ترتبط مدارس خور طقت، وحنتوب، ووادي سيدنا الثانوية، في ذاكرة الناس بأيام عز التعليم السوداني، فقد أنشئت لتهيء الطلاب للدخول إلى جامعة الخرطوم الحالية أو كلية غوردون التذكارية سابقاً. فكانت واسطة عقد التعليم الثانوي المؤهل؛ لذلك خرجت معظم مشاهير البلاد في السياسة والثقافة والفنون وشتى ضروب الحياة. أنشئت تلك المدارس العريقة لتستوعب طلابًا من كل أنحاء السودان، مما جعل منها بوتقة انصهرت فيها النخب بالوطنية، دون تمييز لنظرة اثنية أو جهوية أو فكرية وقبلية. ويضاف إلى تلك المدارس ذلكم الصرح العلمي الشامخ جامعة الخرطوم ومعهد بخت الرضا لإعداد المعلمين والمناهج الدراسية. هذه المؤسسات التعليمية هي التي وضعت اللبنات الأولى للتعليم في السودان وظلت ترفد المجتمع بالأفذاذ المتميزين في جميع التخصصات العلمية والأدبية؛ ولذلك لا غرو أن خلدها الشعراء بقصائد خالدة وتغنى لها كبار المطربين بأروع الألحان. ونشير هنا إلى أغنية حنتوب الجميلة التي صاغ كلماتها ولحنها الشاعر محمد عوض الكريم القرشي وتغنى بها الفنان الخير عثمان: حنتوب الجميلة منظرها البديع يا روعة جلالو ليك أعظم رسالة تعليم الجهالة للنيل باقية شامة والهدهد علامة ومنسق نظاما وفي تقدم دواما وعن حنتوب تحدث شعراء كثر منهم الأستاذ الأمين بلة الأمين الذي كتب قصيدة عصماء يقول فيها: شاءت الأقدار، ما شئنا فراقا غير أنا لم نزل بعد رفاقا إيه يا حنتوب أيام تولت فأرجعيها إنها طابت مذاقا ألذاك الهدهد الموفور حسناً يخفق القلب هياما واشتياقا أما خور طقت توأم حنتوب فقد خلدها الشاعر عبد الرحمن أبو ذكرى بنشيد خور طقت الذي يردده خريجوها في جميع مناسباتهم، وقد ورد فيه: من نقطة فيحاء في إفريقيا البلد العتيد من طقت الكبرى سأعزف معلنا هذا النشيد منها سأعلن للدنا للعالم الرحب المديد هذا النشيد الحلو رمزا للسلام وللخلود أنا عالم تنضم تحت لوائه كل البنود لا أعرف الحقد المرير أسوقه فوق الوجود من حاضري وفتوتي من وجه ماضي التليد سيقودني قلبي الفتي لأبتني الأمل الجديد وهذه القصيدة علاوة على أنها تمثل نشيد خور طقت، تلك المدرسة العريقة التي تخرج فيها علماء وساسة وأدباء أفذاذ، فهي أيضاً تعبر عن روح الثورة والتحرر التي سادت في إفريقيا في ستينات القرن الماضي، وتنضح كذلك بالآمال العراض التي كان يحملها جيل ذلك العهد من طلاب المرحلة الثانوية في مدارس السودان الكبرى. وقد كتب الشاعر المجيد إدريس جماع، رحمه الله، عن جامعة الخرطوم، قصيدة قال فيها أغمري الوهاد والنجاد والمهاد بالسنا يا منار العلم والعلم حياة شعبنا في هدى الفكر ادفعي الجيل لنبني غدنا أنت للشرق وللدنيا كما أنت لنا خرجي في كل فن وابعثيهم رسلا وانشدي للوطن الباقي ازدهارا وعلا عن بخت الرضا قال إدريس جماع: ماذا أرى أبدت ديارك أم بدا أمل النفوس على ثراك مشيدا يا قبلة الوطن العزيز ومعهدي هل كنت إلا للهداية معهدا سارت به الركبان فى طرقاتها وأنساب لحنا فى الشفاه مرددا يا معهدا علم الجهاد بكفه اليمنى وباليسرى مصابيح الهدى كنز البلاد هنا، هنا أبناؤها والعاملون غدا إذا حق الفدا أبناؤك الغر الكرام شهرتهم في وجه عادية الزمان مهندا ومن المؤسسات التعليمية الرائدة التي كان لها القدح المعلى في نشر المعرفة والثقافة معهد أم درمان العلمي الذي قال فيه العبقري التجاني يوسف بشير: السحر فيكَ وَفيكَ مِن أَسبابه دَعة المدل بِعَبقري شَبابه يا مَعهدي وَمَحط عَهد صِباي مِن دار تَطرُق عَن شَباب نابه قسم البَقاء إِلَيكَ في أَقداره مَن شادَ مَجدك في قَديم كِتابه وَأَفاضَ فيكَ مِن الهَدي آياته وَمِن الهَوى وَالسحر ملء نِصابه اليَوم يَدفَعُني الحَنين فأنثني وَلهان مُضطَرِبا إِلى أَعتابِهِ سَبق الهَوى عَيني في مِضماره وَجَرى وَأَجفَل خاطِري مِن بابة وَدَعت غَض صِباي تَحتَ ظِلاله وَدَفنت بيض سني في مِحرابه وعن ذات المعهد التليد يقول الشاعر مصطفى التني: عندي وطني بقضيلي حاجة كيف أسيبو وأروح لي خواجة يغني وطنه ويحيجني حاجة في هواك يا وطني العزيز بي ديني بعتز وافخر وأبشر ما بهاب الموت المكشر ما بخش مدرسة المبشر عندي معهد وطني العزيز إن أغنية في الفؤاد تراعاه العناية بلا شك أغنية وطنية من الطراز الأول وقد كان لها بالغ الأثر في تعزيز الانتماء إلى الوطن والتمسك بثوابته ونبذ التعصب والقبيلة، وهي لهذا السبب من الأغاني السودانية الخالدة فقد جاء فيها: نحنا للقومية النبيلة ما بندور عصبية القبيلة تربي فينا ضغائن وبيلة تزيد مصائب الوطن العزيز أما أستاذنا البروفيسور عبد المجيد الطيب فقد كتب عن كلية التربية أو معهد المعلمين العالي فقال: مذ نشأت يا حسناء محفلا ومعهدا كم كنت للجمال مرفأ وللفؤاد مرقدا سأظل أذكر ما حييت أحبة كانوا بها أكرم بهم أهل المفاخر والمكارم والندى هذه القصائد تدل على اعتزاز السوداني وحبه للأماكن؛ خاصة إذا كانت دوراً للعلم.