انشغل الناس أمس مطولاً بالمصحف الذي أدى عليه قادة آلية الطوارئ الاقتصادية القسم إيذاناً بانطلاق الجهد المشترك لإنقاذ الاقتصاد .. وقبل ذلك تسهيل معاش الناس .. ولكن السؤال عما وراء العودة إلى العمل المشترك .. لم يجتهد الناس في البحث عن إجابة عليه .. وحين تغيب المعلومات الحديثة .. في حدث ما .. تزداد قيمة المعلومات القديمة .. وذلك لأغراض التحليل .. وصولاً إلى تفسير أو حتى مقاربة الإجابات عن أسئلة يمكن أن تكون قد تولدت حديثاً في ذات الحدث .. ولعل المشهد السياسي يواجه أمراً مماثلاً الآن .. مما يدفعنا لسبر غور سير العلاقة بين القوى السياسية المختلفة والمكونات الفاعلة في السلطة الانتقالية ..! فى نهاية الأسبوع الأول من مارس الماضي أعلن عن تشكيل آلية عليا لمعالجة الأزمة الاقتصادية بالبلاد .. ورغم التفاؤل العام بالإعلان عن تلك الخطوة .. إلا أن الدوائر السياسية فوجئت بهجوم شرس .. تقوده بعض الدوائر التي عرفت بتشددها .. الهجوم تركز على رئاسة الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس السيادي وقائد الدعم السريع لتلك الآلية .. المفارقة أن الحملة قد انطلقت من اليمين واليسار على حد سواء .. اليمين .. الذي يشكله الإسلاميون الذين أقصوا من السلطة .. يسخر من الخطوة .. التي مثلت حسب قولهم خنوع المكون المدني للعسكر .. وتحديداً للفريق حميدتي .. وراحت الحملة تجتر كل الانتقادات التي كانت توجه من الثوار لحميدتي ولقواته .. وتبثها بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي .. وفي ذات الوقت كانت حملة اليسار .. تنصب على رفض حميدتي مباشرة .. مذكرة .. دائماً .. بفض الاعتصام وعدم محاسبة المتورطين فيه .. كان جلياً أن المعنى هو قائد الدعم السريع وقواته .. وبالنتيجة كان طبيعياً أن يعتذر الفريق حميدتي عن رئاسة الآلية .. فكانت النتيجة أن تعطلت الآلية كلها ..! غير أن الواقع أن هذا لم يكن الرفض الأول الذي يواجه حميدتي منذ أن أطل على المشهد السياسي السوداني .. فقد ظلت قوى إعلان الحرية والتغيير ولفترة طويلة .. تقف بمنأى عن المنبر التفاوضي المنعقد في جوبا عاصمة جنوب السودان .. والذي يلعب فيه القائد حميدتي رأس الرمح والفاعل الرئيسي فيه .. حتى ظهور بعض رموز وقادة قوى الحرية والتغيير في المنبر .. كان أقرب إلى دور المراقب منه إلى المفاوض الأصيل .. وقبل ذلك سجل مجلس الوزراء تحفظه حتى تشكيل آلية إدارة ملف السلام .. والتي شكلها رئيس المجلس السيادي باعتبار أن الأمر شأن تنفيذي يخص رئيس الوزراء .. ! وفجأة .. تزامن أمران .. تغيرت لهجة قوى إعلان الحرية والتغيير تجاه مخرجات منبر جوبا .. وحتى بعض مساراتها .. خاصة لجهة الحوار مع حركات الكفاح المسلح .. وبالنتيجة تغيرت مواقف الجبهة الثورية أيضا .. وأصبحت أكثر مرونة تجاه الإجراءات التي تتخذها حكومة حمدوك .. تعيين الولاة مثالاً .. أما الأمر الثاني فهو عودة الروح إلى الآلية الاقتصادية بعودة حميدتي إليها .. حتى أنها كما بدأنا هذا التحليل .. أدت القسم للشروع في عملها .. وقد شرعت بالفعل .. ويقود كل هذا لسؤال .. أو بالأحرى للإجابة على السؤال .. ما الذي حدث .. فتغير كل شيء ..؟ الأرجح أن مساومة ما قد جرت بين طرفين .. كانت من شروط تلك المساومة .. أن عودة حميدتي لقيادة الآلية الاقتصادية .. رهينة باعتراف المكون المدني .. أو الحكومة وحاضنتها السياسية .. بدور الرجل في عملية السلام أيضاً .. وعملية السلام الآن تنحصر في منبر جوبا ومداولاته ومخرجاته حتى اليوم .. فإذا تغيرت لغة الحرية والتغيير .. وعادت الروح إلى الآلية الاقتصادية فهذا يعني .. أن المساومة التاريخية قد نجحت .. حتى الآن على الأقل ..!