ألينا شيوتشيو وتغيير المِهنة من خبيرة سياحة إلى التشكيل بالألوان والسِكّين استضاف بُرج (سكاي تاور) ببوخارست في الفترة 22 – 30 مايو 2021 معرضاً أطْلَق عليه "آفاق"، زيّنته لوحات لرسّامتين رومانيّتين، الأولى مقيمة في إيطاليا، والثانية تعيش وتعمل في فرنسا. وبعد أنْ تناولت في الحلقةِ الأولى لوحات التشكيليّة داشيانا بزوتا، أفرِد كامل مساحة الحلقة الثانية لساحِرة الرسم بالسِكِّين ألينا شيوتشيو وتجربتها وسيرة ومسيرة مشروعها الفني، كيف بدأ وإلى أين يتّجِه. * سِحر ألينا في الرسم والشِعر وقبل ذلك اللُّغات: مع أجواء الصفاء المدروسة التي خلقتها بعناية لوحاتها، تقول ألينا شيوتشيو "إنّ إقامة معرض للوحاتي في بوخارست حلم يتحقّق. وهو دعوة للتأمل من خلال الأشكال والألوان والرموز وحتى السُخْريّة التي يشعر بها الزائر ابتداءً من رسالة اللوحات. وبصرف النظر عن رؤيتي، فإن الأهم بالنسبة لي هو ما يراه الجميع ويفسِّره، بناءً على الخِبرةِ والمشاعِر وأشخاصهم". وهكذا بعد 20 عاماً من العمل في الفنون الجميلة، عرضَت الرسّامة ألينا شيوتشيو أعمالها في بوخارست فاستمتع الزوار بلوحاتها واقتنوا أغلبها، وتبرّعت بإحداها لجمعيّة خيريّة تقوم على علاج الأطفال من أمراضٍ مُسْتَعْصية. تُعْتبر ألينا شيوتشيو اليوم، واحدة من أكثر الرسامين تقديراً في إيطاليا وتبيع مئات اللوحات كل عامٍ في جميعِ دولِ العالمِ. لديها أسلوبها الخاص، وتمكنت من خلقِ جمهورٍ عريضٍ مُعجب بها وبكل ما ترسمه. مُنْذ عام 2002 تخلّت عن أيِّ أنْشِطة أخرى، عندما أدركت أنّ الرسم الذي كان في البداية هواية للاسْتِرخاءِ، يجلب لها رضاءً ودخلاً أكبر من أيِّ شيء قامت به من قبل، بالرغمِ من الخِبرةِ التي اكتسبتها في العديدِ من المجالاتِ. ومع انّها تقف على خِبرات واسِعة في مِهن مُعَقّدة في العديدِ من المجالاتِ، فإنّ الرومانيّة ألينا شيوتشيو نُسخة مُعاصِرة لإنسان عصر النهضة. وهي في الأصل من مدينة أوراديا بشمال غرب رومانيا، تبنّتها إيطاليا ومنحتها فُرْصة لتعمل وتتطور وتتغير، فنجحت في كل ما فعلته. في عام 2001 بدأت الرسم بعد رحلة إلى مصر، ومنذ ذلك الحين كشفت عن عبقريّة حقيقيّة في الرسمِ بنقلِ الحواسِ إلى الشكلِ واللّونِ. ولتشعر بشكل أفضل كيف تُشكِل الروح واللّون، تفضِّل ألينا أنْ تحسَ بذلك بأصابعها أثناء عملها الإبداعي. وهكذا، تَتْرُك بصمة الفنّان على القماش حرفيّاً، وليس مجازيّاً فقط. سِرّ التغيير المِهني الذي أحدثته ألينا شيوتشيو في نفسها، هو تكييف أسلوبها الخاص لاكتشاف ذاتها وعدم التخوّف من خوض التجربة. في عالمِ الفن الذي لا يوجد فيه الكثير مِمَّن يُمكِنهم بيع اللوحات في جميع دول العالم، فإنّ الرسّامة الرومانيّة التي استقرّت في إيطاليا مُنذ 30 عاماً، تمكّنت من العثور على "الرقم الذهبي" للرسمِ المُعاصِر، والجمع بين بعض العناصر الأساسيّة: اللّون المُحبّب للعينِ؛ الشكل شِبه التجريدي؛ واتِّجاه المُلصقات والكِتابات