1. تخصص هذه الرسالة لموضوع اتخاذ القرار: كيف يتخذ؟ ومن يتخذه؟. أن الاهتمام بهذا الموضوع ينبع من أن العملية الادارية في مجملها تتمحور حول القرارات، اذ أن القرار هو أسس/فحوى العملية الإدارية لأن بقية الوظائف الادارية تنبثق منه، وبالتالي تتبع القرار الذي اتخذ. 2. انطلاقاً من أهمية اتخاذ القرار نورد هنا وباختصار شديد أهم المدارس /النظريات التي تناولت عملية اتخاذ القرارات لتسهيل المهمة التي نحن مقبلون عليها. 2.1 المدرسة الأولي تقول إن القرار يتخذ على أسس تحليلية عقلانية رشيدة تمايز /تفاضل بمعايير كمية بين البدائل المتوفرة لمتخذ القرار ليقارن فيما بينها ثم يختار البديل/البدائل الأفضل. 2.2 المدرسة الثانية تقول إن القرار يتخذ عاطفياً / انفعالياً / حدسياً / بدهياً (يتضح جلياً أن هذه المدرسة هي بمثابة نقيض للمدرسة الأولى). 2.3 المدرسة الثالثة تقول إن متخذ القرار تحكمه العوامل السياسية /العاطفية وتعتمد على خلق توازن بين مصالح /أهداف الفئات ذات الشأن بالقرار. 2.4 بما أن القرارات الأدارية يتخذها بشر (والبشر محدودو الادراك/ الرشد) يصبح حتمياً أن تتخذ القرارات محكومة بالمحددات الواردة في المدارس /النظريات الثلاث.. بمعنى أن القرارات يجب أن تتخذ حين تتفاعل المرتكزات الثلاثة. 3. ها نحن قد قدمنا تعريفا للمدارس / النظريات الفكرية / لاتخاذ القرارات وخلصنا إلى كيف يجب أن تتخذ القرارات في واقع الحياة. ننتقل الآن لفحص ما نحسبه أهم القرارات التي اتخذت منذ تكوين الحكومة الأنتقالية (أكتوبر 2019) لنرى من اتخذها وكيف اتخذت وماهي تداعياتها؟: 1. تكليف الدكتور / حمدوك برئاسة الحكومة الانتقالية بدون خطة إسعافية / برنامج عمل. في مؤتمر صحفي، في مدينة الرياض / السعودية / في مبني السفارة السودانية، ذكر السيد / رئيس الوزراء أن حاضنته السياسية (قحت) لم توفر له خطة اسعافية (ليسير على ضوئها إدارة البلد) وقد كتبت رسالتي (1) معاتباً عليه قبوله للمنصب دون معرفة المهام /الواجبات /المسئولية المناط به.. نتفق – دون شك – أن الدكتور حمدوك اتخذ قرار قبول المنصب عاطفياً / انفعالياً وقد يكون اتخذ قراره لاسباب سياسية بحتة… على كل هو قرار بعيد عن الاسلوب التحليلي حكماً على الحيثيات التي توفرت حينئذ.. لمعالجة هذا الخطأ الكبير من جانب الحاضنة السياسية (قحت) التي اختارت الدكتور /حمدوك ولم تحدد له ما يجب أن يقوم به من مهام واجبات خلال الفترة الانتقالية.. أدى هذا الخلل الكبير لهدر الكثير من الوقت / الجهد في محاولات لمعااجته. على سبيل المثال لا الحصر: الخطة الاسعافية التي قدمتها قحت (لاحقاً)، المصفوفة التي ظهرت من مجلس الوزراء، مؤتمرات خارجية في بلاد أوربية، تشتام هاوس، المؤتمر الاقتصادي في نهاية سبتمبر / أكتوبر، وموازنات 2019-2020/ 2020-2021 . نقول – دون مواربة –كمثال للتداعيات السلبية إن القرارات التي تعاملت مع الميزانيتين (المذكورتين اعلاه)، قرارات معالجة العجز هي قرارات سياسية أملاها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عبر روشتتهما المعلومة /المحفوظة "روشتة رفع الدعم" التي لم تأخذ في الحسبان اياً من الشركاء الواجب إشراكهم في أمر مهم ومحوري تمت تجربته في عدة من بلاد العالم الثالث – كما في أوروبا – وأثبتت نتائجها الكارثية (كما هو موثق بما في ذلك وثائق تلك المؤسستين). أما هنا في السودان فقد أثبتت محاضر المؤتمر الاقتصادي المشار اليه أعلاه أن أمر "رفع الدعم" حشرته وزارة المالية حشراً في توصيات الموتمر، كما أن اتحاد اصحاب العمل استنكر استبعاده من إعداد الموازنة 2021م، منذراً بمخاطر اقتصادية جمة ومزالق يصعب معالجتها مستقبلياً بسبب غياب المنهج الديمقراطي في التعاطي مع الكيانات والقطاعات المؤثرة في الدولة (جريدة الديمقراطي 11 يناير 2021م). يتضح جلياً أن القرارات "رفع الدعم" (من الخبز / المحروقات / الكهرباء) قرار بائس ومعيب ومؤسف وغير صالح، لعدة أسباب أهمها أنه أملي /فرض علينا من الخارج متجاوزاً رأينا السيادي، وهو كذلك قرار غير صالح لانه أدى لتضاعف مخيف لاسعار كل السلع والخدمات وبالنسبة لجميع فئات المجتمع… عجبت ايما اعجاب واستغراب ايما استغراب لقول وزير الطاقة المكلف أن أرتفاع تعريفة الكهرباء لا تتأثر بها الطبقات الفقيرة!!!! (حتى أن صدق القول، وحقاً لا يصدق) لان عملية "رفع الدعم" برمتها لم تقم على حسابات تحليلية / عقلانية انما – كما ذكرنا أعلاه – فرضت على وزارة المالية ممثلة للحكومة الانتقالية. نتناول ثانياً هذا القرار المتعلق بالهيكل الراتبي الجديد (المعروف شعبياً بهيكل دكتور / إبراهيم البدوي) لانه مرتبط وثيقياً بتداعيات موازنات 2019-2020/2020-2021 من حيث تمدد العجز المالي ومن حيث الارتفاع المتصاعد بجنون في اسعار السلع والخدمات ومن حيث الارتفاع الضاغط على الجنيه السوداني في مقابلة كل العملات ذات الشأن. اذا قلت إن قرار السيد وزير المالية السابق زيادة الأجور (569%) لم يكن قراراً صائباً و"عمل غير صالحاً"، فلا شك عندي اني حكمت عليه بلسان صاحبه الذي بعد شهر واحد من تنفيذ القرار (أبريل 2020) أخبرنا سيادته أن العبء المالي للقرار لم يكن محسوباً بدقة وانه كون لجنة جديدة لتناول الأمر (لك أن تعجب أن السيد/ الوزير بذاته أخبرنا سابقا أن هيكلة الراتبي أعدته لجنة خبراء معتبرة!)، ماذا نقول؟ إن الهيكل الراتبي الجديد قرار عاطفي / انفعالي/ سياسي زج بالمواطن داخل نيران تضخم أسعار كل شيء، ستظل متقدة الى حين أن يدرك الدكتور/حمدوك (او من يخلفه) أن العجز المالي في الميزانية، ومن ثم توفير المستلزمات المالية لتنمية اقتصادية –اجتماعية مستدامة لن يأتي الا بالتوجه نحو الإنتاج (الزراعي/الحيواني) والتوقف عن الجري وراء العون والمساعدات الخارجية (من دول او من مؤسسات دولية) التي لم تصله حتى الآن ولن تصله إلا بعد أن يذوق المواطن الأمرين أو اكثر. * أنظر أسفل هذة الرسالة (أنظر النقطة 3 تحت الخلاصة) الى المستوى الذي وصل اليه مؤشر التضخم (ارتفاع الأسعار) مقارنة بالدول والأسوأ حالاً منا من حيث التضخم! 4. قبل أن نبتعد من القرارات المتعلقة برفع الدعم والهيكل الراتبي نتناول موضوع الإقالات / الاعفاءات / الاستقالات التي أصدرها السيد رئيس الوزراء على كل المستويات الإدارية (وزراء /وكلاء وزارات /محافظ البنك المركزي /مدراء / الخ). نثبت هنا أن القاعدة الاساسية في إدارة الموارد البشرية تقول "يجب وضع الشخص المناسب في المكان المناسب".. نقول إن الحاضنة السياسية (قحت) قد اختارت الدكتور/ حمدوك ليرأس الحكومة الانتقالية وأخبرته أن يختار طاقم وزارته من ذوي الكفاءة والخبرة (كما علمنا) ! السؤال كيف اختار الدكتور /حمدوك وزارته؟ الإجابة على هذا السؤال توضح لنا جلياً أن السيد / رئيس الوزراء اختار أن يبتعد عن المعايير التي كانت ستوفر له شخصيات كفؤة وذات خبرة وقادرة على الدفع بمسيرة الحكومة الانتقالية لانجازات تحسب له، الا وانه اختار "معيار المحاصصة " فما هي الا شهور قليلة من سوء /بؤس الانجازات الا وقد اقال وقبل استقالات وفصل عددا من وزرائه، والأنكا أن الاقالة والفصل لم تؤسس على معايير معروفة أو مبررة من جانبه! ولان معايير الفصل /الإقالة /الاستقالة لم تكن معروفة فحق الكثيرين – ونحن منهم – أن نسأل ونتساءل لماذا ابقى على فلان وعلان مما يخدش في مصداقية إتخاذ القرار وعافية ادارة الدولة. تجدر الإشارة هنا وعطفاً على أمر التعيينات التي قام السيد/ رئيس الوزراء اعلاه ماحصل في اختيار والي ولاية كسلا (الاستاذ/صالح عمار) الذي أدى اختياره لحرب (بين أبناء عمومة) زهقت فيها أرواح بريئة وأتلفت فيها ممتكات كثيرة. لو أن السيد/رئيس الوزراء أمهل نفسه بعض الوقت ووازن ثم فاضل بين مكونات الولاية قبلياً وسياسياً وتاريخياً لكفى المؤمنين القتال من شر قراره، هذا شاهد اكثر ألماً وفجيعة من بين كل القرارات السابقة ذكرها. 