ما سمي بتكريم رؤساء تحرير الصحف لقطاع الكهرباء في السودان، أثار جدلاً ولغطاً واسعاً داخل حوش المهنة وخارجه! الفكرة غير مسبوقة، لا في الصحافة المحلية ولا العالمية، ولا تخلو من الغرابة، أن يقوم رؤساء تحرير بتكريم مؤسسة حكومية بالدروع والشهادات التقديرية على ما حققت من نجاحات! حينما استمعت للفكرة أول مرة، لم يتجاوز رد فعلي حد التأمل والدهشة المتسائلة، صحيح لم أعترض عليها، ولم تتكوّن لديّ مشاعر سلبية تجاهها، إلا بعد اطلاعي على الترويج. وقلت مازحاً لمحدثي؛ أخشى أن يكون التكريم غطاءً إعلامياً لتوريط الصحافة في تأييد يصعب الانسحاب منه حال شروع وزارة الكهرباء في إعلان زيادات جديدة على التعرفة، تلافياً لتجربة التراجع عن القرارت التي حدثت في العام الماضي! ضحك محدثي ولم يعقب. رغم قناعتي بوجود إنجازات كبيرة في قطاع الكهرباء، ومجهودات ضخمة بذلت في ترقية القطاع، سبق أن أشدت بها في هذه المساحة، إلا أن طريقة الاحتفال التي وضحت لي من خلال الإعلان الترويجي، جعلتني أتحفظ على الفكرة من عدة أوجه: الوجه الأول/ لا يمكن الحديث عن كون التكريم يعبر عن كل رؤساء التحرير في الصحافة السودانية، لأن المقترح جاء من شخص واحد، ووجد قبولاً محدوداً من قبل البعض، فليس من الأمانة السطو على آراء البقية والحديث بلسانهم وهم غياب، وهذا تعميم مطعون في سلامته الأخلاقية ويمارسه في العادة سياسيون درجة ثالثة. الثاني/ التكريم ظهر للعيان، كأنه مسرحية هزلية ضعيفة الإعداد والإخراج، كيف تقوم جهة بتكريم أخرى، ويكون تمويل الحفل مدفوعاً من الجهة المكرمة!! الثالث/ الترويج الذي أرسل على الإيميلات لم يأتِ من لجنة رؤساء التحرير- إن وجدت - ولكنه جاء من إعلام الوزارة، وحوى عبارات ذات دعائية عالية. صحيح، هناك خلل واضح في تعاطي الصحف مع النجاحات والإنجازات التي تتم إذا كانت حكومية أو غيرها. كثيرون من أهل الصحافة يرون أن واجبهم إبداء المساوئ وتوجيه النقد للإصلاح وغير ذلك من ثناء وإشادة ومدح، يقع في دائرة الممالقة والبحث عن كسب الرضاء!. هذا الانطباع حرم كثيراً من الإنجازات والنجاحات أن تجد ما تستحق من احتفاء صحفي، ليس عبر الدروع والشهادات التقديرية، ولكن عبر كتابة منصفة تمنح الأمل وتشجع آخرين على السير في ذات الطريق بشرط انتفاء المصلحة المباشرة! للأسف؛ كثير من الصحف لا تتعامل مع الأخبار الإيجابية، إلا باعتبارها مواد إعلانية واجبة السداد! ما يثار من جدل يجب إلا يحصر في محاولات الإدانة والتجريم، ومن المهم أن ننتقل به لحيز الحديث عن أخلاقيات المهنة، بحثاً عن حالة توازن تخرج الصحافة من أزمة النظر بعين واحدة. النظر بعين السخط التي تبدي المساوئ، أو عين الرضا التي عن كل عيب كليلة، وما يستحق الإشادة والمدح من قبل الصحافة يجب أن ينال حقه دون شعور بالحرج أو خوف من الوقوع في الشبهات. وما يكتب في الصحف من نقد وتقويم، يجب ألا ينظر إليه من قبل المسؤولين باعتباره رغبة في الكيد والتآمر ومسعى للتشهير بهم. الصحافة لا تكرم المسؤولين بالدروع والشهادات التقديرية، ولكن بعكس نجاحاتهم للقراء بموضوعية وصدق، لا بدعائية فجة وعلى منابر تتناوشها الظنون.