يدور جدل حول إزالة دعم السلع او الإبقاء عليه ولكن تواجه الإزالة مقاومة سياسية لان ظروف المعيشة الحالية لا تسمح بذلك. ولقد قدر الدعم في موازنة الحكومة القومية لعام 2019 بمبلغ 52 مليار جنيه ولكن بنهاية السنة بلغ 189 مليار جنيه ويتوقع ان يزيد مقداره كثيرا عن ذلك في عام 2020 بسبب التدهور في سعر صرف الجنيه وزيادة الطلب على السلع المدعومة المتمثلة في المحروقات والكهرباء والقمح والتي تشكل المحروقات جلها بنسبة تفوق نسبة 70%. ويعزى ذلك لعوامل منها الزيادة الطبيعية للسكان وتغير أنماط الاستهلاك وزيادة الدخول لبعض شرائح المجتمع ونمو الاقتصاد. وتكمن خطورة الدعم في انه إنفاق يسهم مساهمة كبيرة في عجز موازنة الحكومة القومية الذي يمول أغلبه من بنك السودان مما يفاقم التضخم السبب الرئيس لتزايد الفقر الذي يستهدف الدعم الحد منه. السياسة الاقتصادية الحالية غير واضحة فيما إذا كانت تستهدف خفض عجز الموازنة بإزالة الدعم أم تحويله من دعم للسلع الذي يستفيد منه الغني والفقير الى دعم نقدي يوجه الى الفقراء ليكون شبكة أمان للمتضررين من الإجراءات الاقتصادية دون اعتبار لعجز الموازنة. وقد يتم ذلك دون الأخذ في الحسبان الصعوبات الإدارية وتكلفتها ودون التنسيق مع ديوان الزكاة الذي تتقاطع بعض أوجه مصارفه مع الدعم الاجتماعي الذي تقدمه وزارة المالية لاسيما في الصرف على الفقراء. وتجدر الإشارة الى ان الدول التي نجحت في إخراج نسبة كبيرة من سكانها من الفقر لم تعتمد على الدعم بل على تسريع التنمية لا سيما الصناعية التي تخلق فرص عمل. يزال الدعم برفع سعر السلعة المدعومة ليغطي تكلفة شرائها وقد تهبط هذه التكلفة بالتحسن في سعر الصرف او الهبوط في سعر استيراد السلعة المدعومة. فإذا هبط السعر هبوطا حادا في حين ثبات سعر البيع للجمهور يتحول الدعم من إنفاق الى إيراد للموازنة. وبخلاف ذلك يتعذر إزالة الدعم او خفضه في الظروف الحالية وسيظل باقيا في المستقبل المنظور لذلك لابد من النظر في بدائل تحد منه بغرض تقليص عجز موازنة الحكومة القومية المتسبب الأساس للتضخم والفقر الناجم عنه. وبالتركيز على المحروقات المتلقي الأكبر للدعم لابد من معرفة حقيقة الدعم بإنقاص دعم المحروقات التي تستخدمها القوات النظامية والوزارات الاتحادية والولائية من الدعم الكلي الذي يجب قصره على المواطنين. فالغرض من الدعم الحد من الفقر ولا ينطبق ذلك على مؤسسات الحكومية. تباع في كثير من الدول مشتقات البنزين بإضافات بمسمى اكتين أعلاه الممتاز ثم الأقل المخصوص ثم العادي ولكل سعره. وفي الولاياتالمتحدة يخلط البنزين بنسبة 10% بالإيثانول الأرخص والذي ينتج في السودان من مخلفات السكر. هذه الإضافات تحسن أداء السيارات والآليات وتقلل تلوث البيئة وتقلص حجم الدعم. وجرب السودان من قبل ضخ الوقود للسيارات مصحوبا بالغاز وأيضا بيعه بنوعي السوبر والعادي بسعرين مختلفين. وتوفير هذه الأصناف المميزة من المحروقات بأسعار مختلفة تؤمن دعما متقاطعا يقلل من الدعم الكلي. إن خفض استهلاك المحروقات مؤثر في خفض الدعم ولذلك يتعين الحد من استيراد السيارات عالية الاستهلاك بفرض رسوم جمركية إضافية عليها وبجانب ذلك تشجيع الاستثمار في النقل الجماعي، وتخصيص خدمات علاجية واقتصادية للأحياء السكنية كيلا يستهلك المواطن الوقود للوصول إليها. كما يجب تطوير التجارة ووسائل الدفع الالكترونية لتقليل حركة المركبات والعمل على استقرار الإمداد الكهربائي الذي يغني عن استخدام المولدات الخاصة عالية الاستهلاك للمحروقات في المساكن وأماكن الإنتاج. ولخفض تكلفة الكهرباء لابد من الاستثمار في المصادر المتجددة المائية والشمسية والنووية وهذه عالية التكلفة الإنشائية منخفضة التكلفة التجارية كما يجب العمل على ترشيد استهلاك الكهرباء بقصر الاستيراد على الأجهزة الاقتصادية في الاستهلاك. إن خفض تكلفة الدعم تستوجب إعادة النظر في الكيفية التي يتم بها استيراد السلع المدعومة من السوق الفوري او السوق الآجل مع توفير أوعية التخزين المناسبة. ويجب ان يكون الغرض من خفض الدعم خفض عجز الموازنة الممول من بنك السودان واستقرار سعر الصرف المسئولين عن إفقار المواطنين. أضف الى ذلك ضرورة زيادة إنتاج البترول المحلي والقمح وزيادة انتاج الكهرباء. وكل وسائل خفض الدعم او حتى إزالته لن توفر السلع المدعومة للمواطن إذا لم تؤمن الموارد الأجنبية لاستيرادها أو زيادة إنتاجها محليا.