أجبر استمرارُ الاعتصام لمئات الآلاف من السودانيِّين في مُحيط القيادة العامة ومُطالبتهم برحيل ابن عوف فوراً؛ رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عوض بن عوف، على التنحِّي من منصبه بعد (32) ساعة فقط، من تولِّيه الموقع عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير. وتمَّ تعيين الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري. وعمَّتْ فرحةٌ عارمةٌ وسط الحشود الضَّخمة التي تقاطرت صوب مقرِّ الاعتصام لإنجازها ثورةً شعبيةً خالصة. وكان الآلاف من الثوار السودانيين، قد تحدُّوا حظر التجوُّل الذي دخل حيِّز التنفيذ، مساء أمس الأول، وواصلوا اعتصامهم في مُحيط القيادة العامة للقُوَّات المُسلَّحة، حتى تتمَّ الاستجابة لمطالبهم بتشكيل حكومة مدنية انتقالية. وتوافدَتْ حشودٌ ضخمةٌ مُنذ صباح أمس، إلى مقرِّ الاعتصام. وردَّد المُحتجُّون هتافاتٍ تُنادي برحيل رئيس المجلس العسكري الانتقالي ابن عوف، وكنس كُلِّ آثار النظام السابق. وفيما أدى مئات الآلاف صلاة الجمعة بمُحيط القيادة، أعلن المجلس العسكري الانتقالي استعدادهم لتكوين حكومة مدنية، لكنَّه اشترط تمثيل المجلس في هذه الحكومة بوزارتَي الدفاع والداخلية، مُشدِّداً على أنهم لن يخونوا الشعب والثوَّار، في وقت قال فيه قائد قوات الدَّعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، إنه اعتذر عن المُشاركة في المجلس العسكري. وأكد حميدتي في بيان أن قوات الدعم السريع، سوف تظلُّ مُنحازةً لخيارات الشَّعب السوداني بجميع أطيافه. وأعلن ابن عوف في خطابٍ بثَّه التلفزيون القومي مساء أمس، تنازله عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، واختيار الفريق أول عبد الفتاح البرهان خلفاً له. ويشغل عبد الفتاح البرهان منصب المفتش العام للقُوَّات المُسلَّحة. وأعلن ابن عوف أيضاً إعفاء الفريق كمال عبد المعروف رئيس أركان الجيش، من منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، بناءً على رغبته. اعتقال المسؤولين بالمقابل، أكد رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن عمر زين العابدين، في مؤتمر صحفي عقده بمقرِّ وزارة الدفاع أمس، عدم تسليم الرئيس السابق عمر البشير للمحكمة الجنائية التزاماً بقيم السودان وموروثاته، وقال إن البشير مُعتقلٌ في مكانٍ آمن. وأضاف زين العابدين: "لن يتمَّ تسليم أيِّ سودانيِّ حتى المُتمرِّدين المطلوبين للخارج خلال فترة حكم المجلس؛ إلا إذا كان للحكومة المقبلة رأيٌ آخر"، وقطع بأنه ستتمُّ مُحاكمة البشير ومُحاسبته في محاكم داخلية وذلك ليس انحيازاً له وإنما انحياز للسودان وقيمه، وقال: "لن نقبل أيَّ مُزايدات في ذلك"، وأقر باعتقال كُلِّ المسؤولين التنفيذيِّين في الحكومة السابقة، وأكد حرص المجلس على العمل على تحقيق مطالب المُحتجِّين، مُتعهِّداً بتقديم كُلِّ من يثبت تورُّطه في قضية للعدالة لمُحاكمته. وشدَّد زين العابدين على أن التغيير الذي جرى في البلاد ليس انقلاباً، وإنما جاء استجابةً لرغبة المُواطنين الذين طالبوا بضرورة