قبل كل شيء، من المهم التأكيد "أن على الحكومة واجب تطبيق القانون على نفسها قبل أن تلزم به الآخرين". الحكومات التي تستهين بالقوانين التي تضعها وتحميها بالمؤسسات العدلية والقضائية لن تستطيع أن تفرض على مواطنيها احترام ما تستهين به. القوانين ليست آلهة عجوة، تعبد في حال الشبع وتؤكل عند الجوع! إيقاف صحيفة التيار لصاحبها الأستاذ/ عثمان ميرغني، تم بتجاوز القوانين التي تحمي المهنة، ولم يستطع الرجل أن يعيد صحيفته للصدور لا عبر القانون ولا بالجودية. بإمكاننا تفهم الشعور بالغبن الذي يعتمل في نفس عثمان ميرغني وهو يمر كل صباح من أمام صحيفته بشارع البلدية ويجد بابها مغلقاً بالطبلة والجنزير. الأمر الذي يضطره لأن يصبح لاجئاً صحفياً على صحف آخرين. مهما كانت درجة الغُبن وحِدة الغيظ، لم أكن أتوقع أن يسيء كاتب صحفي محترم في مقام عثمان ميرغني لزملائه بتلك الدرجة من الإسفاف التي لا تليق بناشئة الكتاب! للأسف ما كتبه عثمان بالأمس في ذكرى مرور عام على إغلاق التيار لن يجدي معه سوى الاعتذار. ما كتب لا يحتمل التأويل، ولن يجد له عثمان ميرغني تفسيراً غير الذي يوحي به النص. ماذا كتب عثمان ميرغني؟! في الفقرة الثالثة من عمود الأمس والذي جاء تحت عنوان (عام من الظلم)، كتب عثمان الآتي: (لماذا التيار من دون صحف السودان؟؟ القرآن يفسر السبب " أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ " لماذا؟؟؟ الإجابة تأتي سريعاً "إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56/ النمل)) انتهت الفقرة. تزعجني هذه الطريقة في استدعاء النصوص القرآنية للاستعانة بقداستها في الصراعات والخلافات، لتنتقل القداسة من حيزها التاريخي إلى راهن ملتبس! عثمان ميرغني يجرد الآخرين من قيم الطهارة ليحتكرها لنفسه ولصحيفته! وبلا ذوق ولا إحساس يماثل بين زملاء المهنة وقوم لوط، وهو يعلم أن هذا التشبيه به كثير من الظلال السالبة واللزجة، ويصعب فيه الفصل والتمييز بين أشكال الفساد بكل أنواعها! بكل تأكيد عثمان لا يقصد المماثلة في الفعل، ولكنه يشير إلى معنى سيادة الفساد واستثنائية النزاهة. وعلى طريقته في وضع المعادلات، تأتي الفكرة على هذا النحو: صحيفة التيار برئاسة عثمان = سيدنا لوط وأسرته الكريمة. بقية الصحف دون استثناء = قوم لوط الذين يأتون الفاحشة. عثمان = الطهارة. الآخرون= الفساد. كنت أتوقع – على الأقل - أن يلحق الرجل الصحيفة المحترمة التي يكتب فيها ضمن الاستثناء! نقول لزميلنا عثمان ميرغني: لا يوجد فرق بين احتكارية السلطة والمال واحتكارية القيم! من حقك أن تعتب على زملائك إذا وجدت أن مناصرتهم لك أقل من توقعاتك وعشمك فيهم، ولكن من العسف والتهور معاقبتهم بهذه التشبيهات المسيئة. عثمان كاتب يجيد التعبير عن فكرته بسهولة ويسر، وقلما ينحرف قلمه في ابتغاء الفكرة التي يطلبها، فهو كثيراً ما يقوم بمعالجة أفكاره بطريقة حسابية دقيقة لا تخطئ الهدف. لكن في هذه المرة قرر أن يخرج عن مساره المعتاد. لا نمنُّ على عثمان بأننا في هذه الصحيفة وفي أكثر من مرة كتب أكثر من كاتب في مناصرة صحيفة التيار بالمطالبة بإطلاق سراحها. حينما أخطأ الدكتور كمال عبيد في حق الأستاذ عثمان ميرغني بالإساءة إليه بصفة مهينة، طالبه الأخير بالاعتذار! وها نحن نفعل ذات الشيء حين نطالب عثمان ميرغني بالاعتذار لكل الزملاء في الحقل الصحفي مما مسهم من سوء بتوصيفهم بقوم لوط!