للديكور الداخلي؛ وبين هذا وذاك وتلك، التفكير في احتياجاتِ الجمهور المُستهدف والخروج للبحث عنه لا انتظاره؛ ثُمّ وضع كل شيء في زيت على قماش، من خلال تقنية "السِكّين". وهكذا، أصبحت ألينا شيوتشيو واحدة من الفنانين التشكيليين القلائل الذين يُمكِنهم التباهي بتقنيةٍ خاصةٍ وأسلوبٍ فريدٍ. * عالِم نفْسي وعبقري تسويقي جيد جداً: وتقول الصُحافية ديانا اسكارلات في صحيفة (جورنالول ناتسيونال) انّ الخبرة الواسعة في العمل مع الأشخاص والتواجد في عدة أنواع من الأعمالِ، ساعدت ألينا على إنشاء استراتيجيّة جيدة جِداً لترويجٍ خاص بها لنفسها وأعمالها. من المُهم جِداً النظر لاستراتيجيّة التسويق التي استخدمتها التشكيليّة ألينا لإنشاء مكانة لها في السوق الدوليّة. استخدمت شبكات التواصل الاجتماعي للترويجِ لأعمالها وخاصة منصّة "لينكد إن"، وهذا الاختيار حقق لها النجاح في أقصرِ وقتٍ. رسمت شيوتشيو حتى الآن أكثر من 1000 لوحة وباعتها جميعها تقريباً في العديد من دول العالم. ولأن الرسم يعني الاسترخاء وانتقال الفنانة إلى الإبداع، سُرْعان ما يتحوّل اللّون إلى شكلٍ تحت أصابعها. أحياناً ترسم لوحة في نصف ساعة، مِمّا يجعلها فريدة من نوعها. وتكشِف "الارتيست" شيوتشيو عن سِرّها وتقول إنّها عندما ترسم، تكون في حالة نشوة، مما يحوِّلها بالكامل إلى عملٍ فنيٍ. لكنها أيضاً، كما كتبت ديانا، اختصاصيّة نفسيّة مُمْتازة وعبقريّة تسويقيّة، مما ساعدها على تحويل شغفها وموهبتها إلى علامةٍ تجاريّةٍ شخصيّة ونشاط وعمل رئيسي في حياتها الثانية التي بدأت تعيشها. وتضيف التشكيليّة المبدعة ألينا شيوتشيو "يشتكي العديد من الفنانين من أنّهم يتضورون جوعاً، ولم يكن لديّ هذه المشكلة. لاحظت أنّ الناس يستوعبون ويحِبون أسلوبي، وذهبت إلى المعارِض ورأيت كيف تمّ بيع لوحاتي بينما لوحات البعض الآخر من الرسّامين باقية في محلها. في البداية لم أتمكنْ من شرحِ نفسي، لكن في غضون ذلك أدركت أنّني أرسم فقط الأشياء المُفْرِحة، التي أحبها". باعت شيوتشيو معظم لوحاتها في الولاياتالمتحدة، وهي ترسل أسبوعيّاً لوحات للعديد من المعارِض. كما وصلت لوحاتها إلى جميع الدول الأوروبيّة تقريباً، وأيضاً إلى نيوزيلندا ورواندا وكندا وأستراليا. دفع مُحِبو التشكيل والرسّامة من جميع أنحاء العالم ما يصل إلى 8000 يورو مقابل إحدى لوحاتها، خاصة بعد المعارِض الدوليّة والجوائز التي حصلت عليها في العواصم العالميّة حيث أقامت الكثير من المعارِض في برلين، ومونتي كارلو، وباريس، وبودابست، ولندن، وكوبنهاجن وبالطبع شاركت في العديد من المعارِض الجماعيّة في إيطاليا. شكل عرض شيوتشيو للوحاتها في بوخارست ما اعتبره بعض التشكيليين الذين حضروا الافتتاح "ساعة في ورشة الرسم الزيتي، وتقنية السِكّين"، وحقاً يبدو أن المعرض خُصِّص للذين رغبوا في معرِفة أسرار لوحاتها، فتمكّن المشاركون من ذلك وحصلوا على توقيعٍ خاص، زيت على قماش، رسمته الفنّانة، خلال ورشة العمل