لعل هذا السؤال المنطقي يقفز الى الذهن بعد أن تقدمت مصر واريتريا بهذا المقترح من خلال القمة الإفريقية الفرنسية الأخيرة، وقد بادر السيد باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية إلى سوق اللوم والعتاب للدولتين لمجرد التطرق لهذا المقترح الذي يدعو لتأجيل الاستفتاء وإقامة فترة انتقالية لمدة عشرة أعوام، ومضى في القول الى انه اذا ارادت اريتريا ومصر او اية دولة اخرى الحفاظ على السلام بالبلاد، فعليها دعم التنفيذ الكامل لاتفاق السلام، وعدم خيانة حق تقرير المصير وتأجيل الاستفتاء. وبالرجوع الى نصوص الاتفاقية والى دستور السودان الانتقالي لعام 2005م الذي تم تفصيله من قماشة الاتفاقية، والذي يمثل المرجعية الدستورية لهذه الفترة الانتقالية الى حين الاستفتاء والى ما بعد الاستفتاء. تنص المادة «224» من هذا الدستور على جواز تعديل أية مادة فيه، بما فيها المادة «222» المتعلقة بموعد الاستفتاء، وذلك بموافقة طرفي الاتفاقية «أي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية»، ثم يُطرح هذا التعديل على مجلسى الهيئة التشريعية «المجلس الوطني ومجلس الولايات»، ويصبح نافذاً اذا اجيز بموافقة ثلاثة ارباع العضوية. وهذه المواد من الدستور تعني جواز تأجيل الاستفتاء، شريطة أن يتم هذا التأجيل بموافقة طرفي الاتفاق، مما يجعل المطالبة بهذا التأجيل «إن تم وفق نصوص الدستور» لا يعني باية حال من الاحوال نقضاً لاتفاقية نيفاشا او تقويضاً للسلام، او خيانةً في حق تقرير المصير كما يصرح السيد باقان. ويجب على شريكي الاتفاق وعلى كافة القوى السياسية الوطنية، التفكير بالجدية المطلوبة في هذه «الرخصة» التي قننها الدستور،لا نقول هذا تهرباً من رجحان خيار الانفصال، ولكن تحاشياً لضرام النيران التي تنتظر الوطن إن تعجلنا الاستفتاء اياً كان خياره . ويظل اكبر عيوب اتفاق السلام الشامل انه تعرض للانفصال بشكل تقريري بحت وغفل عن تفاصيل القضايا الشائكة التي يجرها هذا الخيار، ومن بينها تسوية قسمة اصول الدولة ومواردها وديونها وترسيم الحدود، وغيرها من النقاط الملتهبة. ولا نرى بأساً في تأجيل الاستفتاء لفترة محدودة يلتزم فيها الطرفان ومعهما كل القوى السياسية الوطنية بالعكوف على وضع «بروتوكول» يؤطر لهذا الأمر الذي بات كما قلنا خياراً راجحاً.. فهذا أفضل من أن نجر الوطن بأكمله إلى داخل كرة من اللهب الحارق.