أحد المُعلِّمين بمرحلة الأساس - ولاية شمال دارفور - قال إنهم كانوا لا يستطيعون أداء الحصص إلا جالسين على كراسٍ، والسبب هو أنّ سقف الفُصُول المُشيّدة من (القش والخيش) وغيرهما من المواد البَلديّة؛ هذه الفُصُول قصيرة لدرجة أنّها لا تُمكِّن المُعلِّم من الوقوف لأداء الحصة، وبالتالي يجلس على كُرسيه أمَام (سبورة) مُتواضعة ترتكزُ على الأرض وتستندُ على حائطٍ مُشيَّدٍ من (القش). وهكذا كانت تَسير الأمور حتى لاحت بشائر مشروع تقوية تعليم مرحلة الأساس في العام 2014م والذي يُموَّل عبر الشّراكة الدوليّة للتعليم، وهي عبارة عن مُساهمة دولية يَشترك فيها العديد من دُول العالم، وقد وفَّر هذا المَشروع في مَرحلته الأولى مبلغ (67) مليون دولار ويقوم البنك الدولي فرع السودان؛ بالإشراف على تنفيذ هذه المنحة عبر وحدة تنفيذ تَابعة لوزارة التربية والتعليم الاتحادية. زيارة تفقدية في يَومي الحادي والعشرين والثاني والعشرين من مارس الجاري، قام وفدٌ كبيرٌ يقوده مُمثل البنك الدولي بالسودان "آداما كلوبالي" ومجموعة من طاقم البنك، وكذلك "آل مارغريت" مسؤولة برنامج التعليم والصحة والحماية الاجتماعية بدول: السودان، جنوب السودان، إثيوبيا وجيبوتي، وأيضاً كبار مُديري الإدارات بالبنك ومُمثلون لوزارة التربية والتعليم والمالية والاقتصاد الوطني؛ قاموا بزيارة تفقدية لمُتابعة الأعمال الجارية بولاية شمال دارفور. وقال مدير مشروع تقوية تعليم الأساس الباشمهندس هاشم حمزة، إنَّ مشروعهم يتكوَّن من خمسة محاور هي أولاً: بالبناء حيث تم تشييد (1432) فصلاً ب (11) ولاية. ثانياً: الكتاب المدرسي وقد تمَّت طباعة (22) مليون كتاب لتلاميذ الصفوف من الأول وحتى الرابع أساس لولايات السودان كَافّة. ثالثاً: الإجلاس. رابعاً: تدريب المُعلِّمين. خامساً: المنحة المدرسية وهي عبارة عن مبالغ نقدية تُمنح لإدارات المدارس لتُسيِّر بها أمورها التعليمية وتلك خاصّة ب (16) ولاية، حيث تَمّ استثناء ولايتي الخرطوم والجزيرة لمقدرتهما المالية. وأشار حمزة إلى أنَّ نصيب ولاية شمال دارفور من مشروع تقوية تعليم الأساس فيما يَخُص البناء، حُظيت به ثلاث محليات حيث تَمّ تشييد (104) فُصُول مع توفير كامل للإجلاس، مُؤكِّداً أنّ السودان مَوعُودٌ بمنحة دولية أخرى في العام القادم بمبلغ (59) مليون دولار، وأنّ المحليات ال (15) الأُخرى من هذه الولاية ستجد حَظّها من الدعم فيما يتعلّق ببناء المدارس. عطاءٌ دوليٌّ من ناحيته، قال اختصاصي الشراء والتّعاقد بالبنك الدولي في السودان نزار مُحمّد أحمد أبو الزول، إنَّهم فيما يلي الكتاب المدرسي قد اتّبعوا كل الخطوات والشروط الدوليّة الواجب توافرها في العطاءات الدوليّة، وبعد ذلك أعطوا الأولوية للمطابع الوطنية، وأكّد أبو الزول أنّهم قالوا لأصحاب المطابع: "لو كان فرق السعر الذي تقدَّمتم به أعلى من السعر الخارجي ب (15%) سيرسو العطاء لصالحكم وذلك تشجيعاً للصناعة المحلية"، لكن المُفارقة كانت أنّ الكتاب الذي تمّت طباعته في الهند بثلاثة