د. أحمد عثمان خالد: ٭ اللقاء الأخير بين الرئيس عمر البشير والإمام الصادق المهدي في منزل الاخير هل سيكون له ما بعده من الفوائد الوطنية؟ وهل أن الرئيس سيلتقي بالشيخ حسن الترابي عما قريب في ذات الاطار الوطني؟ فهذا الحراك السياسي في هذا الوقت بالتحديد يجب أن ننظر اليه ونقرأه من ثلاثة محاور أساسية تمثل الخطوط الرئيسة للوضع السياسي الراهن بالسودان. المحور الأول ضرورة الوحدة الوطنية بين كل المكونات الوطنية والسياسية لتجاوز التحديات التي تمر بها البلاد وهى كثيرة بلا شك سواء على الصعيد السياسي والأمني، أو على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فكل هذه المحاور تتطلب وحدة وطنية واجماعا وطنيا ورؤية سياسية موحدة باعتبار ان هذه المحاور من الثوابت الوطنية التي لا يمكن أن يختلف فيها أثنان ناهيك عن أحزاب في حجم الأمة والشعبي، ولذلك فإن الرئيس بهذه الخطوة الجريئة قد حدد فعلاً موضع الداء وتجاوز فزاعة المعارضة التي كان ينسج حولها بعض الصقور في المؤتمر الوطني خوفاً على مواقعهم وضياع مصالحهم حال الوحدة ولم الشمل، حيث تضيق من بعد ذلك المواعين السياسية، لكن يبدو ان الرئيس استفاد من كل التجارب السابقة التي حالت بينه وبين المعارضة في تقارب وجهات النظر بفعل فاعلين، من جانب آخر فإن القضايا المحلة للبلاد تتطلب مزيداً من التنازلات لصالح الوطن لحقن الدماء التي تسيل هنا وهناك، وفي تقديرنا لو نجحت مساعي الرئيس في تحقيق الوحدة الوطنية ونتج عن ذلك تشكيل حكومة قومية تمثل كل أطياف المعارضة فربما كان ذلك عاملاً مساعداً في تحقيق السلام ووضع حداً للإحتراب والإقتتال خاصة في ولايات دارفور التي اصبحت مسرحاً للصراع القبلي كإمتداد طبيعي لصراع الحركات المسلحة هناك، فالذي يجري في دارفور يجب أن يحل ولو أدى ذلك الى تنازل البعض في مؤسسة الرئاسة عن مواقعهم طالما أن ذلك يحقق الأمن والاستقرار ويحقن دماء المسلمين وفقاً لمقتضيات الشرع ومقاصده العليا، كما أن ذلك مطلباً من مطالب بعض الحركات الدارفورية المسلحة، يجب أن ينصب التفكير في هذه المرحلة تحديداً على كيفية الإجماع الوطني وما بعد الإجماع كله هين ومقدور عليه بين أبناء الوطن الواحد حينما تتصافى النفوس. المحور الثاني العلاقة بين السودان وجنوب السودان فجنوب السودان منذ انفصاله في عام 2011م أصبح خميرة عكننة لشمال السودان بدعمه للحركات المسلحة من الجبهة الثورية وقطاع الشمال واغلاقه أنابيب البترول وتأزيم قضية الحدود وأبيي وغير ذلك من القضايا التي كانت تتذرع بها حكومة الجنوب للضغط على السودان، لكن يبدو مع مرور الزمن وبالتجربة ادرك «سلفا» أن دولته التي يعتبر شعبها -حتى الآن- أن الخرطوم هى عاصمته وليست جوبا وبالتالي فلا مناص من حسن الجوار بناء على الثوابت التاريخية المشتركة بين الشعبين ولذلك انقلب «سلفا» خلال الايام الفائتة على الزمرة المتفلتة من الشيوعيين المتدثرين برداء الحركة الشعبية أمثال باقان أموم ومجموعته العدائية التي كانت سبباً مباشراً في إنفصال جنوب السودان عن شماله. هذا