** لحسن حظ أهل البلد، الدول التي تقرض دولتنا قرضاً حسناً - أو خشناً – لا تسترجع قروضها وفوائدها بقانون (يبقى لحين السداد).. ولو كان الأمر كذلك، لبقي شعبنا في سجون الصين والخليج إلى يوم القيامة.. حكومة أجهزتها تتعاطى القروض لحد الإدمان، بل تتباهى أيضاً بالقروض كتباهي الحكومات الأخرى بالإنتاج والتصدير.. ولم يكن التصريح الذي بثه مركز كومون الإعلامي نقلا عن وزير المالية، وكان نصه: (وزير المالية يبشر المواطنين بموافقة شركة صينية على تقديم قرض ضخم سيحدث تغييراً جذريا في هيكل الاقتصاد السوداني)، فلنتأمل.. دولة تستدين من شركة.. ثم وزراء المالية من حولنا يبشرون شعوبهم بضخامة معدل الإنتاج والتصدير، ووزير ماليتنا يبشرنا بضخامة القروض الملقاة على عاتقنا وعواتق أجيالنا القادمة.. ومتى كانت القروض تحسن الاقتصاد، بحيث - أي كمان - تحدث التغيير الجذري؟.. عفواً، ربما يقصد بالتغيير الجذري: (خلاص، على كدة اكتفينا القروض لحد التُخمة)..!! ** والمدهش في قروض بلادنا، لأي مسؤول حق التجوال - بقرعته - في أسواق الخليج والصين، بحيث يسأل الشركات ليعطوها أو يمنعوها، أي (إنت وحنكك).. وليس مهما - لعباقرة وزارة المالية - نوع القرض الذي فاز به ذاك المسؤول المتجول، ولا كيفية استغلاله.. الحكومات تقترض للمشاريع ذات العائد الذي يسدد القرض ويفيض، ولكن هنا المسؤول يقترض - بمجهود فردي - لأي مشروع و(خلاص)، وليس بالضرورة أن يكون منتجاً..على سبيل المثال، تأمل البشارة التالية: وزير الإعلام يبشر الناس بحصول التلفزيون على قرض صيني قيمته (120 مليون دولار)، تسدد على (30 سنة)، وذلك للبث الرقمي وتشييد مبنى التلفزيون بشارع النيل.. نعم، قرض لمباني التلفزيون، بيد أن مشروع الجزيرة ينتج العطش والإعسار..!! ** وكثيرة هي نماذج القروض المهدرة أو المستخدمة في الكماليات السياسية.. كم بلغت قيمة القروض الصينية التي جاء بها صندوق الإسكان - بمجهود غلام الدين الفردي طبعاً - لبناء البيوت لبعض الناس؟، إذ بين الحين والآخر يبشرنا الصندوق بقرض جديد.. أجهزة الحكومات التي من حولنا لا تبني البيوت للمواطنين بالقروض الدولية، بل ترفع يدها نهائيا عن سوق البناء، فتتحرك الشركات والمصارف وتنشط وتبني وتملك المواطن منزله بالسعر المناسب والتفسيط المريح والمناسب مع أسعار الأرض ومواد البناء.. ولكن هنا - يا كافي البلا - أجهزة الحكومة تتاجر في الأرض، و(جهازها الاستثماري يسمسر فيها بأموال المعاشيين)، حتى يصبح سعر القطعة في الشقيلاب مساويا لسعر القطعة في شيكاغو، وبعد ذلك تثقل تلك الأجهزة مواد البناء بالجمارك والضرائب والأتاوات، فيعجز المواطن عن الشراء والتشييد، فيتجول غلام الدين ويأتي ببشرى سارة مفادها (جبت ليكم قرض عشان تسكنوا)..!! ** من الذي يدير ملف القروض بوزارة المالية؟.. عفوا، مطلوب إدارة ومدير لملف القروض، بحيث يذهب القرض المناسب إلى موقع الإنتاج المناسب أو (الخدمات الأساسية)، وليس لمباني التلفزيون وغيرها من المباني التي بلا معاني أو جدوى.. ولاية البحر الأحمر بكل كثافتها السكانية، على سبيل المثال، تنتظر منذ عقد ونيف اكتمال مشروع (مدها بالمياه من النيل)، مشروع حيوي واستراتيجي وخدمي، متجمد منذ العام (2009)، لأن وزارة المالية المركزية تتلكأ عن إصدار ضمان لقرض قيمته (515 مليون دولار)، هي تكلفة المشروع.. لو كان الغرض من قرض مشروع مياه البحر الأحمر غرضاً آخر من شاكلة (مشروع زواج جماعي)، لبشرنا عباقرة وزارة المالية باستلامهم.. فالعباقرة لا يدمنون القروض فحسب، بل أيضا يدمنون تبديدها في (الشوفونية الماجايبة حقها)..!!