(1) ولد عبد الرحمن الريح في عام 1917م بأمدرمان في حي العرب في أسرة متصوفة ومتشددة دينيًا وقد درس الخلوة بها وحفظ القرآن الكريم وعلومه في سن مبكرة حيث كان جده من ناحية أمه يدرس علوم الفقه ومبادئ اللغة العربية للطلاب حتى أطلق أهل حي العرب على والدة عبدالرحمن لقب بنت الأستاذ كما كان للبيئة الاستثنائية في حي العرب أثر كبير في تنمية بذرة الموهبة الشعرية الفطرية لعبد الرحمن الريح حيث نشاء بين عمالقة أهل الفن والشعر فعاصر هنالك سيد عبد العزيز وعبيد عبد الرحمن وعبدالله محمد زين شاعر قصيدة (أنا أمدرمان) وفي مرحلة أخرى سيف الدين الدسوقي إلى جانب ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة ثم إبراهيم عوض والجابري والفلاتية قبل رحولها للعباسية ثم رمضان حسن الذي عمل واشتغل فيما بعد مع عبدالرحمن الريح في صناعة المنتوجات الجلدية . (2) كان ودالريح مؤهلًا تأهيلًا فطريًا وحسيًا على أن يبزغ نجمه في بواكير شبابه فقد بلغ الفتى من الموهبة والجرأة ماجعله يكتب أغنية وهو في السادسة عشر من عمره ويتجاوز كل الفنانين الموجودين في ذلك الزمان ويختار كرومة من بينهم على أن يقدم له تلك القصيدة وكان كبار الشعراء في تلك الحقبة يتهيبون أن يقدموا لكرومة أي عمل ما لم يتأكدوا من اكتمال النصاب الجمالي والكمالي للنص وذلك لأن كرومة لا يجامل ولا يداهن في فنه على الإطلاق ولكنه أعجب أيما إعجاب بقصيدة الفتى عبد الرحمن التي كانت أول قصيدة تغنى لشاب في ذلك العمر وهي أغنية (مارايت في الكون ياحبيبي أجمل منك) فصدح بها كرومة في إحدى المناسبات، ولكن عندما طلبها بعض المسؤولين الكبار في مناسبة أخرى، قال كرومة (لكن ياجماعة دي أغنية بتاعة وليد صغير) فغناها وبعد ذلك طلبوا منه أن يغني أغنية (سهران ياليل) وأغنية (خداري البي حالي ماهو داري) فضحك كرومه ضحكًا شديدًا فسأله الجميع عن سر ضحكه فقال(أيضًا القصيدتين ديل لنفس الِشافع داك)، فقد كان ود الريح همه الأول في تلك المرحلة محاربة بعض الأغنيات الركيكة والهابطة التي جاءت على إيقاع (التم تم) فأخذ نفس الإيقاع وملأه بمفردات أجمل وأقوى حتى يستطيع تدريج المتلقي معه بكل أريحيحة ويسر فقدم (أنا لي زمن بنادي) وعددًا من روائعة المختلفة. (3) حال عبد الرحمن الريح هو حال الشاعر الأديب الأريب الذي لا تنفك عباراته ومفرداته عن قضايا وطنه العاطفية والوطنية والاقتصادية لذلك نجد أن المفردة الرقيقة التي كان يتمتع بها ودالريح مثل (الخديدو نادي) و (الشادن الكاتلني ريدو) و(أنفاس الزهر) … إلخ نجدها قد تغيرت إبان ظهور الحرب العالمية فاكتست شاعريته بمفردات حربية وقتالية أخرى مثل (جاني طيفو طايف لحاظو كالقذائف) وكلمة (القذائف) تلك من الكلمات النادرة الوجود بين روائع ود الريح وبعد ذلك وجّه مفرداته الثورية الوطنية بصورة واضحة ومباشرة قائلًا (يا رجال الحدود دافعوا عن وطن الجدود) ويذكرأن ود الريح ألف عددًا من المسرحيات الاستعراضية بنفسه وكتب سيناريوهاتها لوحده, وقد أدى الثنائي الشهير ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة بعض الأدوار في تلك المسرحيات ولكن ود الريح بخل بعض الشيء على أن يرفد مكتبتي الإذاعة والتلفزيون بالمزيد من تلك الأعمال ومما لايعلمه الكثيرون عن حياة عبد الرحمن الريح الفنية هو أنه كان من أمهر عازفي العود وقد لحن أعمالًا كثيرة من أغنياته فانظر إلى لحن (بعيد الدار) التي أدّاها الرائع زنقار وفيما بعد العملاق أبو داؤود وتمعن في رقة اللحن الرائع والبديع (في رونق الصبح البديع) من كلمات محمد بشير عتيق. (4 ) هنالك أشياء غريبة وعجيبة في حياة عبد الرحمن الريح منذ أن كان طفلًا صغيرًا وتلك الأشياء أثبتها الباحث والمختص بالتراث الأمدرماني الأستاذ بشرى النور بواسطة الأخت غير الشقيقة لعبد الرحمن الريح خادم الله عبد الرحمن الريح وهي تروي قائلة إن عبد الرحمن عندما كان صغيرًا في حجر أمه كان يرفع رأسه إلى السماء ثم يسترسل متسائلًا قائلًا ماهذا؟؟ فتجيب والدته إنه القمر ثم يسأل عن علاقة النجوم التي حوله وبعد ذلك يبدأ ناقدًا لماذا كان شكل ذاك الهلال كذا واليوم كذا ولماذا القمر يتحول من …..إلخ وكمية من الأسئله التي يسفهها الكبار تجاهلًا للأطفال أنا شخصيًا أصدق رواية بشرى النور عن خادم الله أخت ود الريح خصوصًا إذا ربطها ربطًا موضوعيًا بكتابات وأشعار ود الريح سنجد كل تلك الأسئلة التي كان يسألها صغيرًا متجلية في كلماته وعبراته خصوصًا عندما يقول (أفكر فيه وأتأمل هلالي اتجل واتجمل) فهذه هي نفس التأملات والتفكيرات التي كان يطلقها صغيرًا ممزوجة بالنزعة الصوفية الإيمانية بالتفكر في السماوات والأرض وخذ على سبيل المثال(انت بدر السماء فى صفاك) وخذ(يانجوم الليل أشهدي)…إلخ ،… نواصل