جنيهات فقط شاملة الترحيل حتى الولايات الغربية والشرقية والشمالية والجنوبية، نفس هذا الكتاب قال المُشاركون في العطاء من أصحاب المطابع المحلية إنّهم سيطبعونه بثلاثين جنيهاً، بمعنى أنّ فرق السعر 1000% (ألف في المائة)، مُؤكِّداً أنّ الضجة التي أحدثتها بعض وسائل الإعلام فيما يتعلّق بالكتاب المدرسي لا علاقة البتّة في مُحتوى الكتاب، بل كَانت في (الأكياس) المُغلَّفة بها كراتين الكُتُب، حيث أنّ بعضها لم تكن مُحكمة الإغلاق ومع ذلك طالبنا الشركة المُصنِّعة بتعويضٍ مُقابل هذا التّقصير، أما ما يُشاع بأنّ الكُتب غير مُطابقةٍ للمُواصفات وغير ذلك من أقاويل، فلا أساس لها من الصحة نهائياً. بناء السلام والتنمية بسوق شقرة المَشروع المُصاحب لتقوية تعليم الأساس هو مشروع بناء السَّلام والتنمية، ذهبنا مع مُمثل البنك الدولي بالسودان "آداما كلوبالي" والمدير القُطري آل مارغريت والوفد المُرافق لهما إلى سوق "شقرة" وهو واحدٌ من (15) سُوقاً ريفياً تَمّ تَأهليها، حَيث كان نصيب شمال دارفور من التأهيل سُوقين هُما شقرة ودار السلام. ورغم قُربه الجُغرافي من حاضرة الولاية الفاشر، إلا أنّنا قطعنا فيافٍ وودياناً أدَّت إلى وَحلَ بص ال (UN) ولو لا عمليّة الاستنفار التي تمَّت لكان غارقاً في الرمال حتى الآن. سوق شقرة حسبما ما عَلمنا هو واحدٌ من الأسواق التي ينشط العمل فيها خلال أيام بعينها بحيث ينتقل البائعون كل يومٍ إلى سُوقٍ آخر، في رحلةٍ تُعرف باسم (أم دَوَرْوَر).. يغلب على البائعين بسُوق شقرة العُنصر النسائي اللائي يَعرضن الخضروات والفواكه وغيرهما من المُنتجات المحلية، وكذلك الأطفال الذين يبيعون الأكياس والحلويات ويقودون الدرداقات، أمّا الرجال فيمثِّلون أقلية ويعملون في مَحلات بَيع اللُّحوم والمَلبوسات. سُوق شقرة مشروع بناء السِّلام والتّنمية في السُّودان وهو مَشروعٌ تنمويٌّ حكوميٌّ يُموِّله ويَشرف عليه كل من البنك الدولي ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، أُنشأ بسوق أم شقرة أربعة (جملونات) كبيرة حتى يتمكَّن العاملون بالسوق من عرض بَضَائعهم من خلالها، خُصُوصَاً الخضروات والفواكه بدلاً من عرضها على الأرض. ويقول مُدير مَشروع بناء السَّلام والتنمية الحسين الخزين، إنّهم يَستهدفون بمشروعهم هذا سبع ولايات هي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى ولايات دارفور الخمس، وتمّ تنفيذه على مرحلتين في الفترة من 2010 – 2017م وبلغ حجم تمويل المشروع (12) مليون دولار، مُشيراً إلى أنّ (6) محليات بولاية شمال دارفور هي (الفاشر، دار السلام، كُتُم، كبكابية، الواحة وأمبرو) وجدت حَظّها من تنفيذ بعض أنشطة المشروع. بدار المحكمة الشعبية المُشيَّدة بالقش بسوق شقرة، التقى وفد البنك الدولي بالعاملين في السوق والذين طالبوا بتشييد (مسلخ) للذبيح، وقسم شُرطة ونادٍ للمُشاهدة يُتابعون من خلالها الأخبار، وبالطبع فتلك مَطالب بسيطة كان ينبغي أن تُقدَّم للوحدة الإدارية أو - المحلية على أرفع تقديرٍ – ما يُدل