دعا علي الحاج لوحدة الإسلاميين، بكل تياراتهم وجماعاتهم وأحزابهم بأسرع وقت ممكن، وهي دعوة ربما تبدو مستحيلة في الوقت الراهن لحزمة من الأسباب الداخلية والخارجية؛ فعلى الصعيد الداخلي تباعدت المسافة بين الإسلاميين منذ المفاصلة ذائعة الصيت، وإن كان الحوار الوطني، قد قارب بينهم ثم تلته مشاركة الشعبي في الحكومة، لكن حتى الآن المشاركة لم تُرْضِ طموحات الشعبيين، بينما هناك تيار متشدد يرفض الأمر جملةً وتفصيلاً، وربما لذلك دعا د.علي الحاج لوحدة، ليست مبنية على عاطفة وإنما على بينة وحُجَّة قوية؛ كما أن الدعوة لوحدة الإسلاميين هي خصم على العسكريين دون شك، وقد تظهر بأنها محاولة لسحب البساط من تحت أقدامهم، وأعني بذلك من هم دون المشير البشير وذلك لصعوبة انتقال قيادة البلاد في ظل الظروف الحالية إلى قيادة مدنية كاملة الدسم، وهذا هو رأي علي عثمان محمد طه في حوار أجرته معه (الرأي العام) عقب مغادرته السلطة، فضلاً عن أن الأوضاع الأمنية والعسكرية تحتاج إلى شخصية يمكن أن تنسق قدرتها على ضبط الإيقاع العسكري والأداء المدني. ولعل العسكريِّين لم يأمنوا جانب الإسلاميين رغم مرور كل هذه السنوات، فكان طبيعياً أن يحجز النائب الأول الفريق أول بكري حسن صالح مقعده في الحركة الإسلامية نائباً للأمين العام. لكنَّ الانقسام بين الإسلاميين لم يتوقف عند محطة (وطني وشعبي)، حيث خرجت مجموعة أخرى بزعامة غازي صلاح الدين، أسست حركة الإصلاح الآن، والتي بينها صقور، يرون ضرورة رحيل الوطني عن السلطة، وأمثال هؤلاء سيعيقون مساعي الوحدة وإن كانت الوحدة ستنقذ غازي العتباني من المأزق الذي وقع فيه بتأسيسه حزباً، تشكو داره من قلة الفئران. يوجد تيار داخل الوطني غير راغب في الوحدة، وذلك أن المفاصلة نزلت عليهم برداً وسلاماً وجعلتهم يتقدمون الصفوف، وبالقطع فإن هذا التيار في تنامٍ خاصة مع تقدم الجيل الثالث في الحركة الإسلامية للصفوف ودخولهم السلطة، (انظروا لشباب من الإسلاميين دخلوا الوزارة والبرلمان وكذلك يتولون مناصب تنظيمية بالوطني). وهناك تيار عريض سيقف ضد الوحدة، يضم من دخلوا في الإنقاذ عبر الشباك، أو انضموا إليها ممن كانوا مناصرين لمايو، أو أشخاصاً غير معروف من أين أتوا ولمع نجمهم فجأة في الإنقاذ. أما العوامل الخارجية التي تعيق الوحدة أولها التقارب الذي حدث مع دول الخليج وخاصة الإمارات والتي تكن عداءً صريحاً للإسلاميين بالمنطقة، وبرز في إسنادها للنظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، على حساب الرئيس المنتخب محمد مرسي، بالإضافة إلى أن بعض دول الجوار تتحفظ على التعامل مع الإسلاميين مثل دولة الجنوب والتي يرى قادتها بدءاً من عرابهم جون قرنق، أنه لولا وجود الإسلاميين لشربوا قهوة في (دار جعل)، وكذلك مصر وليبيا التي ينظر تيارها العسكري بقيادة حفتر وكذلك نجل القذافي، سيف الإسلام، أن الخرطوم ممثلة في حكومتها