الوقت، ومعبر ارقين سُمي بهذا الاسم على قرية أرقين السودانية التي غمرها فيضان خزان السد العالي من ضمن 25 قرية أخرى من الوادي، وكانت تسكنها قبيلة (الحلفاويين) أحد فروع النوبيين الكبيرة، حَيث نُقل سكان القرية إلى شرق السودان مع سكان وادي حلفا في منطقة حلفاالجديدة الحالية.. بعض أهالي أرقين تحدّثوا ل (السوداني) بالمعبر عن ما حدث لهم أيام التهجير وكانوا يحملون مشاعر الحنين إلى الجذور جاءوا إلى المعبر في مُحاولة لإعادة الحياة إلى أرقين أو ما تبقى منها، قالوا إنها جُزءٌ من أرقين القديمة، تحدّثوا بألم عن ذكريات الماضي وبفرح غامر عن عودة الأمل لأرقين الجديدة بأن تشهد التطور بعد 52 عاماً من الموت السريري تحقيق : محي الدين شجر شفوقة ودموع الفرحة.. (شفوقة عبد الرحمن دهب) التقيناها وهي تنتقل مثل فراشة من مكان لآخر بعيون دامعة، سألتها عن أرقين فقالت: كان والدي هو شيخ القرية وإمامها بأرقين جنوب، وهي كانت قرية واحدة من حدود مصر حتى المعبر، وسر حبنا لأرقين لأنك لم تُجرِّب كيف تفقد وطنك، فقدناه فقداً، فقدنا جنة كانت أكبر قُرى غرب حلفا كُنّا في حالة تيه، ولكن الآن رجع الوطن وكَون أنّنا نقف في هذا المكان وتقصد (معبر أرقين) يعني أنّ القرية رجعت، أنا كنت في السابق أحضر إلى هنا وأحمل معي تراب أرقين لأعرضه في كل مُناسبة أشارك فيها، هذا سر الحب الجارف بداخلنا لأرقين، كانت قد ضاعت ولا نعرف متى ستعود لنا وكيف سترجع؟ وفجأةً عادت وهذا لأنّ نيتنا صافية ونحب كل الناس، نحب الكل بلا عُنصرية، لكن الله أكرمنا والحدود طويلة، لماذا المعبر في أرقين..؟ ان الله يكافئنا على صبرنا وهذه هي دموع الفرح... شاهد من التهجير سيد علي جبارة من مواليد أرقين التقيته بالمعبر، وحوله أهالي أرقين ملتفون، كان كبيرهم الذي علّمهم الحنين إلى أرقين فيما يبدو، قال لي: أنا من مواليد أرقين عام 1941 والهجرة كانت في عام 1964م، أرقين كانت واحدة تمتد من الشمال إلى الجنوب، أسرة واحدة وبعد الهجرة أصبحت ثلاث قُرى في حلفا الجديدة قرية (خمسة) وقرية (ثمانية) وقرية (حداشر) ومَازلنا مُتماسكين ومُتّحدين وإن تغيِّر المَكان، يقول سيد علي جبارة: كانت هجرة قسرية اعترضنا عليها كثيراً، ولكن تمّت في النِّهاية، كُنّا وقتها مُستقرين في أرقين وجاء القرار بالرحيل إلى شرق السُّودان البيت بالبيت والفدان بفدانين والنخيل تَمّ تقدير سعره ولكل شجرة سعر مُعيّن. كان آخر شَخص رَفض الهجرة المرحوم صالح عثمان وظل في أرقين حتى بداية الفيضان، لكنه خرج في آخر لحظة إلى الشرق في وادي حلفا الحالية وتوفي في نفس عام الهجرة.. ويضيف: أرقين كانت مساحتها 25 كيلو متراً طولاً جنوباً وغمرت المياه نحو 12 كيلو متراً من تلك المساحة. ضد النسيان.. طاهر مُحمّد طاهر معاشي أفادنا بقوله: ولدت بأرقين وشَهدت كل أيام الهجرة القسرية التي تمت لنا، وأذكر أنّ الحكومة اقترحت لنا ثماني مناطق هي شمال الخرطوم الجيلي والسامراب