تختتم بقاعة الصداقة بالخرطوم اليوم ورشة (مؤتمر اتفاق جوبا لسلام السودان واستكمال السلام)، وهي ضمن الورش الخمس التي تمت مناقشتها في المرحلة الثانية والنهائية في العملية السياسية، واستمرت الورشة لأربعة ايام حظيت بمشاركة واسعة من لأصحاب المصلحة، وقدم خلالها عدد من الاوراق العلمية . الإطار الكلي عضو مجلس السيادة الانتقالي د.الهادي ادريس قدم ورقة حول (التعريف بمضامين وملامح اتفاق جوبا لسلام السودان وتحديات التنفيذ)، مشيرا الى المفاهيم والمضامين التي وردت في اتفاق جوبا ولم ترد في الاتفاقيات السابقة إلى جانب مخاطبته للقضايا العامة، وقال ان الاتفاق تم في عهد حكومة ثورة ديسمبر، وان الاتفاقيات السابقة تمت في عهد انظمة شمولية لها حساسية مطلقة للاصلاح، لذلك يتم استيعاب الموقعين على الاتفاق ولا يتم الحديث عن اصحاب المصلحة، وهذا من اسباب فشلها. ادريس اشار الى ان اتفاق جوبا يتضمن مبادئ عامة، وعالج امهات القضايا مثل عملية السلام وايقاف الحرب وهو المدخل السليم الى السلام والتحول الديمقراطي، لافتاً الى ان الاتفاق تحدث في الباب الاول الفقرة (7) عن عدم استغلال الدين في السياسة ووقوف الدولة على مسافة واحدة من كل الاديان وان يضمن ذلك في الدساتير والقوانين، مشيرا الى انه في السابق لم تكن هناك جرأة للحديث عن فصل الدين عن الدولة، معتبرا ان اتفاق جوبا تناول القضايا في الإطار الكلي، ومشاركة كل السودانيين في الخدمة المدنية بتمثيل عادل على كل المستويات، وتناول الاتفاق ايضا مشاركة النساء بنسبة لا تقل عن 40% وهذه لغة جديدة تؤكد ان الاتفاق حمل قضايا مهمة . وقال إن مشاكل السودان بعد 67 عاماً من الاستقلال ليس له دستور دائم، لكن اتفاق جوبا اكد اهمية عقد مؤتمر دستوري قبل نهاية الفترة الانتقالية وتم تحديد قضاياه، منوها الي وجود عدد من مستويات الحكم في البلاد، ومن يقرر في هذا الامر ليس الذين وقعوا على اتفاق جوبا، ولا بد من اشراك اصحاب المصلحة، مؤكدا ان قيام مؤتمر الحكم والادارة يمكن ان يحل هذه (الربكة). آليات التنفيذ عضو مجلس السيادة الهادي إدريس أقر بفشل النخب السياسية في معالجة القضايا القومية، مشيرا الى ان 99% من الاتفاق لم يتم انزاله على الارض،لاسباب من بينها ضعف الارادة السياسية، وعدم تشكيل آليات التنفيذ نتيجة لضعف الارادة السياسية، وعدم الالتزام بالجداول الزمنية، بالاضافة الى عدم اجازة القوانين الخاصة بالاتفاق، وعدم قيام المؤامرات لاستكمال سلام الشرق،وعدم قيام المجلس التشريعي وهو من الآليات المهمة التي يجب ان تراقب اتفاق جوبا . مشيرا الى ان الموقعين على اتفاق جوبا اكدوا على ضرورة ان يتم تقديم الذين صدرت في مواجهتهم اوامر قبض للمحكمة الجنائية الدولية، لكن هم الآن موجودون في سجن كوبر والتهم الموجهة اليهم هي انهم نفذوا انقلاب الثلاثين من يونيو . مناخ جديد مشيرا الى انه قبل انقلاب 25 أكتوبر كانت الارادة ضعيفة لتشكيل المجلس التشريعي، وقال "نحن ايضا مسؤولون عن عدم التنفيذ"، واضاف : احيانا يوجد تشاكس بين الاطراف الموقعة على اتفاق جوبا وليس لديهم رؤية واضحة وبعضهم يتحدث عن عودة الحكم المدني الديمقراطي وآخرون غير ذلك. وقال لا بد من انزال اتفاق جوبا على ارض الواقع ليستفيد منه السودان والسودانيون، وقال لا نريد ان يكون مصيرة مثل الاتفاقات التي تم التوقيع عليها سابقا، ويكون في القصر او مجلس الوزراء، ونريد أن نخلق روحًا ومناخًا سياسيًا جديدًا لاتفاق جوبا. لا يمثلنا مشاركون في الورشة اشاروا الى ان الوضع في دارفور الآن اصعب مما كان عليه في الماضي، وقالوا لا يوجد اتفاق علي الارض وماحدث هو محاصصات اسوأ مما كانت في عهد النظام السابق، وقالوا ان اتفاق جوبا لا يمثلنا ولا يعنينا في شيء ويجب