ميلاد المسيح: يشرق علينا هذا العام 2011م، عيد يشرق بنوره كل عام، إنه عيد ميلاد السيد المسيح، الذي صار محوراً لتاريخ البشر، حيث تم التركيز عليه، وصار ما قبله قبل الميلاد، وما بعده بعد الميلاد، ولقد ولد السيد المسيح ولادة معجزية، ولكنه كان بسيطاً في كل شيء، وداعة موضع مولده حيث ولد في مزود بقر، وصارت هذه علامة لأنه في تاريخ البشر، يخصص أجمل الأماكن لاستقبال أي طفل قادم، وكان حول الطفل العظيم شخصيات بسيطة وقليلة، أمه العذراء الصغيرة، ويوسف النجار حارس سر الفداء والذي كان متقدماً في الأيام، وسالومي القابلة التي نذرت نفسها للبقاء بجوار الطفل لأنها رغم معرفته بأنه فقير ولكنها عاينت عظمته وعظمة الأم التي ظلت هي العذراء حتي بعد ميلاد طفل المزود. وكانت زحمة الإحصاء الأول وشروطه الغريبة، أن كل شخص يسجل اسمه في موطن عائلته، مما جعل الناس يرحلون من موقع إلى موقع، ويذهبون إلى البلد الذي تسكنه العائلة الأولى، بحسب التقسيم الذي تم بين الناس بواسطة يشوع بن نون في عام 1406 قبل الميلاد، ويمكن أن نتصور حركة السكان خلال هذه المدة التي هي ليست بقليلة، أنها أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان. ويسجل إنجيل البشير، قصة الاكتتاب الأول أو الإحصاء الأول، وكيف كان ذهاب هذه الأٍسرة الصغيرة إلى بيت لحم، حيث تمت هناك ولادته، في مزود لأنه لم يكن لهما موضع في المنزل، بسبب ازدحام الإحصاء، والذي جاء أمراً صادراً من رئيس دولة روما القوية، وصوَّر البشير ميلاد المسيح هكذا: وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. وَهَذَا الاِكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ. فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضاً مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ \مْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. فَوَلَدَتِ \بْنَهَا \لْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي \لْمِذْوَدِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ. (متي2: 1-7). الشعراء والميلاد: وقد هز ميلاد السيد المسيح مشاعر الشعراء، وإذا شئنا أن نتحدث عن هذا الأمر، فأعتقد أنه يحتاج إلى بحث كامل، ويصلح أيضاً أن يكون رسالة دكتوارة لباحث نشط، فهذا أدب عربي بليغ، بلسان عربي مبين، وما نعرضه الآن هو مجرد نماذج بسيطة في تهنئة رقيقة لكل من يهمهم ميلاد السيد المسيح، وأرى أنه لا يهم المسيحيين فقط وهم مليار ونصف، وإنما أيضاً أكثر من مليار مسلم في عالمنا الرحيب. 1. نبدأ بمكانة المسيح نفسه في قلب شاعر سوداني، صوفي معذب، رقيق ناعم، عرف كيف يطوع الكلمات، ويكتب شعره في لغة قوية، وتأملات روحية، عندما يقول: آمنت بالحب برداً وبالصبابة ناراً وبالكنيسة عقداً منضداً من عذاري وبالمسيح ومن طاف حوله وإستجارا إيمان من يعبد الحسن في عيون النصاري وتمتلئ عيون النصارى حباً من واقع ذلك العظيم ملك الملوك الذي ولد في مزود، وجاءت كنيسة المسيح التي اقتناها بدمه عقداً منضداً من عذارى طاهرات، ومن رجال لهم قلوب عذراوية قد انفتحت فقط على الله. 2. أما أمير الشعراء أحمد شوقي فله عن المسيح شعر ينبع من قلبه الحساس الذي صار مضجعاً للسيد المسيح ذلك الراعي الصالح الذي جاء راعياً للعالم بلا سيف ولا رمح، والذي أوى إلى المغارة وآوته المغارة مثل راعي الضأن، ورغم أنه كان مستحقاً بجدارة للسرير الأعظم، ولكنه إختار أرضاً يعلوها القش الأخضر فقال عنه: قد جاء لا سيف ولا رمح ولا *** فرس ولا شيء يباع بدرهم يأوي المغارة مثل راعي الضأن لا *** راعي الممالك في السرير الأعظم والمسيح كان يعرف قيمة الناس، وعلى الأخص الضعفاء والمسحوقين والمضطهدين، واللاجئين، لقد جاء لأجلهم، كما جاء لأجل الخطاة وكان يحبهم، ويبيت في بيوتهم ويقول شوقي: ولد الرفق يوم مولد عيسى والمروءات والهدى والحياء وازدهى الكون بالوليد وضاءت بسناه من الثرى الأرجاء لا وعيد، لا صولة، لا انتقام لا خصام، لا غزوة، ولا دماء وفي قصيدة أخرى نراه يناجي رب الحياة فيقول: عيسى سبيلك رحمة ومحبة في العالمين وعصمة وسلام ما كنت سفاك الدماء ولا أمرءاً هان الضعاف عليه والأيتام ومن نبع محبة الطفل المولود المسيح الملك يستمد شوقي كلماته عن الوحدة الوطنية، والأمة الواحدة التي يسير فيها الناس نحو الله أحدهم يمشي بصليب وآخر يمشي بهلال: أعهدتنا والقبط إلا أمة للأرض واحدة تروم مراما نعلي تعاليم المسيح لأجلهم ويوقرون لأجلنا الإسلاما الدين للديان جل جلاله لو شاء ربك وحد الأقواما هذه ربوعكم وتلك ربوعنا متقابلين نعالج الأياما هذه قبوركم وتلك قبورنا متجاورين جماجم وعظاماً فبحرمة الموتي وواجب حبهم عيشوا كما يقضي الجوار كراما 3. أما الشاعر اللبناني شحادة حلبي الذي يرفض أن يكون عيد الميلاد أكلاً وشرباً، في موائد فاخرة، وفناجيل لامعة ويوجهنا إلى المعنى الروحي للعيد فيقول: نعيّد يوم مولده ونأكل كالسلاطين ونشربها مرقرقة فتلمع بالفناجين أسأل صاحب العيد أهذا العيد يعنيني؟! تري هل هاجر العيد ولم يأخذ عناويني؟ فأين مغارة الفادي وأين الطفل يحييني؟ فليس العيد مائدة تفجر كالبراكين وليس العيد عربدة يرقص كالثعابين وليس العيد "خنفسة" كأشكال المجانين فعندي العيد أغنية وذكر العيد يبكيني وعندي العيد تقدمة وبذل للمساكين وعندي العيد تضحية وهذا العيد يكفيني 4. ومضطر أن أختم حديثني بتحية لأم طفل المزود، العذراء مريم، صاحبة الاسم المحبوب من المسيحيين والمسلمين، وليس غريباً أن تسمع أسماء لبنات مسلمات من أخواتنا في الوطن، مريم، عذراء، بتول، والتحية للعذراء تقول:- فؤادي في هوي العذراء مريم يذوب بنار ذا الحب العجيب أنا الخالي غدوت اليوم مغرم بمن سهرت على الطفل الحبيب حباك الغالي يا عذراء حقاً وعزاً لا يداني في الأنام فكوني لي أيا أماه حقاً مذيعاً من أذى الأشرار حامي