صحوت مبكرا كالعادة ووجدت في بريدي ما ابهجني بقية يومي، اغنية الحقيبة الجميلة: حاول يخفي نفسو هل يخفى القمر في سماهو ابدا طبعا لا لا شفناهو شفناهو الأغنية هدية من صديق عزيز انا اسميه (شيخ الشباب) وهذا تعبير لبناني معناه (زعيم الشباب) وليس المعنى الحرفي للكلمة فمثلا الأخوين (الشيخ بشير الجميل) و(الشيخ أمين الجميل) أطلق عليهما لقب (شيخ) وعمرهما لم يتجاوز الثلاثين عاما آنذاك. سرحت بعيدا مع هدية (شيخ الشباب) وتداعت في خاطري صور مبهجة لزمن جميل. كانت اغاني الحقيبة تصور تصويرا دقيقا حالة المجتمع في تلك الفترة من تاريخ السودان فلم تكن الفتاة السودانية تظهر في الصورة بالكثافة التي تظهر بها الآن. لم يكن متاحا لقاء من تحب بصورة مكشوفة إلا في مناسبات الافراح وهي فرصة لا تتكرر كثيرا وحتى في تلك المناسبات فإن الفتيات يكن تحت المجهر من من هن أكبر سنا تحسبا للمحظورات. ما زلت أذكر بعض الزيجات التي تمت في نطاق الأسرة والأصدقاء كأنها حدثت بالأمس واذكر جيدا زواج احد أعمامنا واساتذتنا الأستاذ النور محمد عثمان النص وقد أحيا الحفل الفنان الطيب عبدالله الذي كنت اسمع به ولم أره كفاحا إلا في تلك الليلة وقد كانت ليلة مشهودة تداعت لها العيلفون كلها وتسابق الشباب من الأحياء الطرفية لمشاهدة الفنان الذي سمعوا به ولم يروه. غير أن الوضع في (الارياف الغامضة) كما كان يسميها احد الأصدقاء عليه الرحمة لم يكن بتلك الصورة فلم تكن الفتيات يواجهن الرجال في الحفلة وإنما يجلسن ووجوههن للحائط ولا يظهر وجه الفتاة إلا عندما يدعوها العريس لدخول حلقة الرقص بينما أرى الآن الفتيات يتسابقن نحو (البيست) -مكان الرقص فى المصطلح الحديث- كأنما يطاردهن عفريت من الجن وقد تسقط الفتاة مرتين او ثلاثا في الطريق من شدة الزحمة. رأيت قبل فترة منظرا ظل عالقا في ذهني حتى الآن فتاة وقد (تشعلقت) وزاحمت الكمساري في الباب الخلفي للحافلة كأنها لاعب في سيرك وهذا منظر لو شاهده أجدادنا لاستعاذوا بالله من الشيطان الرجيم ثلاثا ولما صدقوا انه منظر في السودان. كانت الفتاة في الفترة التي تصفها اغنية الحقيبة بعيدة عن العيون محفوظة في بيتها مثل (سيارة الدكتور) كما يصفها سماسرة العربات من البيت للعيادة لذلك كانت معظم الاغاني تصف المعلمات والممرضات اللائي كن في الواجهة فظهرت أيضا الاغاني الدكاكينية تتغزل في الممرضة والمعلمة : يا بنات المدرسه ست بتول المدرسه وقد ادعى احد الأصدقاء ان (ست بتول) كانت تعمل في المدرسة الأولية الملحقة بكلية معلمات أم درمان كما ادعى أنه رآها شخصيا وان الوصف يتقاصر عن المنظر الحقيقي فقد كانت جميلة بصورة ملفتة ذات قوام مياس وشعر يتدلى حتى الركبة وأنا أصدقه فهو على الأقل من ناحية السن يكون تقريبا قد عاصر تلك الحقبة. اغاني الحقيبة على العموم لا تسقط بالتقادم فما زال الفنانون الشباب يرددونها ويرددون بعض الاغاني المجاورة التي تغنت بها الفتيات مثل اغنية مريم عبدالرحيم وهي من أم درمان التي تثير الشجن في نفس كل من يسمعها حتى الآن: فراق حبيبتي الأبا ينطاق الريد يا طيبة الأخلاق والتي تقول القصة إن مؤلفتها معلمة كانت تقيم في الداخلية مع صديقة لها ثم تمت خطبة هذه الصديقة وحان وقت الرحيل فجلست وألفت هذه الأغنية الحزينة. إن تلك فترة فترة جميلة واوقاتا جميلة أهديها لأخونا (شيخ الشباب) من كايرو وسلامتكم.