التَّغيير لتجاوز الأزمات التي تُعاني منها البلاد، وأوضح أن الهدف الرئيس للتغيير هو حفظ الأمن وسلامة البلاد ومنع أيِّ انفلات أمني يقود البلاد إلى الفوضى والتشرذم، ولفت إلى أن قرار التغيير لم يكن قرار فئة أو مجموعة، وإنما كان قرار المؤسسات الأمنية والعسكرية صاحبته مشاورات مع القوى السياسية كافة، حتى المعارضة، للعبور بالبلاد وتجاوز أزماتها ومشكلاتها. تقصير الفترة الانتقالية ووصف رئيس اللجنة السياسية ردود الفعل المحلية والدولية بأنها إيجابية، وأنهم سيُواصلون اتصالاتهم مع المجتمع الدولي لتوضيح هذا التغيير الذي تابع كُلُّ العالم ظروفه، واقتنع بحرص المنظومة الأمنية والعسكرية على حقوق المواطنين وممارسة حقهم في حرية التغيير السلمي، مؤكداً عدم إقصائهم لأيِّ حزبٍ أو جهة سياسية وحركة مُسلَّحة. ونادى زين العابدين، السياسيين والحركات المسلحة للجلوس للحوار والتوافق على حكومة مدنية، قاطعاً بأنهم حماة للوطن والمُواطنين. وأكد أنهم لم يأتوا بأيِّ خلفية أيدولوجية ولا حلول للقضايا الماثلة، مشيراً إلى أنهم أتوا وفقاً لتفويض الشعب واعتصامه أمام القيادة وحفظاً للأمن، داعياً المُحتجِّين والسياسيِّين لحل المشكلات السياسية والاقتصادية. وأكد زين العابدين استعدادهم أيضاً لتقصير مُدَّة الفترة الانتقالية وفقاً للظروف، واستعدادهم أيضاً لرفع تعطيل الدستور إذا طُلب منهم ذلك. وأوضح زين العابدين أن تعطيل الدستور في البيان الأول لرئيس المجلس الفريق أول عوض بن عوف، جاء نتيجة لإعلان الطوارئ. أبناء سوار الذهب وكشف عن ابتدارهم حواراً يبدأ فوراً من أمس، مع القيادات السياسية والمُحتجِّين يستمعون فيه إلى رؤيتهم للوصول إلى حلول، وأضاف: "نُريد تغييراً يقود البلاد للأمام، وليس للوراء". وشدد على أن التغيير الذي جرى في البلاد ليس انقلاباً، وإنما جاء استجابةً لرغبة المواطنين الذين طالبوا بضرورة التغيير لتجاوز الأزمات التي تعاني منها البلاد. وأوضح أن حل المُشكلات يأتي بالحوار الذي سيُدار لتقديم الحلول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مُحذِّراً المحتجين من التعدِّي على حرية الآخرين. وقال زين العابدين، إن حقَّ التظاهر مكفولٌ لكنهم سيتعاملون بحسم مع أيِّ شخص يُغلق طريقاً أو جسراً، مشيراً إلى أن ابن عوف وقوش حتى وإن كانا جزءاً من التنظيم السابق لكنهما قادا التغيير. وأوضح أن المجلس لم يأتِ بحلول مُحدَّدة، إنما الحلول تأتي وتُدار من قبل المُحتجِّين، مؤكداً أن الحُكَّام الجدد أبناء سوار الذهب، وأنهم أتوا بدافع حُبِّهم للسودان. بالمقابل، أكَّد قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في بيان، أن قوات الدعم السريع سوف تظلُّ مُنحازة لخيارات الشعب السوداني بجميع أطيافه، وشدَّد على أن البلاد تمرُّ بمرحلةٍ دقيقة تاريخية وصعبة، تحتاج منهم إلى عمل مُشترك تحت مظلَّة القُوَّات المُسلَّحة والقُوَّات النظامية الأُخرى كجهة قومية، وتابع: "سوف نظلُّ جزءاً من القُوَّات المُسلَّحة ونعمل لوحدة البلاد واحترام حقوق الإنسان وحماية الشعب السوداني".