قرأت ببعض الصحف السودانية أن "نسبة التعثر في السداد" ببعض البنوك السودانية بلغت 65%. انتابتني حالة "دوران" و قرأت الرقم عشرات المرات للتأكد، فهل هذا الكلام صحيح ؟ و ماذا يعني؟ و ما هي مدلولاته ؟ و إذا وصلنا لهذا الحد فكيف تعمل هذه البنوك؟ و ماذا يعمل بنك السودان المركزي.. ؟ و كيف يحدث ؟ لأنه و باختصار يعني أن خزائن البنوك مشرعة سائبة لمن يأخذ و يهرب دون سداد ... و من هذا الحال سيسقط البنك و سلسلة البنوك المرتبطة به حتى يحدث الانهيار التام لأن القطاع المصرفي عبارة عن وحدة متشابكة و مربوطة ببعضها كالبنيان "الانترلوك". من أهم واجبات البنوك التجارية منح القروض وتمويل المشروعات المفيدة لدفع عجلة الاقتصاد و لتنمية المجتمعات مع فتح فرص العمل و الآفاق الجديدة لمستقبل جديد.. و من كل هذا تتقدم الدول. و من خلفها، تقبع البنوك المركزية التي يجب أن تتأكد من قيام البنوك التجارية لهذا الدور عبر وسائل المراقبة و التفتيش وفق المتطلبات القانونية و الممارسات المصرفية السليمة وفق الضوابط المهنية. إن منح القروض و التسهيلات محفوف بالمخاطر المتعددة منها مثلا المخاطر الائتمانية والمخاطر التشغيلية والمخاطر القانونية و مخاطر السوق ومخاطر السيولة.... الخ و كل هذا يتطلب حسن إدارة المخاطر أو تحويل المخاطر مع الاحتفاظ برؤوس أموال كافية تتماشى مع نسبة القروض و التسهيلات الممنوحة للعملاء بل لكل عميل بعينه... كما نعلم فإن العمل المصرفي مهنة و صناعة عالمية لا تعرف الحدود، و لذا فهناك ممارسات و قوانين يتم تطبيقها في كل العالم و من هذا نشأت الممارسات المصرفية السليمة المعروفة في التعامل مع العملاء، وفي فتح خطابات الضمان والاعتماد، وفي موجهات بازل (1) و (2) و(3) التي تهدف في مجملها لخلق بنوك قوية تعمل وفق أسس مصرفية مهنية سليمة و هذا يشمل كل ما ينظم العمل المصرفي حتى منح القروض و مجابهة تعثر السداد... و هذه المعطيات أصبحت واحدة يتم تطبيقها و الالتزام بها وفق وتيرة واحدة في كل العالم.. و نحن جزء من هذا العالم الكبير حجما الصغير مكانا. مثلا كل العالم الآن "يقوم و يقع" مع اتفاقية أو موجهات بازل (3)، فما المقصود بها ومنها؟ و ما أثرها علي البنوك في كل العالم (السودان)؟ . في إيجاز شديد جدا، فان الاتفاقية تهدف لتعزيز نسبة الموارد الذاتية للبنوك بتقوية احتياطياتها وهذه من أهم المعايير المعتمدة لقياس متانة البنوك المالية. و هذا يتم عبر زيادة رؤوس الأموال و الأصول حتى نسبة 7% لجعل البنوك أكثر صلابة في مواجهة أي صدمات حتى لو كانت مثل صدمة إفلاس بنك ليمان براذرز الأمريكي الذي أحدث "توسنامي" أغرق بنوك العالم . و لتتمكن البنوك من زيادة رأس المال وفق اتفاقية بازل (3) فعليها إما طرح أسهم جديدة للاكتتاب أو إيجاد مصادر أخرى للتمويل.. أو (بمعنى آخر) قفل أبوابها و تسليم المفاتيح . إن موجهات بازل (3) تعتبر تكملة لبازل (1) و (2)، و (3) هذه ربما يراها البعض كسلاح ذي حدين لأنها من جهة توجد بنوكا تتحمل الصدمات و لكن هذا من الجهة الأخرى سيشكل عبئا ماليا يكبل حركة البنوك مما ينعكس سلبا على التنمية . و لكن، من التجربة، نقول إن هذا أمر لا بد منه و آخر الدواء الكي . و لذا لا بد من بازل (3) و لو طال الزمن، و العزاء أن بازل (3) نفسها منحت وقتا طويلا للتطبيق يمتد لنهاية 2019. و نقول إن الجميع في البنوك التجارية، و من فوقها البنوك المركزية ملوحة ب "السوط"، يعملون الآن بهمة شديدة لتحقيق النسب المطلوبة قبل 2019 و ترونه بعيدا و نحن نراه قريبا. و أيضا لازم نقول أن بنوكا عديدة، و من بينها معظم البنوك في البحرين مثلا، تجاوزت هذه النسب و تركتها خلفها استعدادا لبازل (4) أو (5)... و إلي ما لا نهاية . فأين نحن يا سوداننا من هذا ؟ اذا كانت نسبة التعثر كما هو منشور تصل عندنا إلي 65% و هي بموجب موجهات بازل يجب ألا تتعدى رقم اليد. و كل موجهات بازل، و باختصار، هي عبارة عن إدارة العمل المصرفي . فكيف نصل لتحقيق بازل إذا كنا لا نستطيع التعامل المهني مع العملاء و مع حسن إدارة القروض والمخاطر المرتبطة بها حتى تعثر السداد تماما و انتقلت القروش من خزائن البنوك لخزائن بعض العملاء ؟ ... يتبع. د. عبد القادر ورسمه غالب Email: هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته المستشار القانوني لمجموعة بنك البحرين و الكويت و أستاذ قوانين الأعمال و التجارة الجامعة الأمريكية البحرين