على أنّ العاملين بالسوق لم يضعوا خُطة مُحْكَمَة لوضعها أمام ممثل البنك الدولي بالسودان، كما فعل العنصر النسائي بمعسكر أبو شوك والذي أدهش الوفد بخَارطة طَريق واضحة المَعالم لما تمَّ إنجازه وما يأملون في تنفيذه حَال توفُّر الموارد. مُعسكر أبو شوك.. والمرأة الحديدية المفهوم الذي كان يُسيطر على ذهني عن مُعسكرات النازجين التي انتشرت بدارفور بسبب الحرب هو أنّها عبارة عن مناطق مقفولة يَصعب الدخول إليها، وأنّ النازحين يسكنون في منازل مُشيَّدة من القش وغيرها من المُنتجات المحلية، لكن سُرعان ما غمرتني الفرحة عندما وجدتُ نفسي وَسط أحياء سكنيّة لا فرق بينها وبين كَثيرٍ من أحياء العَاصمة الخرطوم من حيث المَباني وطبيعة الحياة في كل شَئٍ. وحسب إحصائية ذَكرتها رئيسة اتحاد المرأة بالمعسكر نفسية محمد إسماعيل، فإنَّ معكسر أبو شوك للنازحين تأسّس العام 2004م وتقطنه (450) ألف أُسرة يتوزّعون عبر (30) بُلُك، ويحتوي كل بُلُك على (12) مُربَّعاً، والمُربَّع به (12) منزلاً. خطوة جادة وتقول سلوى جعفر رئيس الادخار والتسليف بالمعسكر، إنَّ المرأة بدارفور تمثِّل ركيزة أساسية للأسرة، فهي المُربية والعاملة والمُنتجة، ولربط القول بالعَمل تُؤكِّد أنّ وفداً من مشروع بناء السَّلام والتنمية سَجَّلَ زيارة للمُعسكر العام 2015م لتدريب النساء وإكسابهن مَهارة العمل والإنتاج، فترة التّدريب كانت ثلاثة أيام وفي كل يوم تصرف لهن الجهة المُنظِّمة (50) جنيهاً، لكن النساء فَضَّلن ادخار المبلغ عِوضَاً عن صرفه على إفَطارهن، وهكذا أطلقن صافرة البداية لمشروع ادخار كبير بدأ ب (150) جنيهاً – ثمن وجبة إفَطارهن لثلاثة أيام -، وتمضي سلوى بقولها: بعد ذلك قُمنا نحن (140) امرأة من نساء المعسكر بإنشاء صندوق ادخار، التوريد فيه يتم يوم الجمعة من كل أسبوع، والاشتراك يبدأ بسهمٍ واحدٍ قيمته عشرة جنيهات، ويُمكن أن تشترك المرأة بخمسة أسهم، وبعد تسعة أشهر يتم فتح الصندوق وتستلم كل واحدة نصيبها من المبلغ الذي ادخرته.. ومن خلال هذه الفكرة أنشأنا أسواقاً (تُجّارها) من نساء المُعسكر، وكُنّا نُوجِّه بعضنا بالشراء من النساء البسيطات اللاتي يبعن الفاكهة والخُضروات وغيرها من البضائع، حتى ترتفع دخولهن.. وبهذه الأفكار الصغيرة والأعمال المُتواضعة استطاعت النازحة بمعسكر أبو شوك أنّ تتحوَّل إلى امرأة قَوية تَتَحدَّى الصِّعاب وتُحقِّق من النّجاحات ما فشل فيه الكثيرون من الرِّجال.. وهذا ما جعل بنك الإبداع بولاية شمال دارفور محلية أم كدَّادة يُدخل نساء المُعسكر في تجربة التمويل الأصغر، حيث كانت البِداية ب (60) امرأة من نساء المُعكسر تَمّ تَمويلهن بمبلغ (2 - 3) آلاف جنيه، وبعد أن حقّقن نجاحاً مُنقطع النظير ارتفع سقف التمويل من (4 – 10) آلاف جنيه وزاد عدد المُستفيدات عن ال(200) امرأة، بعد أن تم تدريبهن في برنامج الادخار والتّسليف بواسطة جامعة أمدرمان الإسلامية فرع ولاية شمال دارفور، ومركز منهاج للتدريب، كل ذلك تحت إشراف مشروع بناء السلام والتنمية.