قال المؤتمر الوطني إن أي اجتماع بقيادة الحركة الشعبية قطاع الشمال في الحركة الشعبية سوف يؤدي إلى نيفاشا ثانية وفي تقديرنا أن هذا الكلام صحيح بنسبة كبيرة جداً تقارب الدرجة الكاملة ولكن يبقى السؤال من الذي أوصل الأمر إلى هذه المرحلة ؟ لاشك عندي أن المؤتمر الوطني ذات نفسه قد أسهم بنسبة كبيرة في هذا الأمر. فعندما وقع نافع مع عقار اتفاقية إطارية في نوفمبر 2011 رحبت بها مجموعة كبيرة من الشعب السوداني (الفضل) لأنها ببساطة أقرت وحدة السودان وأقرت تفكيك الجيش الشعبي قطاع الشمال بالاستيعاب المدني والعسكري والاعتراف بالحركة الشعبية كحزب سياسي مدني يمارس نشاطه مثله مثل بقية الأحزاب يختار موقعه ضمن أحزاب التحالف المعارض أو حتى الحكومة العريضة وهذه كانت الأقرب لأن المشورة الشعبية تربطه بالمؤتمر الوطني ولا سبيل لتحقيقها إذا اختارت المعارضة. لقد كان الطقس العالمي يهب في رياح اتفاقية نافع /عقار لأن العالم كان يعيش دهشة انفصال الجنوب فجرحها النازف كان يمنع الذين يخططون لتفكيك السودان أن يفكروا في اقتطاع جزء من السودان في تلك الساعة ولعل أول هؤلاء السياسيون الجنوبيون، ثم الغربيون. لكن للأسف أصحاب الحلاقيم الكبيرة رفضوا تلك الاتفاقية لأنهم رأوا أن ذهاب الجنوب قد فك عرمان في السهلة أولاً، ثم عقار والحلو وهذه فرصة للانقضاض عليهم فكروا في تصفية الحسابات الشخصية ولم يفكروا في المصلحة العامة لأنهم كانوا يعلمون أن هاتين المنطقتين لديهما باقي حساب على حسب نيفاشا. طيب بعد ذلك الرفض جرت مياه كثيرة تحت الجسر منها عدم التعاون بين الدولتين لا بل الحرب بينهما مما أتاح هامشاً محلياً ودولياً أكبر لقطاع الشمال للتحرك فوجد من يبحث عن هذه الفرصة فكان التعثر في التفاهم مع دولة الجنوب وكان استمرار النزيف بسبب الحرب وكان تلاقي القطاع بحركات دارفور المسلحة ووصل الأمر قمته في وثيقة كمبالا فهذه الوثيقة يجب أن لاينظر لها من زواية الضغط على الموقعين عليها أو المتنصلين منها وهذه المسائل السطحية إنما في أدبياتها التي بدأت ترسيها كجعل الوحدة طوعية ومنح المنطقتين حكماً ذاتياً بعيداً عن محيطهما الولائي ويبدو أن هذا هو المقصود بتلك الوثيقة وليس إسقاط النظام عسكرياً فهذا أمر مستبعد إنما التمهيد لإعطاء المنطقتين مستقبلاً بعيداً عن ما تبقى من السودان قد جاء مموهاً، وذلك بأن تتجه شمالاً إذا أردت أن تصوب يميناً (تذكروا تقرير المصير في فرانكفورت 1992 وأسمرا للقضايا المصيرية 1995 ) وفي أول لقاء قادم بين الحكومة وقطاع الشمال سيكون أول المطالب لقطاع الشمال الإبقاء على جيشه لفترة انتقالية يمكن تسميتها فترة المشورة الشعبية لذلك من الطبيعي أن يرى المؤتمر في أي لقاء قادم نيفاشا جديدة فقط كان ينبغي أن يكون المؤتمر منصفاً ليرى كيف ومن الذي أوصل الأمور لهذه الدرجة. رغم ضيق الفرصة التي هي الآن بين (الرية والترية) يمكن للمؤتمر الوطني أن يكفر عن خطائه إذا سمح له بالتفاوض على أساس اتفاقية نافع/ عقار وليس التراكمات التي حدثت بعد ذلك وفي تقديري ينبغي أن يتحلى المؤتمر بالقراءة الواعية والشجاعة ويبادر لذلك ويقدم نافع شخصياً ولا أي شخص آخر غيره للتفاوض ليذهب إلى أديس حاملاً معه ذات الوثيقة التي وقعها مع عقار عسى ولعل...