بتقنيتها المُميزة فوصف احد النُقاد لوحاتها بقولٍ صادف هوى في نفسي، إذ قال "من مسقط رأسها أوراديا برومانيا مُروراً بإيطاليا التي تعيش فيها، ابتكرت ألينا شيوتشيو مُعظم أعمالها، حيث تضع جمال الحاضر فوق حنين جميل للماضي، لتاريخ الأشياء والرِموز". * مزيج فريد من الأساليب: أسلوب ألينا شيوتشيو الفريد، الذي ساعدها في كسبِ جمهورٍ عريضٍ في جميع أنحاء العالم، هو مزيج مِثالي من الانطِباعيّةِ والسِرياليّةِ والواقِعيّةِ وما بعد الحداثة، لكن كل هذه التأثيرات تتبلور بأسلوب جديد يميّزها. كما لاحظ نقاد الفن الإيطاليون، فإنّ العُنصر الحِسّي هو السائد في أعمالها الفنيّة. المشهد في اللّوحة يخاطب الحواس مباشرة، ولديها القوة لتضخيمها، من خلال الجمع بين اللّون والشكل. يقارِنها البعض بالرسّامين الانطِباعيين في أواخر القرن التاسع عشر، لكن تأثير الفن المُعاصر قوي جداً في أعمال الرسّامة الرومانيّة. أشاد بألينا "الأورادية" العديد من المُتخصِّصين، ولديها بالفعل سِجل ثري بحصولها على "أوسكار" في الرسم. ظهرت موهبتها الموروثة في المدرسة الابتدائيّة، حيث ميّزت نفسها بالرسم، وبالسِهولة التي تبتكِر بها القِصص. وتقول ألينا التي تبلغ الآن 49 عاماً "أعتقد انّني ورِثت الموهِبة من والدي، الذي كان نحّاتاً". في عام 2002، انتقلت مع زوجها وطفليها إلى (مونيكا ديل جاردا) وهي بلدة في مقاطعة بريشيا الإيطاليّة، حيث أصبحت خبيرة في السياحة، وكان عليها أن تتعلم خمس لغات، فأجادتها: الإنجليزيّة، الفرنسيّة، المجريّة، الألمانيّة وبالطبع الإيطاليّة. لم تشتكْ أبداً، بل على العكس، شعرت أنّها تعيش حياة كاملة، كما تقول. وقبل تغيير نشاطها ومِهنتها، كانت ألينا ناجِحة بالفعل كخبيرةٍ سياحيّة. تغيّر كل شيء عندما أنجبت طفلها الثالث، أجاتا، في عام 2015. وتضيف حول أسرار التغيير الذي أحدثته في نفسها "كأنّني وُلِدّت أنا من جديد. كنت قبل ذلك ارسم واكتب الشِعر كهاوية وللاستِرخاء، ولكن من حينها دخلت في حالةِ عطشٍ فني، وبدأت أشعر أكثر فأكثر بالعمل فرويت عطشي الفني بالعملِ والاستِمرارِ في العملِ وأحسست بأنّني لا أريد ولا أستطيع التوقف من العملِ في الرسمِ". بعد ثلاث سنوات قدّمت استقالتها من خبيرة سياحيّة عاقدة العزم على تكريس نفسها للرسمِ. * السِكِّين.. والسُرْعَة، أدوات ألينا الرابِحة: أنشأت لها موقِعاً على شبكة الإنترنت،artedialina.com ، للتعريف بنفسها وقدمت من خلاله لوحاتها وروّجت لنفسها على الشبكاتِ الاجتماعيّة. ترسُم ألينا الأجساد العارية والمناظِر البحريّة والزهور والحيوانات والآلات الموسيقيّة والكُتب، وتقول "عندما أرسم، يكون الأمر أشبه بدخولي في حالة نشوة، أنا فقط واللّوحة. أعتقد أنّ هذا هو السبب في أنّني سريعة للغاية". أحْدَث لوحة رسمَتها ألينا كانت قبل أيام من معرضِ "آفاق"، بعد عودتها في إجازة إلى منزلها في مدينة اوراديا بمحافظة بيهور الرومانيّة، فاستغرقت حالة النشوة التي تبادلتها مع