لم يخطئ دكتور الفاتح عزالدين رئيس لجنة الحسبة بالبرلمان حين أسهم في الحوار الذي أجريناه معه في تمليك الرأي العام معلومات عن بعض ملفات الفساد التي يتعامل معها بحكم واجبه الرقابي. ولم يسرف الرجل في تقديم المعلومات، ولم يصدر أحكاماً في قضايا قيد التحري، فهو رجل قانون وسياسة، يعرف ما يقول، ويعرف أكثر ما يستحق الصمت عنه ! شن البعض هجوماً عنيفاً على دكتور الفاتح للصراحة التي تعامل بها في توفير الإجابات على أسئلتنا. ليس هناك ما يمنع من توجيه الانتقادات أو إبداء الملاحظات على إجابات الرجل وجميل أن يطالب البعض بمزيد من المعلومات والتوضيحات ولكن الغريب والمريب جداً أن يطالب آخرون بإلزام الرجل الصمت! بفحص النوعية الأخيرة من الانتقادات يستطيع القارئ الفطن أن يعرف من أي نبع سقيت ولمصلحة من يتم تسويق الصمت عن الباطل كفضيلة مذهبة! يقيني التام أن الفاتح لا يبحث عن الأضواء عبر ما يحمل من ملفات ولا هو من محبي الاستعراض بالمعلومات والرقص تحت المطر! من تجربتي الشخصية معه فهو ضنين وشحيح في الحديث عن ما يعرف، وظني الراجح أنه يعرف ما يشيب له الولدان! الفاتح لا يقدم من المعلومات للإعلام إلا بقدر ضرورة إشراك المواطنين في القضايا وتطمينهم بأن قضاياهم في لجنة الحسبة حية ترزق بالاهتمام والمتابعة ولم تقبر في أدراج النسيان! الغريب أن الذي تولى كبر الدعوة لإسكات رئيس لجنة الحسبة ومنعه من الحديث للإعلام عن قضايا الفساد زميله في البرلمان رئيس لجنة شؤون الأعضاء السيد محمد أحمد الفضل!! شيخ (الفضل) قال لإحدى الصحف إنه بعث برسالة لوم وعتاب ومناصحة للفاتح عزالدين واصفاً حديثه عن شركة الأقطان وكنانة بأنه يصب في خانة الإضرار بالاستثمار والاقتصاد الوطني! بتلك الرسالة يصبح رئيس لجنة العضوية بالبرلمان واحداً من علماء (فقه السترة)، ولكنها سترة ليست لمصلحة دينية أو اجتماعية بل لمنفعة اقتصادية! الاستثمار والاقتصاد لا تضيرهما الشفافية والوضوح وأشعة الشمس ولكن تفتك بهما ثقافة الدسدسة والغتغتة والتسر على المفسدين والتصالح مع الفساد وصحبة الشياطين الخرس! المنع وعدم الحديث عن قضايا الفساد من قبل الجهات المعنية بالملفات يطلق العنان للأكاذيب ويوفر طقساً مناسباً لتفريخ الافتراءات . في ثورة المعلومات والسماوات المفتوحة إذا غابت الحقائق نابت عنها الشائعات! ولم يكتف (الفضل) بالتعريض بالفاتح عزالدين ولكنه مضى مسرع الخطى نحن إدانة الصحافة واتهامنا بالإثارة والبحث عن الربح دون النظر للجوانب الأخرى! وإذاً لا يجد شيخ محمد أحمد الفضل حرجاً في إطلاق مثل هذه الاتهامات الجزافية العامة التي لا تستثني صحيفة، كان بإمكاننا الرد عليه باتهامات مضادة ولكن أشياء كثيرة-لا داعي لذكرها- تمسك بقلمنا وتمنعه من السير في هذا الاتجاه! وإذا عاب السيد محمد أحمد الفضل على الدكتور الفاتح عزالدين الحديث للإعلام في قضايا فسادها بائن وجلي، مثل قضية الاقطان، كان الأولى أخلاقياً وأدبياً ألا يذهب رئيس لجنة الأعضاء بالبرلمان إلى ذات الصحف -التي ينتقدها- حاملاً إليها مكاتباته الداخلية في عتاب ونصح الأعضاء! وليسمح لنا الشيخ محمد أحمد الفضل- مع كامل الاحترام والتقدير- بالاستعانة بالبيت الشهير لأبو الأسود الدؤلي: لا تنه عن خلق وتأتى مثله ...عار عليك إذا فعلت عظيم