بعد أن ألقيت عليه النظرة الأولى، سألت عَدَدَاً من المرضى ومُرافقيهم عن مُستشفى الحواتة التي يتواجدون فيها – آنئذٍ – فقالوا لي إنّه مشفى لا يقدم خدمات تُفيد مُواطن المنطقة، مُؤكِّدين أنّه أصبح قِبلة للمُعدمين فقط، ومن دخلهُ فهو عُرضة للتهميش، حسبما قال ل(السوداني) والذي أضَافَ بأنّه واحدٌ من عشرات المرضى الذين يُعانون الأمرين من قسوة الظروف وشدِّة الألم بسبب أمراض لا يجدون لها عناية ورعاية بمشفاهم الذي منه تبدأ رحلة المُعاناة، لا سيما وأنّ الطرق المُؤدية لمُستشفيات القضارف، الفاو والدندر مُغلقة تماماً بسبب الخريف والفيضانات التي ضربت الولاية مُؤخّراً وتتكرّر كل موسم. تغطية (30) منطقة سُكّان المنطقة طالبوا عبر (السوداني)، حكومة ولاية القضارف بجلب كادر طبي لمُستشفى الحَوّاتَة الذي هو قِبلة لأكثر من (30) منطقة وقرية صغيرة.. الغريب في الأمر أنّ المُستشفى من حيث المباني مَقبولٌ إلى حَدٍّ ما، لكن المُشكلة كلها في المعاني، فالمُستشفى ينقصه الكثير جداً في الكوادر الطبية والإدارة التي تُخطِّط لتنظيم العمل. وهذا ما أكّده المُرافق "عبد الله بله" الذي قال إنّهم ملَّوا الانتظار بمُستشفى الحواتة والسّبب هو النقص الحاد في الكادر الطبي، واستشهد بحُضُورهم الباكر ومع ذلك لم يجدوا طبيباً حتى قُبيل منتصف النهار، مُشيراً إلى أنّ المُستشفى يفتقد لمُعظم الخدمات بدءاً من عربة الإسعاف، الأشعة ونقص في أمصال الثعابين وذلك لعدم وجود جهاز المنظار. احتياطي الأدوية.. صفرٌ كبيرٌ ويقول "بابكر سابح صالح" تقني التمريض بقسم طوارئ مُستشفى الحواتة ل (السوداني)، إنّه جاء قبل ثلاث سنوات لهذا المُستشفى، ومنذ أن وطأت أقدامه هذا المرفق الصحي وجده يُعاني من نقصٍ في المُعدات الجراحية وأدوات التعقيم والأدوية، مُؤكِّداً أّنّ ما يُوجد لديه الآن من أدوات طبية هي: (3) دِرِبّات ملح، (3) دِرِبّات مخلوط، (2) أنبولة لكل من مُضاد الإسهالات المائية (رنقر لاكتين)، دواء الأزمة (سان فتمول) واحد فقط و(3) أمبولات (هايو سين) للحساسية. سابح يقول إنّ قسم الطوارئ بالمُستشفى ينقصه الكثير حتى يسترد عافيته ويُقدِّم خدمات للمرضى الذين يقصدونه، مُبيِّناً أنّه يقضي جُلَّ يومهِ وُقُوفاً على رجليهِ في تقديم الخدمات الطبية للمرضى وذلك لانعدام (كُرسي) يجلس عليهِ، وأوضح الرجل أنّ القسم ينقصه الأثاث المكتبي، وسيبي لتعليق الدِرِبّات، وجهاز تعقيم، وجهاز أوكسجين وأسطوانتهِ، وموازين للضغط والسمّاعات والأسرّة، الآن يسلتقي المريض على كنبة، وقال سابح إنّ المّصابين يَظلون وقوفاً منذ دخولهم المُستشفى حتى خُرُوجهم وذلك بسبب عدم توافر غرفة انتظار، مُنوِّهاً أنّ البيئة غير مُساعدة له في تأدية واجبه تجاه المرضى. فحصٌ معمليٌّ من جانبها، تقول "رقية بشرى أحمد" تقني المعمل بمُستشفى الحواتة ل (السوداني)، إنّ المعمل تُوجد به فحص الملاريا، الدم الأبيض، مقياس الدم، البول، الفسحة، السكري وبول الحمل، مُؤكِّدة أنّ الفُحُوصات التي تنقص المعمل وظائف الكُلى، فحص الدم الكامل (cbc) ، فحص التّرسيب وفحص الكلازار، وعن تعرفة الفُحُوصات المُتوفِّرة، قالت إنّ فَحص الملاريا والبول (12) جنيهاً والسُّكّري والدّم (20) جنيهاً، مُوَضِّحةً أنّ هذه التّعرفة وصلتهم من المجلس التّشريعي ولاية القَضارف للعَمل بِها، مُشيرةً إلى أنّ المَعمل يُعاني من مَشاكل تعيق عملها أولهاً ضعف الإنارة، حيث تُوجد لمبة واحدة وعند عملية فرز العينات تقوم بفتح (الشُّبّاك) للاستفادة من ضوئه، وعُطل المروحة والمُكيّف، ولا توجد ثلاجة لحفظ العينات بالمعمل ولا يُوجد إجلاس للمرضى لأخذ العينات، وقالت "رقية" إنّها تأمل من وزارة الصحة ولاية القضارف أن تُهيئ لهم البيئة المُلائمة نسبةً لحساسية عملهم وأنّ أيِّ خطأ ينعكس على صحة المريض، وبالتالي يَكون خَصماً على سُمعة المُستشفى ووزارة الصحة الولائية؛ بل على النظام الصحي في البلاد كلها. المدير الطبي.. خدمة وطنية وتتوالى المُفاجآت بمُستشفى الحواتة وصولاً إلى وظيفة المدير الطبي، هذا المنصب الذي تشغله د. نادية موسى محمد والتي ابتدرت حديثها ل(السوداني) بأنّها تعمل بالمستشفى في وظيفة مدير طبي، بالرغم من أنّها لم تُبرم عقداً وظيفياً مع وزارة الصحة ولاية القضارف، مُبيِّنة أنّها تقضي فترة الخدمة الوطنية بالمستشفى وتمّ تقليدها وظيفة المدير الطبي، مُؤكِّدةً أنّها تستعد للرحيل ومُغادرة المُستشفى نسبةً لانتهاء فترة الخدمة الوطنية الخاصّة بها. وفي سَردها لضغوط العمل، قالت نادية إنّ معاناتها اليومية تبدأ مع شروق شمس كل يوم، حيث ينعدم الترحيل من مكان إقامتها إلى المستشفى، ولذا فهي تستقل ركشة يومياً ب (100) جنيه نسبةً لبُعد منزل أُسرتها عن المُستشفى، وأضَافَت أنّ وزارة الصحة قامت بعمل ما يُسمى (حافزاً زمنياً) وهو اختصار زمن الخدمة الوطنية إلى (7) أشهر بدلاً من (12) شهراً لسد الفجوة التي تُعاني منها المُستشفى في الكادر الطبي، مُشيرةً إلى أنّ هذه الخطوة لم تجد الاستجابة من الأطباء الخريجين وقابلوها بكل بُرُودٍ، ويرجع ذلك إلى سماعهم بمُعاناة زملائهم بالمُستشفى وعدم وُجُود نظام (سيستم) في عدد ساعات العمل، حيث يعمل الطبيب ليلاً ونهاراً. الخَوْف من المَجهول! أما المدير العام لمستشفى الحواتة د. عبد اللطيف أحمد عبد الله فقال ل(السوداني)، إنَّ المستشفى تُقدِّم خدمات الحوادث للمرضى لعددٍ من القُرى، ويُعتبر مَرجعياً ويقوم باستقبال المرضى من المراكز الصحية المُجاورة، لكنه مع ذلك يُعاني من نقصٍ في الكادر الطبي، وإنّ المشكلة الأساسية تَكمن في عدم وجود أطباء عُموميين، مُستدلاً بالمدير الطبي التي تقضِّي في فترة الخدمة الوطنية ك(مُجَنَّد) "د. نادية"، لكن استدعت الظروف اختيارها لهذا المنصب وقد ظلّت مُرابطة بالمستشفى طوال اليوم، وليست المُشكلة في أنّ المدير الطبي (خدمة وطنية)، بل المُشكلة الحقيقيّة تتمثل في انتهاء فترتها وهي الآن في انتظار (فتح الطريق) للمُغادرة!! ومن هنا يُناشد المدير العام، الوزارة بتوفير أطباء للمُستشفى بجميع الأقسام، الأطفال، الحوادث، طبيب عمومي ومساعد طبي. وأكّد الدير العام أنّ المستشفى كذلك يُعاني من مُشكلة في التكييف وبسببها لم تتم الاستفادة من جهاز فحص الدم الكامل، مُوضِّحاً أنّ هذا الجهاز لا يحتمل ارتفاع درجات الحرارة ولا يُمكن تشغيله دُون تكييف، كما يحتاج المُستشفى إلى مُحوِّل كهرباء ليكون بديلاً جاهزاً في حال انقطاع التيار، وأردف أن عربة الإسعاف مُعطّلة، ولا تُوجد بالمستشفى عناية وسيطة أو مُكثّفة، كما يُعاني المُستشفى من مُشكلة الصرف الصحي، حيث تمتلئ آبارهِ من كسور شبكة توصيل مياه المدينة، وأشار إلى أنّ الأطباء بالمستشفى هذه الأيام يُعانون من ازدياد في حالات المُصابين بسُوء التغذية، واختتم حديثه بأنّ المُستشفى يفتقد ل (حَضَانة) أطفال حَديثي الولادة. المُعتمد على الخط أخيراً.. ذهبنا إلى مُعتمد محلية الرهد محمد يوسف أبو عائشة، والذي قال ل (السوداني)، إنّ عدد الأطباء بمُستشفى الحواتة غير كَافٍ ولا يَتناسب مع حجم سكان المنطقة، مُنوِّهاً إلى أنّ المحلية تَسعى مع وزارة الصحة لتوفير أخصائي جراحة عامة وأخصائي أطفال، مُبيِّناً أنّ وزارة الصحة وعدت بمُعالجة العجز في الكادر الطبي.. وحول انقطاع الأمصال بالمستشفى، قال المُعتمد إنّ المشكلة الأساسية التي تُعاني منها المنطقة هي الطريق الذي يتسبب في نقص الأدوية بالمُستشفى، وتَمّ التعاقد مع شركة في أغسطس الماضي لبدء العمل به حتى ينعم مواطن المنطقة بالخدمات في كل مناحي الحياة.