(الشرموط)...كانت لنا أيام..! الخرطوم: السوداني المشهد كان يتحدث عن نفسه قديماً، والنساء السودانيات يبتكرن في كل يوم جديد، نمطاً آخر لمجابهة ظروف الحياة، ومن بين ثنايا ثقوب الزمن تتسرب تلك الايام التي خرجت ولم تعد حتى الآن، وامرأة تصعد على (بنبر) صغير وتمد برأسها لمنزل جارتها قبل أن تقول لها بشيء من اللطف: (يا فلانة..عليك الله ما بلقي لي عندك طايوق)، وتجيبها الأخرى من داخل (التكل) الذي اصبح اليوم (مطبخاً): (آي عندي..دقيقة يا فلانة)، وتمضي الدقيقة بسرعة قبل أن تحتضن اصابع الاولى تلك اللفافة الصغيرة والتى تحوي ذلك (الطايوق) الذي يعتبر في ذلك الزمان من اهم عناصر (عواسة الكسرة). حكاية الشرموط: ولعل ابتكارات النساء السودانيات لم تقتصر على ذلك فحسب، بل تعدت لتشمل جوانب أخرى لتسيير الحياة بصورة طبيعية، ولن ينسى الكثيرون ابتكار المرأة في وقت من الاوقات (للشرموط)، ذلك اللحم الذى يتم تجفيفه تحت اشعة الشمس ومن ثم إدخاله في صناعة ملاح (الشرموط) البلدي، والذى يعتبر الاكثر شهرة وذياعاً للصيت في السودان. ظروف اقتصادية: و(للشرموط) في ذاكرة عدد كبير من النساء مساحة، ومن ضمنهن (ايمان بخيت) ربة المنزل والتي حكت عن تلك الايام بالكثير من الحنين وقالت: (زمان كنا بنشتري 2 كيلو لحمة..واحد بنحمرو وبنعمل منو شوربة والتاني بنعملو شرموط نقضي بيهو باقي الاسبوع)، واضافت ايمان: (اشتاق جداً لتلك الايام الجميلة واتحسر على ضياعها اليوم بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة). سخينة حمراء: وتضيف (إلهام محمد) الموظفة أن الظروف الاقتصادية الاخيرة وارتفاع اسعار اللحوم تسبب في غياب (الشرموط) عن كثير من البيوت وبالتالي ربما يغيب اشهر ملاح قام بالتعريف عن السودانيين في الخارج، واضافت (الهام) أن الكثيرين تركوا اللحم منذ ارتفاع اسعاره مؤخراً وظلوا يبتكرون اشياء جديدة للتعويض عن ذلك، كان آخرها (السخينة الحمراء) والتى وصفتها بأنها ذات طعم مميز، لكنها لا تعوض (الشرموط) بأي حال من الاحوال. مطاعم بس: وعلى ذات السياق يعترف (محمد البشير) اعمال حرة أنه يفتقد ملاح (الشرموط) بشدة، واضاف: (بعد أن افتقده كثيراً، أقوم بالذهاب لاقرب مطعم شعبي واقوم بطلبه مع الكسرة، لأنه صار لا يتوفر الا في تلك المطاعم، وبأسعار عالية تجاوزت العشرة جنيهات للطلب الواحد). دلال وتمنع: عموماً غاب (الشرموط) عن البيوت السودانية مؤخراً بسبب الظروف الاقتصادية لكنه لم يغب عن ذهن و(لسان) المواطن، الذى لايزال يتذكر حلاوة ذلك الطعم المختلف والذي جادت به قرائح نساء السودان في فترة لم تعرف فيها اللحوم سبيلاً للدلال أو التمنع.