وجنوبالخرطوم الكلاكلات والسليم في دنقلاوخشم القربة في الشرق ومنطقة قُرب المحس، واختار أهل وادي حلفا منطقة المحس وأقل التصويت كان لخشم القربة، لكنّهم اختاروها لنا لأنّهم خَطّطوها لتستوعب سُكان وادي حلفا وبدأوا في بناء خزان خشم القربة، ونحن اخترنا الطريق السليم، وأقل الأصوات كانت لخشم القربة، ووقتها خرج طلاب الجامعات في مظاهرات بحلفا وكوستي وبورتسودان ودخلوا السجون ورغم ذلك نُقلنا إلى شرق السودان لأنهم كانوا قد بدأوا بتخطيط المشروع في تلك المنطقة، وقصة خروجنا من أرقين كانت فيها خدعة كبيرة لنا بعد أن أوهمونا بخروج الناس من الشمال، وقتها حضرت مجروسات بالغرب ووصلت باخرة في أرقين شمال في منطقة اسمها الخَلاء تقع آخر أرقين، وذَكروا لخالي مُحمّد سليمان كرور أنّ السكان في شمال أرقين خرجوا ولم يَبقَ إلاّ سكان الجنوب، فقام بنقل أمتعته في المجروس عندها عادت المجروسات التي كانت عاجزة عن نقل الناس في الجنوب وقامت بنقلهم وهكذا نقل السكان أمتعتهم في شمال وجنوب أرقين، وقُمنا نحن أيضاً بنقل أمتعتنا، وأذكر أنّ سكان قريتي "سرة وفرس" خرجوا قبلنا بأربعة أشهر ونحن خرجنا بعدهم يوم 18 مايو 1964 ووصلنا حلفا الجديدة يوم 21 مايو ووجدنا العشاء في انتظارنا، الأزيار جاهزة، وكانت هنالك لمبات جاز أبيض مُضاءة في البيوت، وكان هنالك شخص اسمه سليمان جزار مُتعهِّداً بإحضار العشاء لنا فول وسَلطة، كان الفوج الأول الذي وصل خشم القربة - حلفا الجديدة مكوناً من 125 بيتاً كمرحلة أولى وبعد ثلاثة أيام وصل الفوج الثاني وكان يضم مائة بيت وقرّّروا أن يسلموا كل بيت بطاطين وروادي صينية لكن وجدناها في السوق واشتريناها، وأذكر جيداً أننا وصلنا بعد العصر وكان العشاء فول وسًلطة، وفي اليوم الثاني الفطور فول وسَلطة والغداء "فاصوليا" وصرفوا لنا بصل وزيت وتموين كان من الرئيس الأمريكي ريجان، وبعد أربعة أشهر كان واحد وعشرين أكتوبر ووقفت كل المُساعدات التي كانت تأتي إلينا وأصبحنا نُناضل بعد ذلك لتعمير المَنطقة وتمّ تعويضنا الفدان بفدانيْن وانخرطنا في الزراعة والتعمير. الحنين إلى أرقين.. يقول الطاهر مُحمّد طاهر: رغم إننا بقينا في حلفا الجديدة إلاّ أنّنا لم ننسَ أرقين الموطن وظللنا نصارع منذ ذلك التاريخ لتعميرها لأننا لم ننساها ولم ننسَ مراتع الصبا أبداً، وقد حضرنا لأرقين أو ما تبقى منها سنة 95 ومكثنا في البيوت التي شيّدها الزبير 68 بيتاً وسنة ستة وتسعين فرغنا من العمل وجئنا إلى أرقين وعسكرنا في هذه المنطقة خمسة أشهر لتعميرها، وكل سنة نأتي لأرقين ونرجع والآن حينما قالوا سيفتتحون المعبر وصلنا للاحتفال ووجدنا الوضع يدعو للفرح وبعد ذلك سنقيم رسمياً بأرقين.. أنا بالمعاش وأولادي يرسلوا لنا المصاريف ونعيش منها، وأقول لك نحن الآن عادت لنا الحياة ومن أمس (مبسوطين) و(نايمين) باطمئنانٍ. غَابات نخيل.. يقول طاهر مُحمّد طاهر إبراهيم: كانت أرقين جنة بحدائقها وأشجارها، وكانت