لو كان للهزيمة حسنة واحدة؛ فإنَّ هزيمة الفرق السودانية بدءاً بالمنتخب الوطني الكبير وإبنه الناشئ، مروراً بالأهلي الشنداوي وختماً بالمريخ والهلال، وما صاحب ذلك من خروج دراماتيكي لم يصدِّقه الجمهور والإعلام الرياضي حتى الآن، لأنَّ كل المؤشرات كانت تشير إلى أن رايات النصر قد رفرفت عاليةً خفَّاقة، لكن في خاتمة المطاف كانت الحقيقة التي لا تقبل الجدال أبداً وهي أنه ( بعد ما لبَنَتْ أدُّوها الطير).. فخرجنا من الموسم بلا حمص كالعادة!! نعود مُجدَّداً ونقول إنَّ الحسنة الوحيدة ل(هزائم!!) فرقنا تمثَّلت بل تجسَّدت في المقال الرائع الذي خطه يراع الأديب الأريب الاستاذ حسين خوجلي، بأخيرة ( ألون) يوم الأثنين الماضي.. وأكاد أجزمُ أن هذه الفرق مجتمعة لو أدَّت ب (عُشر) الأداء الذي كتب به ( الحسين ) مقالته تلك كنا سنحتفل ببلوغ الفرق الخمسة للنهائيات السعيدة، لأنَّ الرَجُل سكب عصارة خبرته ونثر الدُّرر بل قدَّم السهل الممتنع وهو يشرِّح ويحلِّل مكامن العلل في كُرتنا بل في الرياضة قاطبة ويؤكد بلا مُواربة أنَّ " طيش " الفصل لا يُرجى منه فى تحمُّل مثل هذه المهام الوطنية!!. وأنَّ " المَكَلْوَج " مضروب الأنيميا لا يجدي للنزال!!. وأنَّ الأُسر الكريمة منعت المئات من أبنائها رغم مواهبهم الباهرة والظاهرة من ولوج هذا الوسط!!. وأنَّ هذا المجتمع الجاحد رمى أميز اللاعبين السودانيين الموهوبين بعد أن أخذ زهرة شبابهم في سلال الإهمال ومزابل الحرمان والظلام يعلقون الهزيمة والإنكسار ويعيشون على إحسان بعض الجماهير!! لقد لخَّص صاحب ( الألوان ) البهية، علة الكرة السودانية بطريقة لا تملك إلا أنْ تجزم معها أنه لعب مع جكسا وكمال عبد الوهاب وسانتو والدحيش في ( ميدان) واحد.. وبعد إعتزاله اللعب توجَّه مباشرة الى ( كابينة ) القيادة مُدرِّباً لأقوى الفرق بالدوريات الأوربية، وأنه تخصَّص في الصحافة الرياضية منذ أمدٍ بعيد. لله درَّك أيها الحسين فقد قرأتُ كل الصحف الرياضية عقب خروج المريخ والهلال وقبلهما الأهلي شندي والمنتخبين الأول والناشئ، فلم يشفِ غليلي إلا ما سطره قلمك الرائع دوماً.. والذي لا تكفي معه قراءة واحدة للمقال بل لا بد من التكرار مثنى وثلاث بل ورباع.. وهذا وحده جعلني أحفظ لك عن ظهر قلب مقالاً كتبه قلمك الساحر وقد كُنتُ أنا وقتذاك طالباً بالصف الأول الثانوي، فبعد وفاة الدبلوماسي الأديب المسكون بالإبداع صلاح أحمد إبراهيم خطَّ يراعك مقالاً قلتَ فيه : ( لقد رحل عن دُنيانا صلاح دون أن يتزوَّج وهيهات لمثل صلاح أن يتزوَّج زواج العامة ويُزف زفاف الدهماء.. فصلاح رجُل مستحيل يحتاج لإمرأة مستحيلة..)!! أستاذنا الحسين من خلال مقالك الاخير عن خيبة أملنا الكروية أحسب أنك أصبت الحقيقة في مقتل سيما في النقطتين الأخيرتين والمتعلقتين بمواهب أبناء الأُسر الكريمة وجحود المجتمع الرياضي، وخير شاهد على ذلك أنني قبل حوالى ثلاثة أسابيع حاولتُ المُحال إقناع نجم كان ملء السمع والبصر في ثمانينيات القرن الماضي بمدينة إشتهرت بتفريخ عشرات إن لم نقُلْ مئات اللاعبين الموهبين الذين نذروا أنفسهم لإمتاع الجماهير لكنهم خرجوا من الملاعب كيوم ولدتهم أمهاتهم، يزاحمون العامة في المواصلات ويسكنون بالإيجار في أقاصي المُدن!!.. لقد حاولتُ ذلكم النجم لإجراء دردشة خفيفة لكنه ردَّ عليَّ بلطف قائلاً : ( أنا على إستعداد لكيما تحاورني حتى في الجّن الأحمر لكن أرجوك لا تسألني عن كرة القدم لأنني كرهتها وكرهت اليوم الذي جعلني لاعب كرة قدم)!!. ليس ذلك فحسب بل إستحلفني بالله العظيم ألا أذكر ولو حرفاً واحداً على لسانه لأنه لا يرغب لا من بعيد ولا من قريب في هذا الامر.. وعاد ليستدلَّ على بُعده من كرة القدم بأن مباراة هلال مريخ الأخيرة في بطولة الكونفدرالية قد سمع بها من جاره بالحى قبل ساعة واحدة من صافرة بدايتها ورغم ذلك لم يتابعها لا في التلفاز ولا بالراديو؛ بل لم يسأل حتى من نتيجتها.. وأردف الرَّجُل يحدَّثني بأسى بائن : ( والله لو عجلة الزمان دارت الى الوراء فلو خُيرت بين أن أكون لاعب كرة أو راعي أغنام في أمريكا اللاتينية لإخترت الثانية بلا تردد)!!. قلتُ له: ألمْ تمنحك كرة القدم حُب الجماهير؟ فقال: نعم ولكن هل حُب الأمس يملأ لي ( قُفَّة الملاح ) اليوم؟.. وأردف يقول بِحِدَّة ظاهرة : ( على الطلاق ما أتسوَّل لى راجل حتى لو نموت أنا وأولادي من الجوع). سألته أخيراً : لو برع أحد أبنائك في كرة القدم فهل توافق له بمواصلة المسيرة؟ فقال لي : (والله لو نمشي المحكمة ما أخليهو.. ياخي لازم يشوف مستقبلو وين).. هنا ذكَّرته بأن البعض يقولون إنَّ المستقبل كله في كرة القدم ويستدلون بأن أحد اللاعبين أُعيد تسجيله مؤخراً بمليار جنيه، بل قال العارفون ببواطن الأمور إنَّ المبلغ الخفي للصفقة هو ضعف المُعلن تماماً.. فردَّ النجم الجماهيري الغاضب على تاريخه الرياضي، بعبارة إنجليزية نصَّها : (easy come easy go)!!.