..تحل الذكرى رقم "55" لاستقلال السودان، ولعل من أعظم اللحظات في تاريخ هذه الأمة هي لحظة رفع العلم على سارية القصر الجمهوري بواسطة الزعيم الرئيس المحبوب إسماعيل الأزهري رحمه الله وزعيم المعارضة الأديب والنابغة والحقوقي المتفرد الأستاذ محمد أحمد محجوب. يوم أجهش فيه الإمام عبد الرحمن المهدي بالبكاء وإلى جانبه زعيم طائفة الختمية مولانا الحسيب النسيب السيد علي الميرغني رحمهم الله جميعاً بقدر ما أعطوا لهذا الوطن!! السودان وقتئذٍ من حلفا إلى نمولي.. وطن حدادي مدادي والشعب السوداني شعب هجين إفريقي عربي أغلبيته من المسلمين ولكنهم عاشوا وتعايشوا. الحق يقال نموذج يسعد ولكن هذا الذي كان أوجدته حكمة الزعماء ورزانه الساسة وعمق اتصالهم بقضايا وطنهم الأساسية ورغم بطء التنمية ما بعد الاستقلال ولكنهم حرصوا على الديمقراطية وقبل الديمقراطية حرصوا على نوعية الرجال والكريزما السودانية الأصيلة المعطونة بالثقافة والإرث والقيم السودانية والإسلام الصوفي وثقافته العظيمة والتي أساسها مخافة الله في السر والعلانية وكفى. المشهد اليوم مخيب للآمال أزمات بعضها فوق بعض والمواطن أساس المواطنة بل البلد يعاني من ضائقة معيشية صعبة جداً ومؤلمة ومحزنة ومحبطة والأدهى والأمر أن الأسباب مصنوعة نتيجة لسياسات خاطئة في الاقتصاد.. فأصبح المواطن يستدين ويتسول لقمة العيش وجرعة الدواء ومقعد الدراسة: ثم انفصل الجنوب وماعاد الوطن من نملي إلى حلفا فهل يجوز أن نحتفل أم نقيم مأتماً وعويلاً.. ونبكي على الأطلال. الضائقة المعيشية التي ضربت الأسر السودانية تاريخياً ستبقى كارثة واستمرار ذلك يفاقم الكارثة إلى ما لا تحمد عقباه ولكن ما هو الحل يا أهل اقتصاد ناس الحكم فلاسفة اقتصاد السوق! أليس هناك اقتصاد سوق مرشد بعد أن جربنا لسنوات عجاف التحرير المطلق الذي قادنا إلى الانفلات.؟ أليس صحيحاً أن الاقتصاد علم البدائل!! الانفلات في الأسعار والغلاء وفحش الأنانية التي قادت إلى الضائقة المعيشية والتعامل التجاري بين الحكومة ومواطنيها ألا نخاف على الإفلات والدين لأن الجوع كافر والكنكشة في الربحية في ما يلزم ولا يلزم وتمويل أي خدمة صغيرة أو كبيرة من جيب المواطن المنهك التعبان الغلبان. في حساب الربح والخسائر هناك خسائر فادحة وفقد جلل فإن الحركة الإسلامية التي بنت رصيدها على الزهد والتربية الإسلامية والدعوة إلى التقوى فقد خسرت هذا الرهان تماماً فالحكم وشهوته والكنكشة بدون مبرر يقنع المواطن بالأحقية قد أفسدت الطهر وعفة اليد واللسان ورحمة الفقراء والمساكين. الأمر الثاني وبكل أمانة صراحة فإن قيم وأخلاق وموروثات وعادات وتعامل المجتمع السوداني الذي كان مضرب الأمثال والتميز ماعاد كما كان- فهلا أدركنا وتداركنا وضحينا من أجل إنقاذ المواطن والوطن والتاريخ حتى لا نصبح جميعاً في مزبلة التاريخ حاكمين ومحكومين. والدين النصيحة والدين هو الشورى وفي هذا الإطار وبمناسبة مرور خمسة وخمسين عاماً على الاستقلال نرجو أن نقف وقفة مراجعة لنعيد بعضاً مما فقدنا ونوقف الانحدار إلى الهاوية- هذا رأيي يا أخي والله عنده وحده التوفيق. كمال دقيل فريد أم درمان