: عندما حدثت المفاصلة بين المؤتمرين مابين مصدق ومكذب كانت درجة العداء بين الطرفين فى أوجها، وكان كل طرف يرى أن ما حدث كان شراً لابد منه باعتبار ما سيكون، فمنهم من صدقت نبؤته و منهم من لم تصدق وبينما استمر المؤتمر الوطنى فى الحكم، ذهب الترابى الى السجن حبيساً عدة مرات، وظل البشير رئيساً فى كل الاوقات، وفى كل مرة يذهب الترابى حبيساً كان يخرج أكثر ألقاً و قوة واكبر حاشية، وكان المؤتمر الوطنى بهذا يزداد ضعفا ليس لتناقص رصيده فحسب، بل لاسباب قد لا تكون ذات صلة بالعمل السياسى أو النجاح والفشل كحاكمين، وربما كان المزاج السودانى ممن لا يبرون ويحسنون إلى " كبارهم " هو أحد اسباب تأكل الرصيد الشعبى للمؤتمر الوطنى بين اهل البيت من الاسلاميين، وزاد من صعوبة الموقف فشل المؤتمر الوطنى فى الحفاظ على وحدته فخرج سائحون وانقلابيون واصلاحيون، ولم تفلح الوساطات الداخلية والخارجية فى إثناء المؤتمرين عن الخلاف وعلى الاخص الوساطة القطرية ووساطة " علماء المسلمين"، وزاد المؤتمر الشعبى الموقف تعقيداً بانضمامه لتحالف قوى الاجماع الوطنى معارضا نشطا للنظام ومتفقا مع قوى التحالف على إسقاط حكم المؤتمر الوطنى، و ربما افلحت فكرة وجود المؤتمر الشعبى عضوا فاعلا وسط قوى المعارضة فى تحالف قوى الاجماع الوطنى قد تكون دفعت بأفكاره باتجاه الوسطية وجعلته اكثر فهماً و قرباً لدى قوى الاجماع الوطنى التى جمعت المعارضة من أقصى اليمين لاقصى اليسار، ما جعل حتى المتشككين من المعارضين والمراقبين فى خيارات المؤتمر الشعبى اقل تشددا فى الاطمئنان لتك الخيارات، الان ارتفعت الاصوات لوحدة المؤتمرين من قيادات بارزة فى الطرفين واسس الدعوة لهذه الوحدة للاسف ليس من أجل الوطن أو بهدف حل المشاكل الضخمة التى تعانى منها البلاد، بل الدعوة للوحدة بهدف الوقوف فى وجه القوى " العلمانية " المعادية، يحدث هذا فى وقت طال انتظار الناس للمبادرة السياسية التى يعكف عليها السيد رئيس الجمهورية، يحدث هذا ولم تتوقف المبادرات والدعوات للحوار من اجل وحدة الجبهة الداخلية والتوافق على الدستور وبرنامج حد أدنى يتيح بلورة مشروع الدولة السودانية، على اساس الديمقراطية و سيادة حكم القانون و التداول السلمى للسلطة، إن هذه الدعوات لامصداقية لها ولاهدف وربما ترمى لتكريس البقاء فى الحكم لاطول فترة ممكنة، فلا شك، أن انتقال المؤتمر الشعبى من خانة المعارضة إلى الوقوف مع الحكومة يمثل ضربة لقوى المعارضة خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار موقف حزب الامة الذى تتسرب الاخبار عن قرب اتفاقه مع المؤتمر الوطنى على الاجندة الوطنية بينما يلح المؤتمر الوطنى على مشاركته فى السلطة، إذا فالواضح أن المؤتمر الوطنى وبعد أن ضمن تجديد الحزب الاتحادى الديمقراطى رغبته للمشاركة فى المرحلة المقبلة والسعى لضم الشعبى والامه فلا يتبقى من المعارضة المدنية إلا اليسار بمختلف تياراته القومية والماركسية ومن ثم يسهل دمغ هذه القوى بالعلمانية تمهيدا لاقصائها كليا عن المشهد السياسى باعتبارها قوى (كافرة) و معادية للمشروع الاسلامى، الثابت والمعلن بين المؤتمرين أن أسباب الخلاف لا ترتبط بشخص فى هذا الطرف أو ذاك وان الخلافات تمتد الى اعمق من ذلك فهم مختلفون حول جوهر المشروع الاسلامى ودور الحركة الاسلامية ويفاقم من ذلك فشل التجربة بالكامل فى الحكم مع تفريطها فى الشعارات الاسلامية والخلاف حول القدر المتاح من الديمقراطية والحرية والمحظورات التى تحد من ذلك، فالمؤتمر الشعبى وحتى يوم تركه للسلطة بعد عشر سنوات من المشاركة فيها لم يعلن حتى الآن موقفاً واضحاً بادانتها و الاعتذار عنها، وهو يحمل أوزارها وأخطاءها ولم يكن من منتقديها أو مقوميها وهى على اليقين كانت احلك الفترات فى حكم الانقاذ واكثرها قسوة فى مجال الحريات وحقوق الانسان. المؤتمران لا يملان ولا يكفان عن المناورة المستمرة بموضوع اتحادهما مرة أخرى، فلا خوف ولا فزع يصيب الآخرين، فوجود أحدهما مختلفا مبرر لوجود الآخر وصحة موقفه، الفرق بين المؤتمرين أن أحداهما يحكم و الآخر يعارضه ولو تبدلت المواقع لما تغير شيء ولوجد المؤتمر الوطنى مكاناً بين قوى الاجماع الوطنى، وحدها قوى المعارضة التى لا تمل الانتظار والترقب وتحليل نفس الاوضاع التى تتواصل و تتكرر منذ اكثر من عشرين عاما.