أقسى أنواع العذاب في هذا الوطن المنكوب أن تحتاج لأية خدمة تتعلّق بمريض، لأنك حينها سترى بأم عينك (الويل وسهر الليل) دون أن تستطيع الوصول إليها سبيلا مهما كانت بساطتها.. وهذا ما حدث بالضبط للشاب/ عاصم السر، الذي أصيبت شقيقته الصغرى بداء (اللوكيميا) اللعين فنصحه الطبيب المشرف على حالتها ببرج الأمل لعلاج الأورام أن يسرع بها إلى الخارج لتلقي العلاج لأن الحصول على الجرعات الدوائية هنا أصبح مثل (لبن الطير)..!! المشكلة التي واجهت عاصم هي أن جواز شقيقته الطفلة (المريضة) ووالدته المرافقة لها تبقت لهما أسابيع من الانتهاء فكان لزاماً عليه تجديدهما، ولأن حالة الطفلة كانت لا تسمح لها بالذهاب إلى مجمع خدمات الجمهور، فقد أتت إليها وحدة الجوازات المتحركة في المنزل وأكملت كل الإجراءات، ووعدوهما باستخراج الجوازين خلال 48 ساعة فقط وربما تنقص مراعاة لصحة الطفلة المصابة، حتى تلحق بالعلاج بالخارج، لكن كيف يحدث ذلك في بلدٍ لو أراد فيه المريض تناول جرعة ماء وليس دواء سيجد المتاريس والعراقيل تقف له بالمرصاد؟؟!! ذهب عاصم في اليوم الموعود لاستلام جوازي والدته؛ وشقيقته المريضة والتي لم تبدأ رحلة العلاج لعدم توفره هنا للموانع المذكورة آنفاً، فقالوا له إن الجوازات لم تخرج لأسباب (لوجستية) متعلقة بالمصنع..!! قال لهم: وما الحل إذاً؟ أجابوه: (الحل تصبُر بس).. فردّ عليهم: (أنا صابر لكن كلّمو المرض يصبر.. فنحن لو لا هو لما فكّرنا في تجديد الجوازات أصلاً ولما حزمنا حقائب السفر).. السؤال الذي طرحه الرجل ومعه بالتأكيد آلاف المواطنين من المحتاجين بشِدّة وسرعة لاستخراج الجوازات هو: لماذا تنتظر إدارة الجوازات حتى تنفد الأوراق أو الأحبار أو أي من المواد المستخدمة في استخراج الجواز؟ ولماذا تفترض جهات الاختصاص دائما أن المواطنين يحتاجون لتلك الخدمات في ظروف طبيعية؟ ألم يسمعوا بحالات الطوارئ التي تستدعي تقديم الخدمة في سُويعات إن لم يكن في ثوانٍ؟؟ ومتى ينصلح الحال؟ أم يا تُرى كُتب على هذا (الشعب المسكين) أن يعاني في عافيته ومرضه ومماته؟؟ مُزارعو حدَّاف وود الفضل .. يعتصمون بسبب الري الخرطوم: الكُردي في الوقت الذي يؤكد فيه المسؤولون بالدولة من أعلى هرمها بدءاً بالسيد رئيس الوزراء، أهمية الزراعة وأنها المنقذ لاقتصاد البلاد، يجد المزارعون بأكبر المشاريع الزراعية بالسودان حزمة من المتاريس تقف أمامهم تارة بسبب مشاكل الري، وأخرى متعلقة بمدخلات الإنتاج وغير ذلك من مشاكل لا يمكن حصرها عبر هذه المساحة الضيقة.. ما نحن بصدده الآن مشكلة ربما تجاوز (عمرها) العشرين عاماً ظلت تواجه مزارعي مشروع حداف وود الفضل (القسم الشرقي) ألا وهي عدم توفر مياه الري وحتى عندما لاح لهم بصيص أمل بتغيير طلمبات الري سعت إدارة مشروع الجنيد للالتفاف حول (حصة) مزارعي مكتبي حداف وود الفضل ما جعلهم يدخلون في اعتصام مفتوح قالوا ل(السوداني) إنهم لا ولن يتنازلوا عنه إلا بالاستجابة لمطالبهم التي تتمثل في حقهم الأصيل والمستحق بفصل قناة ريهم عن مشروع سكر الجنيد.. وشدّد مزارعون بمكتبي حداف وودالفضل (القسم الشرقي) التابع لمشروع الجزيرة والمناقل بأنهم يرفضون جملة وتفصيلا تجربة تشغيل الطلمبات الخاصة بالمشروع والتي تم استيرادها خصيصاً لري مشروع حداف و ود الفضل بمساعدة عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر وعضو مجلس السيادة الانتقالي حالياً خصيصاً للمشروع الذي يضم ( 45 ) ألف فدان ، وذكر بعض المزارعين أن هنالك محاولات لري مشروع مصنع سكر الجنيد