فيها غابات نخيل لا مثيل لها في العالم كله، وأذكر جيداً أن إبراهيم عبود حينما حَضرَ إلينا إتكأ على شجرة نخيل وبكى!! وقال إن كنت أعرف كل هذا الخير الوفير فيها لما أبرمت الاتفاق مع الحكومة المصرية، وكان قد زارنا وأقمنا له احتفالاً كبيراً، وما أعرفه أنا أن عبد الله خليل كان رافضاً للاتفاق، وحسن بشير نصر ومقبول الأمين هما من أبرما الاتفاقية بمصر.. عادت (شفوقة) للحديث فقالت: إن القرية كان فيها جناين الفاكهة وقصر أحمد سليمان خليل جدي، وكان من أكبر تجار حلفا ملياردير زمانه، كان يملك قصراً في أرقين وقصراً في الشرق، كانت عروس الغرب، ونفت شفوقة الرواية التي تتحدّث عن ترك أسر أرقين لذهبهم، فقالت إنها رواية غير صحيحة، لكنهم تركوا أرواحهم وهي أغلى من الذهب تركوها هنا في أرقين، ولكننا سنعيد أرواح أولادنا، وأضافت: إننا نعتبر حلفا الجديدة وطناً لنا أيضاً، وتقول شفوقة بحسرة وحنين إلى الماضي: أرقين الغارقة... تَاريخها يَعود إلى ما قبل الميلاد، كانت موجودة في العصر الأرقيني أول عصر يؤرخ له وكانت منطقة تاريخية، ويضيف سيد علي جبارة: أرقين الحالية تقع في موقعها الأصلي وبعدها في اتجاه مصر تقع قرى أشكيت وفرس ودبيرة، وبنى لنا الشهيد الزبير 68 بيتاً، وكانت توجد مدرسة وشفخانة، لكن بعد الخلاف السوداني المصري عام 1995 الناس رحلت إلى الشرق وعادت مرةً أخرى في فترة بناء سد مروي لأن نقل الأسمنت من مصر إلى السد كان يتم عبر هذه المنطقة, فانتعشت الحركة التجارية، ولكن حالياً هنالك تسع أسر فقط ظلّت صابرة ومُتواجدة بالمنطقة. حلفا القديمة.. يقول سيد علي جبارة بذاكرة متقدة: حلفا القديمة كلها اتغمرت بمياه السد، الغرب عشرة كيلو والشرق اثنين كيلو، والمجرى القديم اثنين كيلو، وعَرض البحر اثنين كيلو كل القرى 26 قرية غمرها الفيضان أرقين ودبيرة وأشكيت ودبروسة وقرى دغيم كلها سمنة ودوشاب وبوهين وكانت مساحة المدينة كيلو متر ونصف والبحر فات اثنين كيلو متر وكل القرى تم نقلها إلى حلفا الجديدة بشرق السودان، حَيث تَمّ نقل 250 أسرة من أرقين شمال و250 أسرة من أرقين وسط و250 أسرة من أرقين جنوب، ويضيف: نعم هنالك قرى لم يغمرها النيل مثل قرية دال، لكنهم استوطنوا بالشرق في كيلو 14 نتيجة لصعوبة الحياة بعد انتقال السكان إلى حلفا الجديدة بعد أن امتلأت قريتهم بالهوامل من الكلاب الضالة، وقتها طالبوا الحكومة بنقلهم إلى حلفا الجديدة لكنها تجاهلتهم فذهبوا بأنفسهم وأقاموا في "قطاطٍ" بكيلو 14 ولكن حالياً تمكنوا من البناء وتم توصيل الكهرباء لهم أيضاً، جزء من قرية 24 لم يغمره فيضان السد العالي وظلوا يعودون إلى قريتهم كل عام في موسم حصاد البلح. مسيرات حلفا.. يقول سيد علي جبارة مُنتقداً المظاهرة الرافضة لمعبر اأرقين التي انطلقت في حلفا مُتزامنة مع افتتاحه: نحن أسرة واحدة من فرس إلى أقصى الجنوب وموحدون قرى جمي ودغيم واشكيت وفرس وهذا المعبر لنا ولسكان حلفا وللسودان كله ولا