الغاؤة . آخرون اشاروا الى انه يجب مراجعة بعض بنود الاتفاق ليحقق الأمن والاستقرار بالسودان، وانتقدوا بعض قادة حركات الكفاح المسلح لانهم لم يزوروا معسكرات النازحين وظلوا في الخرطوم ولا يعرفون شيئا عن مشاكل الاقليم الا عبر الوسائط الحديثة، مشيرين الى ان النساء والاطفال هم الاكثر تضررا من النزاعات في دارفور . الادارة الاهلية وخلال الورشة قدم عبدالجليل الباشا ورقة حول دور الادارة الاهلية في تعزيز السلم المجتمعي ومحاربة خطاب الكراهية، واشار خلالها الى ان السودان يمر بتحركات متسارعة الا انها نتاج طبيعي لثورة ديسمبر وهي جوهر تطلعات الشعب السوداني من الشمولية القابضة الى الديمقراطية، وقال ان السلام لا يعني إيقاف الحرب بل القضاء علي الحاجة والخوف وإشباع حاجات المواطنين، مشيرا الى ان الادارة الاهلية تلعب دورا مهما في هذا الامر، لافتا الى ان الادارة الاهلية موجودة في السودان قبل الحكم التركي وهي صمام أمان السودان، لكن دورها اصبح ضعيفا لاسباب من بينها سياسة الانظمة الشمولية، وان نظام الانقاذ استخدمها لتنفيذ اجندته وهذا قلل من هيبتها . خطاب الكراهية الباشا اكد ان الادارة الاهلية تلعب دورا مهما في محاربة خطاب الكراهية والذي اصبح منتشرا بصورة كبيرة، وقال ان خطاب الكراهية يدفع الناس الى الحروب والنزاعات. ورأى ان الادارة الاهلية يمكن ان تساهم في محاربة خطالب الكراهية إلى جانب رعاية المواثيق المختلفة والمساعدة في حفظ الامن والاستقرار، والعمل علي فض النزاعات في القبيلة والقبائل الاخرى، ونشر السلام، والتبليغ عن الاحداث الخارجة عن السيطرة، موضحا ان الشعب السوداني يحتاج الى ترسيخ مفهوم المواطنة والتعدد وغيرها من المفاهيم، وقال الحروب منتشرة في عدد من المناطق، والبعض يميل الى القبلية أكثر من القومية . مكافحة الفساد رحاب حامد عقبت على ورقة الادارة الاهلية و قالت ان السلم الاجتماعي يحتاج الى مرتكزات اساسية منها الحوكمة الرشيدة ووجود بيئة عمل صالحة وتوزيع الموارد ومكافحة الفساد، واضافت "ولا يمكن ان تُشاع ثقافة السلامة الا اذا تم انزال متطلباته علي ارض الواقع "، مشيرة الى ان السودان يعيش الآن حالة هشاشة ولا بد من تكاتف كل السودانيين لنعيش سلام حقيقي . وقالت ان انتشار الفساد الهيكلي في اجهزة الدولة انعكس على دور الادارة الاهلية، وهذا بدوره يؤثر على مراكز القرار، واكدت اهمية وجود تشريعات حتى لا يتم استغلال الادارات الاهلية في السياسة، مشيرة الى عدم تمثيل المرأة في الادارة الاهلية، لافتة الى وجود (شعرة) بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، مشيرة الي ان الاول لا يراعي الحدود . مداخلات ورقة الادارة الاهلية حظت بنقاش كثيف، واكد المشاركون انه لن يحدث استقرار في السودان طالما الادارة الاهلية تمارس السياسة وبعيدة عن الدور المناط بها في المجتمع، وشكا زعماء ادارات اهلية من ظلم ارتكبه النظام السابق في حقهم وتجريدهم من المهام الاساسية التي كانوا يقومون بها، لذلك لا بد من اعادة صياغة دور الادارة الاهلية . واقروا بأن الادارة الاهلية في عهد النظام السابق في شرق وغرب السودان هي سبب الفتن التي اندلعت في تلك الاقاليم، مشيرين الى ان بعض الزعماء تحولوا الي (مصلحجية) و (أس البلاء) في السودان، ويجب استبعادهم، وقالوا ان زعيم الادارة الاهلية اصبح يمتلك قصرا ولديه سيارة آخر (موديل) وتقاعسوا عن دورهم في المجتمع، واتهموا النظام السابق بأنه وزع الاسلحة على بعض الادارات الاهلية والتي ادت الى ارتفاع عدد الضحايا في مناطق النزاع . واشار آخرون الى أن السودان لن يستقر إذا استمر خطاب الكراهية، لافتين الى وجود اكثر من 500 قبيلة ولا بد من (تطييب) وإلا سيكون مصير السودان مثل دول تمزقت .