5. الشأن الأخير الذي سنتناوله في هذه الرسالة هو قرار مقرر التاريخ (الفصل السادس/مرحلة الاساس). نبدأ بالقول إني كنت أظن أن المركز القومي للمناهج يتبع لوزارة التربية والتعليم فاذا بي اعرف من الأحداث الدائرة والمضطربة حول الدكتور/القراي أن المركز يتبع مباشرة /رئيس الوزراء (منذ متى ولماذا؟) نقول انه من ناحية إدارية /تنظيمية فلا غضاضة في الأمر حيث أن المركز ورئيسه يمكن أن يتبعا من ناحية فنية لوزارة التربية والتعليم ووزيرها وأن يتبع المركز ومديره من ناحية إدارية للسيد/ رئيس الوزراء.. هذه الأزدواجية التنظيمية معروفة ومطبقة بشكل واسع في كل المنشآت العامة والخاصة تحت مسمى (السلطة الوظيفية) (Functional Authority). إن أمر تبعية مركز المناهج ليس هو ضالتنا في هذه الرسالة حديثنا اليوم عن القرارات التي اتخذها السيد رئيس الوزراء بعد ارتفاع أصوات /ذات توجه فكري/سياسي محدد تندد بمقرر التاريخ (للصف السادس/مرحلة الاساس) وبمدير مركز المناهج القومي وبوزير وزارة التربية والتعليم.. مرة أخري نردد المبدأ الاساسي في عملية التعيين (الشخص المناسب في المكان المناسب) أن السيد / رئيس الوزراء لو احتكم لهذا المبدأ لأبعد عن نفسه كثيرا من النقد والملامة، فأمر الدكتور / القراي مثله مثل أمر الوزراء والوالي والمديرين الذين جاء ذكرهم سابقاً، يبدو جلياً أن السيد رئيس الوزراء بمفرده أو بعد مشورة الحكماء الذين حوله استعجلوا أمر الاختيار / التعيينات، وبذلك جلبوا على أنفسهم وعلى الدكتور / القراي (على نحو خاص) نقداً وتجريحاً وتهديداً بالقتل علماً انه لم يسع للمنصب إنما عينه السيد / رئيس الوزراء ونسأل عن قرار تعيينه (من حيث سلطته الإدارية) اما أن يتدخل السيد رئيس الوزراء في الجوانب الفنية للمناهج فهذا خطأ قانوني إذ أنه – كما أشرنا أعلاه – شأن خاص بوزارة التربية والتعليم ووزيرها كما إنه خطأ أخلاقي فتح باب فتنة قبيحة ومؤسفة. خلاصة 1. نأمل أن نكون قد وضحنا أهمية القرار (كونه يشكل ويؤطر لبقية الوظائف الإدارية) وكيفية اتخاذه بحسب نظريات اتخاذ القرار الثلاثة، ونكون قد نجحنا في توضيح أن عملية اتخاذ القرار تحدها / تحجمها امران مهمان: كون أن متخذ القرار بشر تسيره قواه العقلانية والعاطفية لذلك أشرنا إلى أن القرار السليم/الرشيد يجب يتخذ بعد تفاعل مرتكزات النظريات الثلاث: التحليلة / العقلانية، العاطفية /الأنفعالية، السياسية /السلوكية. 2. نقول إن تحليلنا لقرارات السيد رئيس الوزراء فيما أوردناه من حالات محددة لم تمكنا من وصفها – للأسف – إلا بغياب تام للجانب التحليلي/ العقلاني وانها أتصفت بعاطفية وانفعالية عالية زادت المواطن رهقاً وعنتاً ومعاناة غير مسبوقة وجلبت عليه وعلى الحكماء الذين يحيطون به وعلى اعضاء حكومته سخطاً وغضباً ولعناً. 3. يحق لنا أن ننتقد اداء رئيس الوزراء وحكومته مدعومين بالارقام الواردة عن معدل التضخم حيث أن السودان يحتل المرتبة الخامسة بالنسبة للدول الأعلى في جدول معدل التضخم (تجدر الاشارة أن الكثير من دول العالم الثالث تعمل على كبح جماح ارتفاع الاسعار وان تبقيه في حدود الرقم الاحادي. اما بالنسبة لحكومة السيد/حمدوك رئيس الوزراء فالحال غير !!!) . 1) فنزويلا (%2133) 2) لبنان (365%) 3) زنمباوي (358%) 4) سوريا (287%) 5) السودان (223%) Source:* Prepared and calculated by Professor Steven Hanke, The Jon Hophins University,19 Nov.2020