يضعف وادي حلفا، ونحن أسرة واحدة ولا يوجد خلافٌ وقبل معبر أرقين ومعبر أشكيت دخل وادي حلفا كان من أرقين والمسيرة خطا، والمعبر لكل السودان وبدون معبر أشكيت ومعبر أرقين إيرادات وادي حلفا كانت من أرقين، دنقلا هي الولاية يمكن تغذي أرقين ووادي حلفا، وفي حلفا الجديدة لدينا مؤسسات تذهب إلى العاصمة كسلا ثم توزع الإيرادات لباقي المحليات, ونحن كأرقين نرفض هذه المسيرة، لأنّنا حين تمّ فتح معبر أشكيت كنا نؤيد افتتاحه ولم نرفع العلم الأسود ونحن أسرة واحدة العلم الأسود رفعناه أيام الهجرة، لكن الآن نحن جميعنا أسرة واحدة. شهداء أرقين.. قالت (شفوقة)، إنّ ارتباط إهل أرقين بمنطقتهم هو ارتباطٌ كبيرٌ وعميقٌ ويكنون لها حباً جارفاً، وراح شهداء هذا الحب عدد كبير منهم، حيث غرق 15 شخصاً نتيجة غرق العبّارة التي كانت تعمل بين أرقين ووادي حلفا، كما توفي في الصحراء بمنطقة قوز رجب ابن خالي جمال صالح صابر عام 2007م ومعه عوض سليمان مُحمّد أحمد وكانا ينويان الاستقرار بأرقين.. وتَحَدّث سيد علي جبارة عن العَبّارة الغارقة فقال: لم تكن أول عَبّارة تغرق، حيث غرقت من قبل عَبّارة عام 2011 أودت بحياة شريف داؤود سليمان من أبناء وادي حلفا كانت عَبّارة صينية تعمل من الشرق إلى الغرب من أرقين إلى وادي حلفا والبحيرة تحتاج إلى عَبّارة كبيرة. عَبّارة جديدة.. قالت عائدة حسب الله محيى الدين من قرية أرقين، مندوبة جمعية نخيل النوبة، إنّ رجل الأعمال عبد الباسط حمزة وعد بتشييد طريق من المعبر إلى قريتهم، وذكرت أنّ الحكومة وعدت أهل أرقين بعَبّارة جديدة لتربطهم بوادي حلفا عوضاً عن العَبّارة التي غرقت مؤخراً، وعن أرقين القديمة قالت، إنّها كانت قبلة للسِّيّاح وكان فيها قصر سليمان الذي بُني على الطراز التركي، وكشفت أنها كانت تتمتّع بمعادن كثيرة كالذهب والفوسفات وبخيرات زراعية مُتنوِّعة، وقالت: إنني أترحّم بهذه المُناسبة على روح بابا أرقين إبراهيم دهب الذي ناضل من أجل بقاء أرقين وتوفي قبل شهر تقريباً. رمز ولكن.. ذَكَرت وصال مُحمّد أحمد الشهيرة (بوصال شرف)، عضو جمعية نخيل النوبة وصاحبة فكرة نخيل أرقين، أنّ افتتاح معبر أرقين بمثابة رمز للعودة، لأننا ظللنا نُنادي للعودة الطوعية، وما حدث شيءٌ مفرحٌ أن يأتي مُستثمر ويُشيِّد معبر في منطقتنا، ولكننا أيضاً ضد نقل الجمارك إلى دنقلا.. صحيحٌ إنّ المعبر أعاد الحياة إلى أرقين ولكننا لن نرضى بأن يقتل وادي حلفا في ذات الوقت، لأنّ سكان وادي حلفا الحاليين صمدوا وسكنوا الجبال مع الكلاب ولم يستلموا تعويضات وبنوها طوبة طوبة، وما نطلبه أن يكون المعبر تابعاً لوادي حلفا. تعمير لا هدم.. أكّد ل (السوداني) وزير النقل والطرق والجسور المهندس مكاوي مُحمّد عوض أنّ المعبر سيعمل على تطوير منطقة أرقين بقيام مشروعات زراعية ضخمة، إضافةً إلى بناء مسلخ، موضحأً ربط أرقين بطريق مُسفلت يبدأ من المعبر، واستبعد أن يُؤثِّر المعبر على مكانة وادي حلفا.