التابع لوزارة الصناعة عن طريق طلمبات حداف وود الفضل والعمل على قفل بوابة مشروع السكر والفصل التام ما بين المشروعين إضافة لتأهيل الميجر الرئيسي والترع الفرعية مؤكدين بأنهم لن يسمحوا باطلاق تجربة تشغيل الطلمبات إلا عبر القنوات الرئيسية للمشروع، وقال مزارعو حداف وود الفضل بأن طلمبات سكر الجنيد خرجت من دائرة الإنتاج نتيجة للأعطال مما أدى لخروج مساحات واسعة من المشروع فعمدت إدارة مشروع الجنيد على استغلال حقوق الآخرين طيلة السنوات الماضية وأكد بعض المزارعين بأنهم في حالة من الاعتصام المتواصل ولن يبرحوا المنطقة مهما كلفهم من تضحيات لاسترداد حقوقهم المسلوبة. مواطنو ريفي النهود.. يناشدون حكومتهم!! السوداني: ياسر المتابع للأحداث يجد أن جُلّ الحروب التي اندلعت في السودان كانت بسبب انعدام التنمية، ومن عجبٍ أن ما تخسره الحكومات من (رجال ومال) في تلكم الحروب العبثية ومن ثمَّ محادثات سلام تمضي بشكل (متوالية لا نهائية)؛ ما تخسره في كل ذلك لو صرفت نصفه في تنمية تلك المناطق، لما سمع الناس بكلمة (تمرُّد).. سُقنا هذه المُقدِّمة لنُلفت الانتباه ونضغط بِشدَّة على جرس إنذار يأتي صوته بقُوَّة من ولاية غرب كردفان وتحديداً ريفي النهود التي تضم (4) وحدات إدارية، ويصل مجموع سكانها إلى حوالى (80) ألف نسمة.. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل من أهمية اقتصادية تعود على البلاد من تلك المنطقة؟ والإجابة حسبما قال ل(السوداني) وردي محمد أحمد – أحد أعيان المنطقة – هو أن ريفي النهود يرفد الاقتصاد الكُلِّي للبلاد بأجود سُلالات الضأن الحمري التي تُعتبر غرب كردفان أكبر مورد له على الإطلاق، أما بالنسبة للإنتاج الزراعي فتنتجُ تلك المنطقة كميات مهولة من الصمغ العربي والسمسم والفول السوداني والكركدي وحب البطيخ. من هُنا تتضحُ الأهمية الكبيرة لتلك المنطقة التي كان ينبغي أن تهتم بها الحكومة المركزية في الخرطوم، وحكومة الولاية ومحلية النهود بقيادة المدير التنفيذي "مبارك"، لكن يبدو أن شيئاً من ذلك لم يحدُث البتة، بدليل أن أحد أعيان الشيخ/ "سُلومة محمد جمعة" قال ل(السوداني) إنَّ هذه المنطقة وخصوصاً الريف الشمالي قد ظُلِم ظُلم (الحسن والحسين) من كل الحكومات، حيث تنعدم مياه الشُرب تماماً ولا توجد (بئر) واحدة في كل المنطقة ما جعلهم يشترون (تانكر) المياه بمبلغٍ قدره (75) مليون جنيه (بالقديم)؛ ليشرب منه الإنسان والحيوان وينفد خلال أسبوع فقط، ثم يشترونه من جديد وهكذا دواليك. ويمضي "سُلومة" بقوله إنَّ المنطقة تفتقر كذلك للمراكز الصحية التي يتلقَّى فيها المرضى علاجهم، وهذا ما جعل المرضى يبحثون عن الدواء في الأسواق حيث يفترشه تجَّار شِبه أمِّيون لا علاقة لهم بالطب مُطلقاً، ولذا فإنَّ اهتمامهم بعرض الملبوسات والأحذية يفوق اهتمامهم بالدواء. من ناحيته عاد "وردي محمد أحمد" ليؤكد أن الحال في التعليم يغني تماماً عن السؤال، حيث اعتاد النظام السابق على فتح المدارس ليس من أجل التعليم بل للموازنات السياسية والإرضاءات لبعض المحسوبين على المؤتمر الوطني، ونتيجة لذلك انتشرت المدارس لكن بدون مُعلِّمين حيث توجد مدارس بها معلمان إثنان فقط وأفضل المدارس بها أربعة معلمين. وأخيراً فالطلب الذي يقدِّمه مواطنو ريفي النهود أن توفِّر لهم الحكومة وتحديداً المدير النتفيذي للمحلية "مبارك"، الحد الأدنى من مقومات الحياة وهي مياه الشُرب والرعاية الصحية والتعليم الجيد، وأن تُفصل حصصهم من الدقيق والوقود والغاز بحيث تُخصص لكل منطقة حصتها.