لعدم الدراية الكافية، فأنا انأى بنفسي عن الخوض في الفتاوي الدينية، أيا كانت، لذا أجد نفسي ميالاً لعدم التسرع بالحكم على (الفتاوي الحديثة) أو الفتاوي الأخرى التى يطلق عليها فتاوى السلطان أو الحكومة؛ وهي الفتاوي التي (يطلبها) الحاكم، ويسارع إلى إصدارها أهل الشأن،.. وسبق أن كتبت هنا عن الفتوى الوحيدة التي أفتيت بها أنا نفسي، بتحريم التدخين بكل ألوانه وصنوفه.. هذه الفتوى لم تلق إجماعاً شعبياً أو حكومياً في مجتمعاتنا، وذلك لأسباب لا تخفى على أحد.. أخيراً، وبمناسبة إقتراب عيد الأضحى المبارك، سمعنا، بفتوى تجيز شراء الأضاحي بالتقسيط لشهر ولشهرين وعييك.. البعض وصلها للحول!!.. ولا حول ولاقوة إلا بالله العظيم.. بأمانة شديدة، الفتوى دي (تورت نفسي)، وجعلتني أسرح وأهيم في مسائل التقسيط، والتقسيط المريح كمان.. وسأعرض لكم، أحبتي، خبرة ستة عقود حياتية، من زاوية الدين والتقسيط.. وسابدأ بوالديَّ رحمهما الله، فقد كانا يبغضان الدين والتسليف ويحثانا على ضرورة الإحتراز وعدم التورط في هذا الأمر المهلك.. وجال بخاطري كم الذين أعرفهم من المغادرين للمنافسة التجارية والإقتصادية جراء التعامل بالدين أو التقسيط، بل غادر البعض منهم الدنيا بحالها، غبناً، أو (والعياذ بالله) إنتحاراً.. غفر الله للجميع.. وعدت بذاكرتي لتجارب بعض أقربائي واصدقائي وزملائي؛ من الذي نعموا بأقساط الحياة الأمريكية التي تكبلك تماماً بمديونيات لا حصر لها، أقساط للمسكن والسيارة والأثاثات.. ولكل ما يدور بخلدك من (إحتياجات) تبدو لك ضرورية عندما تحيط بك إعلانات تسويقها.. ثم تعرف مدى تفاهتها بعد أن تقع (الفاس في الراس).. معظم علمائنا وشبابنا بالخارج تم إصطيادهم بهذه (الآلية).. فبقوا هناك.. أسرى للأقساط ولسراب حياة الراحة والدعة.. رد الله غربتهم.. الدين والتقسيط (والربا)، خطوط ودوائر (جهنمية)، تتقارب وتتداخل وتتشابك (وتتعارض).. وقلما تتوازى.. وقلة من ينجون من آثارها المهلكة.. حمانا الله وإياكم من ويلاتها.. (آفة) التقسيط هذه تكاثرت وتشعبت بمجتمعنا السوداني المسلم.. أفرزتها ورعتها الظروف الإقتصادية التي تمر بها بلادنا، بل (والعالم أجمع)- عشان الجماعة مايزعلوا.. ولقد صاحب هذه المصيبة، مصيبة أخرى، أكثر فظاعة وأشد هلاكاً وفتكاً، ألا وهي ظاهرة "الكسر"؛ أي البيع بسعر متدن كثيراً عن ثمن الشراء أو عن الثمن الحقيقي للسلعة، جرياً وراء توظيف ثمن البيع بعد الكسر لأمر آخر طارئ، أو لسداد دين!! قديم، أو لصرف بذخي!! جديد.. اخشى ما أخشاه، أن يلجأ البعض ل(كسر) خروف التقسيط والإكتفاء بشراء كيلو لحمة أو إثنين كيلو فراخ أو نحو ذلك، لعياله.. ثم توظيف باقي المبلغ حسب إحتياجاته.. والحال هكذا فسنضطر لإصدار فتوى جديدة (متوالية) تفيد بحرمة أو جواز أن يضحي (المسلم السوداني) بخروف (مكسور).. وكل عام (أنتم) بخير.. وخرفانكم بخير.. وفتواكم.. تطير.