أشرنا بالأمس لتبني طيبة برس مقترحا نبع من منبر نساء الأحزاب السياسية .. هكذا كان اسمه .. لتنظيم جهودِ في الداخل لدعم مفاوضات السلام التي كانت تنتظم بكينيا بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان .. ثم كيف انتقلت الفكرة الى برنامج عمل مشترك بين طيبة ومؤسسة فريدريش آيبرت الألمانية بعقد ورشة عمل لدعم السلام .. ثم أبنا كيف تطورت الفكرة واتخذت منحى مغايرًا تماما .. حين طرحنا مسألة مشاركة الحركة الشعبية نفسها في ورشة العمل .. وختمنا تحليل الأمس .. ب ( اتصالنا على الفور بياسر عرمان .. شارحين له أن المؤسستين بصدد تنظيم ورشة عن السلام في الخرطوم.. وأننا نتطلع لمشاركة الحركة الشعبية عبر ورقة عن رؤاها لمختلف القضايا .. كان ذلك اقصى طموحي بالطبع .. وكيف أن ياسر قد رحب بالفكرة مع وعد بالرد .. وبالفعل عاد ياسر بعد يومين حاملا لنا .. عبر الهاتف .. مفاجأتين..!) بالنسبة لي .. كنت اعتقد أن مجرد المحاولة .. شرف يستحق بذل كل جهد ممكن .. أما موافقة الحركة .. خاصة فى تلك الظروف .. فقد كانت عندي محل شك .. و رغم ذلك .. كدأبي في هكذا حالات .. فقد تركت الباب مفتوحا على كل الاحتمالات .. حتى رن هاتفي ذات أمسية متأخرة .. كان على الطرف الآخر ياسر .. جاءنى صوته المألوف .. يا شاب .. ثم بدأ يحكي .. ( الفكرة جيدة وفعلا هذا وقتها ونحن في الحركة الشعبية لا مانع لدينا من المساعدة في نجاحها و لأننا في حاجة لسماع صوت الداخل اكثر من أن يستمع الينا ..) .. صمت ياسر برهة .. وقبل أن أستعيد أنفاسي ..من المفاجأة الأولى أردف ياسر .. مطلقا مفاجأته الثانية ..(أنا طبعا إتكلمت مع الدكتور .. !!!) وحين يقول ياسر(الدكتور) فهو يعنى الدكتور جون قرنق بلا شك .. ولاسبيل للخلط .. ولا سبيل حتى لعدم إدراك ما يعني ..ويمضي ياسر مضيفا .. (هو طبعا رحب بالفكرة لكن .. ) أذكر الآن وبوضوح شديد .. أنني حين استدرك ياسر وهو بصدد إعادة ما قاله الدكتور جون قرنق على مسامعي .. أنني توقعت كل شيء إلا ما قاله ياسر .. وقد قال .. ( الد كتور يفضل أن تكون الورشة تحت لافتة مؤسسة قومية كبيرة كجامعة الخرطوم مثلا ) .. لم أصدق أذني .. و للدقة فإننى لم أذق طعم النوم تلك الليلة .. وقد طلبت من الأستاذ ياسر عرمان أن يمهلني يوما أو بعض يوم ..! والواقع أنني لم أضع وقتا .. فما إن حلت السادسة صباحا .. إلا وكنت في الشارع مهرولا نحو منزل الدكتور عبد الرحيم بلال .. وقد أسعدني ترحيبه بتلك التطورات التي وصفها بالإيجابية .. بل اعتبر ما وصلنا اليه إنجازا كبيرا .. ولم نستغرق وقتا طويلا قبل الوصول الى قرار باعتماد مقترح الدكتور جون قرنق نفسه .. وهو أن تنعقد هذه الورشة تحت مظلة جامعة الخرطوم .. وكان إحساسا عميقا قد سيطر على كلينا.. بأنه ما من سبب سيمنع جامعة الخرطوم من الموافقة على تلك الفكرة .. بل وتبنيها .. ورغم العلاقة الطيبة التي كانت تربطنا بمدير جامعة الخرطوم آنذاك .. وإن لم تخن الذاكرة فقد كان هو البروفيسور عبد الملك محمد عبد الرحمن .. إلا أننا .. فيما يبدو .. قد تنكبنا جادة الطريق .. ووقعنا في الخطأ القاتل .. نعم هذا ما حدث .. فإلى الغد ..! مع مفاجأة عرمان الثالثة .. وبداية الفاجعة..!