تباينت رؤى اقتصاديين في حديثهم ل(السوداني) حول سياستي فك الاحتكار تدريجيا وتطبيق الاحتكار الفعلي للسلعة عقب القرار الذي صدر عن الاجتماع الرئاسي الأخير بين البشير ومحافظ بنك السودان المركزي ومدير جهاز الأمن الفريق محمد عطا. المؤيدون لفك احتكار المركزي قدموا دفوعات كثيرة تعضد هذا الاتجاه، أبرزوها في الإفرازات السالبة لاحتكار سوق الذهب على الاقتصاد طيلة الأعوام المنصرمة، وتسبب ذلك في رفع الأسعار وإحداث المزيد من التراجع في العملة الوطنية وتكليف الخزانة العامة مبالغ طائلة لمقابلة فرق سعر الشراء والبيع الذي بلغ في يناير وحتى أغسطس 2013م على سبيل المثال حوالي 1213,2 مليون جنيه. ضغوط تضخمية وكيل المالية الأسبق د.الشيخ المك يذهب في حديثه ل(السوداني) أمس إلى أن فك الاحتكار لسلعة الذهب خطوة ضرورية ومهمة تقود لتحرير الاتجار في النقد الأجنبي وتخفف العبء على الخزانة العامة لقيام بنك السودان في السابق بدعم أسعار شراء الذهب بمبالغ كبيرة، فضلا عن تقليله للآثار التضخمية الناجمة عن عملية الشراء والاحتكار وزيادته لعائد البلاد من النقد الأجنبي، بجانب تمكينه القطاع الخاص من بيع وشراء الذهب والاتجار فيه لصالحه . فاقد نقدي حول الانسحاب التدريجي لبنك السودان المركزي من الذهب والسماح للقطاع الخاص بالبيع والتصدير والشراء، يرى الخبير الاقتصادي د.حسن أحمد طه في حديث سابق ل(السوداني) أن الانسحاب أمر إيجابي، وأضاف: فك الاحتكار يُنهي الآثار السالبة لتهريب الذهب، مشددا على الخروج الكامل من الاتجار فيه (بيعا وشراءً وتصديرا). وأكد طه أن الانسحاب يجب أن يكون بشكل كامل، مقترحاً السعي بشكل جدي لإنشاء بورصة للذهب يُتاح عبرها للمنتجين بيع إنتاجهم لأن الغالبية العظمى من الذهب يُنتج تقليدياً (تعدين أهلي). وطالب طه وزارة المالية بالكشف عن القيمة الحقيقية للسعر الذي اشترت به الذهب طيلة الأعوام المنصرمة بشفافية، لافتاً لإسهام الفاقد النقدي لعملية احتكار البنك المركزي للذهب في خلق ضغوط ومشكلات تضخمية في الاقتصاد . انسحاب فوري محافظ بنك السودان المركزي الأسبق د.صابر محمد الحسن انتقد في ندوة سابقة عن الجنيه رصدتها (السوداني)، توجه بنك السودان المركزي للاتجار في الذهب، مشيراً إلى أن هذا التوجه دفع البنك لطباعة النقود حيث تعمل مطبعة العملة على مدار اليوم للتمكن من الشراء وتمويل المخزون الاستراتيجي ما أدى إلى فقدان العملة قوّتها، وحث البنك المركزي على الانسحاب الفوري من عمليات شراء الذهب لإيقاف تدهور سعر صرف النقد الأجنبي مقابل الجنيه السوداني. الضفة الأخرى في المقابل، أشار بعض المحللين إلى تأخر قرار بنك السودان في احتكار الذهب وبناء احتياطيّات منه، ودفعوا بمقترح إقامة شركة امتياز للتصدير. فيما يذهب محافظ البنك المركزي حازم عبد القادر للإشارة لإسهام الاحتكار في زيادة مشتريات وصادر بنك السودان مما ينعكس إيجاباً على موارده من النقد الأجنبي، وقال عقب الاجتماع الرئاسي الذي أقر الاحتكار إن القرار سيكون له أثر واضح في سعر الصرف المُتصاعد. من جانبه اعتبر المحلل الاقتصادي د.عصام الدين الزين، أن خطوة احتكار البنك للذهب تأخرت كثيراً مما تسبب في حدوث تهريب كبير للذهب وتلاشي احتياطيات النقد الأجنبي، مشيراً إلى أن بنك السودان بعد انفصال الجنوب وانخفاض عائدات البترول وتآكل احتياطيات النقد الأجنبي أهمل البديل الوحيد لكل ذلك وهو الذهب وتكوين احتياطيات له وأضاف: هذه المشكلة تسببت في الحالة الالتهابية الحالية والتخبط والتدهور المريع جدا في العملة وفقدان الثقة بها. وأبان الزين أن البنك المركزي يحتاج آنيا لفترة لا تقل عن العامين لبناء احتياطيات من الذهب بقيمة لا تقل عن ال(10) مليارات دولار لتحقيق الاستقرار في العملة الوطنية وإنعاشها وإحكام السيطرة على إدارة النقد الأجنبي بدلاً عن دخوله وانغماسه في التجارة والتصدير والاستيراد وغيرها من الأنشطة التي ليست من صميم واجباته. ودفع الزين بمقترح قيام شركة كبرى يتم منحها امتياز تصدير الذهب تعمل تحت إشراف ورقابة البنك المركزي، مشيراً إلى أن ذلك هو الحل الأمثل، بدلاً عن تحول البنك لتاجر ومُشترٍ وبائع ومصدر من دون رقابة عليه .