الإسلامية دعمت إسلاميي ليبيا الذين اغتالوا القذافي. وقد تثير الوحدة حفيظة الولاياتالمتحدة، مما يؤثر على مسار علاقات البلدين. وإجمالاً بالمحور الخارجي فإن أطرافاً عدّة تعمل على إفشال الوحدة، وقد تُنسِّقُ مع تيارات داخلية أو خارجية، تعلم تفاصيل الأوضاع بالبلاد مثل مدير مكاتب الرئيس السابق الفريق طه عثمان والذي لم تكن علاقاته على ما يرام مع الإسلاميين. أنصار الوحدة لكن بالمقابل هناك مجموعات من أنصار وحدة الإسلاميين ولكل منها له فلسفة خاصة في الوحدة، وقد يكون في مقدمتها علي الحاج نفسه، وذلك بإطلاق دعوته التي سيكسب بها شعبية، وسيصبح نجماً في المشهد السياسي، فإذا ما تحققت الوحدة ربما يتولى قيادة الحركة الإسلامية الموحدة باعتباره صاحب دعوة لم الشمل كما أن الوحدة تُقوِّي صف حزبه الذي لم يفق من صدمة رحيل زعيمه. ومن الطبيعي أن يكون الأمين العام السابق للحركة علي عثمان في قائمة أنصار الوحدة، فإذا تحققت الوحدة ربما يعود مجدداً لقيادة الحركة، كما أن الوحدة قد تقوي نفوذه وترفع أسهمه ما بعد (2020). أمر ثالث وهو أن طه ليس لديه ما يخشاه حتى يُعارِضَ الوحدة بعد أن أصبح خارج السلطة، علاوة على أن حضوره في اللقاء أذاب جليد الخصومة بينه والشعبيين الذين يرون أن المفاصلة من بنات أفكاره وأنه بدأ يخطط لإقصاء شيخهم الترابي منذ فجر الإنقاذ عندما تأخر في إطلاق سراح الترابي من السجن لنصف عام، وكان يدير البلاد مع العميد البشير وقتها، مما خلق بينهم توافقاً جعل البشير لا يتردد في اختياره نائباً له في العام 1998م عقب استشهاد المشير الزبير على حساب الترابي نفسه وعلي الحاج. ثم إن كروت قوة طه تتمثل في وجوده في ملعب الإسلاميين. أيضاً من أنصار وحدة الإسلاميين المجاهدون والجالسون على الرصيف من الذين دافعوا عن الإنقاذ ب (السلاح) ووجدوا أنفسهم (مطلقي السراح). مهددات وتحديات هناك حزمة من المهددات والتحديات التي ستجابه وحدة الإسلاميين، فستثير دعوة علي الحاج حفيظة من يعادون الإنقاذ سواء بطريقة ناعمة (حزب الأمة بزعامة المهدي)، أو الذين يقاتلونه (الحركة الشعبية وحركات دارفور)، وربما الدعوة تكون محفزاً لإحياء تحالفاتهم القديمة. كما أن شركاء الإنقاذ وآخرهم مبارك الفاضل قد تُساورهم الشكوك حول مستقبل علاقاتهم مع الحكومة، ويرجَّح أن يمضي مبارك في تدعيم رؤيته القائمة على التقارب مع العسكريين. أمر آخر وهو أن حركات دارفور الموقعة على السلام ستظل في حالة تحفُّظ خاصة أن بعض قياداتها كانوا إسلاميين مثل الوزير بحر أبوقردة وممثلَيْ حزب سيسي في الحكومة وزيرة التربية آسيا محمد ووزير الدولة بالنقل إبراهيم بنج. ومهما يكن من أمر، فإن علي عثمان علَّق ذات مرة بالقول حول وحدة الإسلاميين وقال: (من ناحية فكرية مطلوبة، ويمكن أن يجري حوار حول أشكال التعبير عنها)، لكن تبقى كلمة السر في الأمر في تفاصيل لقاء علي الحاج بالرئيس البشير مؤخراً.