"ظننت أنه صديق" قالت بعد لحظة صمت ليست بالطويلة بيننا بهدوء وحزن " كان شخصا رائعاً وخلوقاً " صمت... فلم أشاركها الحديث احتراماً لنبرة الحزن في صوتها ومحياها وليقيني أن الاستماع فقط يدفع الإنسان بالتعبير الصادق وإن كان أحياناً بارتجال ... لكن دون تجمل ... احترت صمتاً لاستخدامها صيغة الماضي ولكن حيرتي لم تطُل حتى قالت: لماذا لم يفهم معنى الصداقة؟ عندها تداركت أنه تعبير مجازي للموت "الحيوي" وليس "الأكلينيكي" ... فرددت بيني وبين نفسي " فريسهٌ أخرى" ... ولكنها أسهبت في الشرح وكأنها تحدث نفسها أنه من الرائع الأحساس بالأمان مع شخص معين نحن النساء نبحث عنه ونفرح حين نجده ... ولكنه ترجم هذا الإحساس على موجة أسماها " الحب" .. أي حب وكل المعطيات التي تحيط به لا يمكن أن تحمله هذا المعنى ؟؟... وهل كل ما يخرج من المرأة تجاه الرجل لا يحمل " سوى " الحب ويترجم عنده "بالحميمية" ؟؟ كل الذي كان بيننا علاقة إنسانية نظيفة صادقة أقله من جانبي ولم أحاول يوماً أن استخدم فيه لغة الإغواء أو التواصل الجسدي. كل ما كنت أرمي إليه صداقة أخوية جميلة.. كنا نتجاذب أطراف الحديث ونتناقش في كل أمور الحياة العامة والخاصة وليست "الخصوصية" نتبادل المزاح الخفيف النظيف ... لم يكن يمر يوم إلا بيننا تواصل مريح نلتقي أحياناً بواقع العمل ... لم يحسسني أن ما يحمله تجاهي " غير ". ترى هل حمل ما كان يدور بيننا من تواصل الى "غير" منذ البداية؟؟ وهل صحيح أنه ليس هنالك صداقة بين الرجل والمرأة .. و ما سر الإحساس بالراحة والأمان معه فأنا لم أضعه في خانة " الحب " يوماً ؟؟ من المخطئ ؟؟ و من المذنب ؟؟ وأين الخطأ.. بل أين الذنب ؟؟ كل هذه الأسئلة أردفتها محدثتي سريعا وبحيرة تدل على أن الأمور قد اختلطت بدواخلها ... ثم أنهت حديثها قائلة: " لا أريد أن أخسره فهو صديق رائع". ألمني ذلك الإحساس بالحزن العميق وتلك الدموع التي لم تكن " ندما " بل حسرة و حيرة .... حيرة قاتلة ومميتة. سألتها بعد أن تركتها تفرغ كل ما بجعبتها.. هل تؤمنين بالصداقة بين الرجل و المرأة ؟ .. أجابت سريعاً مستعجبة ولماذا الإيمان؟ ألا يمكن أن نفترض صحة وجودها ؟؟!! حاورتها قائلة: يمكن أن نفترض الزمالة بين الرجل و المرأة .. وهي تلك العلاقة التي حدودها العمل و"مكانه " يفهمه الرجل السوداني صحيحاً دون أدنى تشويش .. ولكن متى ما خرجت تلك العلاقة الى حيز آخر للأسف أولت لشيء " ثانٍ" ... ليس لسوء "دواخله"... بل لاختلاط المشاعر و" تشويشها " عنده ... فهو لا يستطيع أن يستوعب وجود امرأة في حياته تنشر عبير الود إلا إذا كان " حباً " وحتى هذا الحب قد يصبح شيئاً " آخر " إذا كانت المرأة " متزوجة " ، وبالطبع ليس للتعميم، ولكن ما يحير أكثر هو لماذا تبحث المرأة عن ملاذ أمانها في الرجل ؟؟ وما العيب إذا كان هذا الملاذ غير الزوج ؟؟ وعن ماذا تبحث هي في هذه الصداقة إن جاز التعبير أم أنه "حب ممنوع محرم " ؟؟ ولماذا يحول الرجل موجة الصداقه تلك الى أثير الحب و توابعه " متعامياً " وليس أعمى عن الوقائع محاولاً الوصول الى الإرضاء " الذاتي " ؟ وهل هو ناظر الى واقع الطرف الآخر ؟؟ وبأي نظره ينظر إليها ؟؟ مشاعر البشر مختلفة ومتقلبة ولكن يبقى " الحب " هو سيد الموقف لأن الحياة به تصبح أجمل ... ويظل مفهوم الصداقة بين الرجل والرجل واضحة .. ونختلف في وجودها بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا الشرقية " عامة " وتبقى كثير من الأسئلة " محيرة " عن تلك العلاقة ... و لكن حزنت لحزنها لأنها .." فريسة من نوع آخر " فهي أيضاً زوجة افتقدت الأمان في كنف زوجها فراحت تبحث عنه في مكان آخر ... فكان الزمان والمكان الخطأ ولكن لمَ خطأ.. ؟؟ وهو بالتأكيد ما نحتاج للإجابة عليه.