شَهِدْتُ منتدى الصحافة والسياسة في منزل الإمام الصادق المهدي مطلع هذا الأسبوع، وأعجبني مستوى الحوار ورغبة الجميع (المعلنة!) في التقارب. بإمكاني القول أن هذا المنتدى كان ناجحاً إلى حدٍّ كبير من حيث الأجواء والتنظيم والترتيب ولكن، كالعادة، من الصعب جداً إبرام إجماع وطني حول قضايا الصحافة، وذلك لسبب معروف وهو أن الصحافة هي أصلاً حلبة صراع بين الفرقاء السياسيين. ولذلك يدخل كل طرف في الموضوع ليس بغرض (الحل) ولكن بغرض تحميل الطرف الآخر المسئولية؛ يدخل كل طرف في النقاش وهو يجتر مرارات قديمة واتهامات حديثة ثم ينزلق الموضوع لاستعراض المهارات الخطابية والتشريعية. من الملاحظ أن كل نقطة تبتدئ حيث تنتهي النقطة الأخرى؛ وهذا طبيعي لأن قانون الصحافة يأتي لتنظيم الحريات عندما تتقاطع مع حريات المجتمع، وهذه قضية فلسفية (عويصة) نوعاً ما؛ لأن الحق في الخصوصية يتعارض مع الحق في الحصول على المعلومات ونشرها، هذا الجدل لا يزال قوياً في أعرق الديموقراطيات الدولية فكيف يكون الحال مع.... الواقع الآن... المؤتمر الوطني وتحالف كمبالا والحركات المسلحة والحلو ومناوي وياسر عرمان ومفاوضات الدوحة وأمين حسن عمر وصديقنا الأستاذ محمد محمد خير (بالله كيف أخبارو مع المهمة الجديدة؟!) و عشرات الأسماء ومئات المواقف وآلاف الخلافات وهلم جرا... أين نقطة البداية؟! من المطلوب حالياً تحقيق إجماع أو حد أدنى من الاتفاق حول التعديلات المقترحة لقانون الصحافة، من المطلوب أيضاً تعزيز روح التفاهم والتوافق بين شركاء المجتمع الصحفي: مجلس الصحافة، إتحاد الصحفيين، الناشرون، رؤساء التحرير والقيادات الإعلامية، الصحافيون وروابطهم المختلفة ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال الحريات الصحفية. لا بد لهذه الفئات، مهما بلغ الخلاف بينها، أن تُنَظِّم صفوفها حتى تتمكن من الوقوف على التحديات التي تواجه المهنية والمؤسسية في الصحافة السودانية، أو على الأقل حتى تتمكن من التوافق على منهج للحوار حول طريقة مواجهتها. يستمر النقاش في المنتدى، و يظهر خلاف آخر؛ هل يجب أن يكون مجلس الصحافة خالصاً للصحفيين فيشرعون لمهنتهم ما يريدون من لوائح ويحاسبون أنفسهم؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هو الفرق إذاً بين اتحاد الصحفيين ومجلس الصحافة؟. القضية إذاً ليست في إقناع قيادات المجتمع الصحفي بأن هنالك ضرورة قصوى لمنح المجلس قوة أكبر في تنظيم المهنة، وأنه إذا لم يتم تعزيز دور المجلس فإن الدولة ستمارس ذات الدور عبر أجهزتها المختصة. القضية تتحول في هذه النقطة إلى (تشكيل المجلس) وهنا نعود للسؤال: من يشرع للصحفيين قوانينهم الداخلية؟ هل يشرعها البرلمان ثم يختفي تاركاً الأمر للصحفيين لتنفيذ قانون الصحافة؟! ومن سيأخذ للمجتمع حقه في حالة التجاوز؟! نبدأ من حيث انتهينا وننتهي من حيث نبدأ!