التوجه الكبير من حكومة جنوب السودان يحتاج الى توسيع دائرة التعامل والتواصل الجمعي والفردي، ولا شك أن احزاب المعارضة السودانية بالذات الأمة والشعبي يتمتعان بعلاقات حميمة مع بعض القيادات الجنوبية النافذة أمثال عبد الله دينق القيادي السابق بالمؤتمر الشعبي الذي دخل ضمن التشكيلة الوزارية الاخيرة لحكومة جنوب السودان، وجيمس واني الذي اصبح نائباً للرئيس خلفاً للدكتور رياك مشار فهذا التحول الجديد لحكومة جنوب السودان يحتاج من كل القوى السياسية الوطنية الى حراك قوي وفاعل وهذا لا يمكن في ظل عدم الوحدة الوطنية، وبالتالي فاذا استطاع الرئيس بخطواته المباركة تلك لتوحيد الجبهة الداخلية وإدخال المعارضة والرؤوس الكبيرة داخل حوش المؤتمر الوطني يكون بذلك قد قضى على معظم القضايا والمشاكل الداخلية التي كانت المعارضة جزءاً منها، وبالتالي يتفرغ القياديون بالمؤتمر الوطني الى التخطيط الاستراتيجي في كيفية مواجهة التحديات الاقليمية والدولية وهذا هو المحور الاخير من المحاور التي نناقشها في هذا الموضوع، فلا شك ان التحديات الاقليمية والعالمية المحيطة بنا تؤثر سلباً على وضعنا السياسي الداخلي وبالتالي لابد من الحذر والحيطة، فالعالم العربي مازال تحت تأثير الربيع العربي ومازالت كثير من العواصم العربية تغلي وتمور، وما مصر الجارة ببعيدة والاحداث الاخيرة التي جرت فيها بين العسكر والاخوان المسلمين والتي خلقت تباينا في وجهات النظر السياسي لدى غالب الأحزاب السياسية ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ وهذا الارباك نتيجة طبيعية لعدم الانسجام والتوافق بين المكونات السياسية بالدولة حاكمة كانت أم معارضة، وبالتالي فإن توحيد الجبهة الداخلية يمكن ان يقلل من المخاطر العالمية والاقليمية بدرجة كبيرة، كما أنه لابد من الاشارة الى ان قيادات المؤتمر الوطني التي ظلت تحكم منذ 1989 الى يومنا هذا أهملت جانباً مهماً بل ركناً أساسياً من أركان الدولة الا وهو التخطيط الاستراتيجي فما عاد هناك تخطيط استراتيجي في كل مرافق الدولة بل كل الأمور تسير وفق مزاج المدير أو المعتمد وهذا هو أُس المشكلة التي نعاني منها، فقد كنا في السابق نسمع عن الاستراتيجية القومية الشاملة على لسان صاحبها الدكتور تاج السر محجوب الذي غاب عن الساحة وغابت معه استراتيجيته القومية الشاملة فهل من عودة للتخطيط الاستراتيجي للدولة يا ناس المؤتمر الوطني.؟ إن خطوة الرئيس حول ترميم البيت الداخلي في تقديرنا موفقة ومباركة فالوطن للجميع ولا ينبغي ان يُعزل شخص أو يُحرم من المشاركة في بناء الوطن لتوجهه الفكري أو السياسي فكل حزب بما لديهم فرحون، فالعقلية الاستعلائية والاقصائية لدى بعض قياديي المؤتمر الوطني ستورد الوطن مورد الهلاك لكن بحمد الله استدرك الرئيس الحالي وتجاوز هذه العقلية بخطواته الاستباقية لجمع الصف الوطني بلقائه الاخير مع الإمام الصادق المهدي ونأمل أن يتواضع الشيخ الترابي ويتنازل عن كبريائه من أجل الوطن والشعب السوداني وما بقى من المشروع الإسلامي الذي وصل حافة الانهيار.