل فيمكن إنشاء مزيد من السدود على النيل للتحكم في جريانه و السيطرة عليه في زمن الفيضانات.لقد أحصيت خلال عملي في تعلية خزان الروصيرص حوالي أربعين خوراً تنحدر مياهها إلى النيل الأزرق دون ان يستفاد منها في ري الأراضي الخصبة حول هذه الخيران، فلو أنشئت سدود صغيرة على هذه الخيران يمكن ان تفيد في زراعة الأراضي الخصبة و في شرب الإنسان و الحيوان الذي يعاني في الصيف من قلة المياه في تلك المناطق. هذا و على الله قصد السبيل.