لوحتها 30 دقيقة فقط. أعظم فرحة عاشتها ألينا كانت عندما حصلت، في 14 سبتمبر 2019، على جائزة "أوسكار الإبداع" في حفل توزيع جوائز مونتي كارلو للفن، وتعترف قائلة "بهذه الجائزة، اكتسبت ثقة أكبر في نفسي وفيما يمكنني القيام به. لقد شعرت بالروعة لأنّ عملي وجهدي حصلا على مُكافأة انتظرتها". بالإضافة إلى ذلك، في فبراير 2020 حصلت ألينا على جائزة مُهِمة أخرى، جائزة "ديفيد دي دوناتيلو" في إيطاليا، وفي صيف نفس العام على جائزة الفن الدوليّة في نيويورك، في معرض "وايت سبيس تشيلسي"، وتقول انّها فخورة بأنْ عرضت لأول مرّة لوحاتها في طوكيو. في غضون ذلك، تسعى ألينا التي تلصِق الصحف الرومانية باسمها كلمة "الأوراديّة" في إشارة للمدينة التي ترعرعت وشبت فيها، تسعى جاهدة للوصول إلى منازل الأشخاص الذين لا يبحثون عن لوحات، وتبدأ في تزيين منازلهم بأشياء أخرى مثل الأكواب مع رسوماتها التي تنتجها على أغطية الأسِرّة أو المناشِف. وتشرح قائلة "إنّ العديد من المنازل الحديثة بها جدران زجاجيّة لا يمكن أنْ تُعَلّق عليها لوحات، وهنالك دائماً رغبات في تجميلِ المنزلِ من خلال التشكيل واللّون برسوماتٍ وإبداعاتٍ تجلب الاستِرخاء وتضُخ طاقة إيجابيّة في المنزل وسُكانه". وبالطبع لملاقاة ذلك جاء دور ألينا التي لديها الموهِبة اللّازمة لتحقيق تلك الرغبات، فسمحت لنفسها بأنْ تجذُبها موجات الشغف، دون الخوف من المُخاطرةِ. * حول بُرج (سكاي تاور): بُرج (سكاي تاور) هو أطول مبنى في رومانيا وأكثر مباني المكاتب شُهرة في بوخارست. يتكون من 37 طابقاً، يصل ارتفاعه إلى 137 متراً فوق سطح الأرض، و5 طوابق تحت الأرض بعُمقِ 60 متراً، لمواقف السيارات والتخزين. البُرج الدائري مُضاء بشكلٍ طبيعيٍ وبأنوارٍ تتغيّر ألوانها باستِمرار، أزرق، أصفر، أحمر، أخضر و"زي شفق المغارِب" بعد عصرٍ صيفيٍ مُمْطِرٍ. للوصول للطوابق العُليا هنالك المصاعد عالية السُرعة، تصل إلى 6 أمتار في الثانية. ومنذ الانتهاء من البناء في ديسمبر 2012، أصبح بُرج (سكاي تاور) مَعلماً بارِزاً في المدينةِ حيث أعاد تشكيل أفُق الحي التِجاري الجديد في شمال بوخارست وحفّز تطوير مشاريع جديدة في منطقة فلورياسكا – أوريل فلايكو – بنياسا. تبقى القول إنّ معرض الرسم "آفاق" هو أوّل حدث ثقافي ينظِّمه هذا العام بُرج (سكاي تاور) ضمن برنامج سكاي للإبداع – Sky Creatives – كمنصّةِ مصدر مفتوحةٍ، يقدِّم البُرج من خلالها للمبدعين الشباب ورجال الأعمال موقِعاً مُمَيّزاً لمشاريعهم. وتلك لعمري، إضافة لما يدفعه رأس المال واستثماراته من واجباتٍ ماليّةٍ للدولةِ وخلقه فُرص عمل، فإنّها مبادرات تجعل من نظريّة "دعه يعمل دعه يكسب" مردوداً اجتماعيّاً لتضاف إليها "انتظِر منه مُبادراته مُساهِماً في الثقافة والأدب والفنون بأنواعها المُختلِفة وفي عمل الخير في أشكالِه المُتعدِّدةِ"، وكل ذلك دون شك يُعتبر من الروافِد والروافِع الاجتماعيّة لجودةِ الحياة والتطور نحو مُستقبل أفضل.