قال تعالي في محكم تنزيله " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) "سورة الأنبياء... صدق الله العظيم. تعتبر الشلالات والبحيرات والجزر، والأنهار والبحار، وينابع المياه المعدنية والكبريتية، في عصرنا الحاضر، أكثر المواقع إقبالا من جمهور السياح والمستثمرين في المجال السياحي، وخير شاهد على ذلك حجم الاستثمار الضخم في مشروع قلب العالم في ولاية البحر الأحمر الذي وضع حجر أساسه رئيس الجمهورية في أواخر العام المنصرم. يعد الشلال السادس في منطقة السبلوقة من اكبر الشلالات على مجرى نهر النيل سليل الفراديس بحسبانه الشلال الأول بعد ملتقى النيلين الأزرق والابيض عند الخرطوم. إضافة لذلك فقد اكتسب الشلال السادس شهرة وأهمية أخرى باعتباره الشلال الوحيد الذي يستأثر برصيد هائل ومتنوع من الجماليات الطبيعية التى تتمثل في المزارع، والأشجار، والصخور، وسلسلة جبال قري التي تحيط به شرقا وغربا، إضافة لقيمتها التاريخية حيث كانت هذه الجبال أول نقطة مراقبة لثوار المهدية في حربهم مع قوات الاحتلال الأجنبي. وفي عهد حكومة الانقاذ شهدت هذه المنطقة تطورا كبيرا تجسده المنطقة الحرة المقامة في قرى، ومصفاة البترول في الجيلى، ومحطة المياه في دبك، من منطلق أن هذه المنطقة تتميز بموقع إستراتيجي فريد، وتذخر بموارد اقتصادية متعددة ومتنوعة. لن ينسى سكان العاصمة المثلثة في الخمسينات والستينات والسبعينات الرحلات الجميلة التى كان ينظمها الراحل المقيم عبد العزيز أبوعفان، رائد السياحة في السودان، الى منتجعه السياحى بالشلال السادس. هذه الرحلات تنطلق صباح كل جمعة وأحد ومن أمام الفندق الكبير تجاه المنتجع بالسبلوقة. حدث ذلك منذ عقود خلت قبل أن يعرف العالم العربي والأفريقي المنتجعات والقرى السياحية. وشهرة الشلال السادس امتدت- ايضا- لبلدان أوروبا من خلال زيارة أعداد كبيرة من السياح والأجانب المقيمين للمنتجع السياحي بالسبلوقة خلال تلك الفترة كإضافة ثرة مهمة لما كتبه الاسكتلندي ألان كلارك في مؤلفه "النيل نهر العجائب" إذ كانت الشلالات وبوجه خاص الشلال السادس، أحد العجائب الثماني التى أشار إليها. وقد أعطى مساحة كبيرة في كتابه لجماليات وسحر المنطقة خاصة شروق وغروب الشمس وانعكاسهما على الشلال، وسلسلة الجبال من الجانبين حيث وصفها بأنها تمثل لوحة فنية فريدة ونادرة يصعب وصفها من خلال الأسطر والكلمات. وبما أن الاستثمار السياحى يتصدر- في الوقت الحاضر- قائمة الاستثمارات المفضلة والمرغوبة لدى المستثمرين ومؤسسات التمويل على مستوى العالم حسب ما أورده تقرير "مركز هوكرز" بالمملكة المتحدة، المتخصص في رصد حركة الاستثمارات حول العالم، وذلك نظرا لأن الاستثمار في الخدمات والأنشطة السياحية لا تعوقه سلحفائية السداد المتعلقة بالصادرات الأخرى التى تخضع لعمليات فرز وشراء وتخزين وشحن وتفريع وفحوصات معملية وغيرها، لأن السائح أو المواطن يدفع فورا واحيانا مقدما عند تقديم الخدمة، كما أن الاستثمار في مواقع المياه كالشلالات والبحيرات والجزر وينابيع المياه الكبريتية والمعدنية، يحظى بأفضلية خاصة باعتبار أنها مواقع متميزة، ونادرة، وفريدة. نأمل أن تتبنى ولايتا الخرطوم ونهر النيل- بحكم أن الشلال السادس في منطقة حدودية مشتركة بينهما- إحياء منتجع السبلوقة الذي انتهى بوفاة مالكه أبوعفان، طيب الله ثراه، ولكن على أسس جديدة تتناسب مع ضخامة وتنوع الموارد والامكانات التى تذخر بها منطقة السبلوقة، وذلك بإقامة منتجع كبير وشامل، بمواصفات عالمية شريطة أن تحتوى على منشآت إيواء متباينة لكل المستويات، وقاعات للمؤتمرات الدولية والاقليمية، ومكتبات، ومسارح، وأحواض للسياحة، ومراكز للتسوق والعلاج الطبيعي، وملاعب وميادين لمختلف ضروب الرياضة، من أجل استضافة معسكرات الفرق الرياضية الوطنية والأجنبية، وصالات لمعارض التراث والحصاد، ومتحف للحياة النهرية والريفية، آخذين في الاعتبار أن البنيات الأساسية للتنمية السياحية من طرق، واتصالات، وخدمات طاقة، ومياه وغيرها، متوفرة في المنطقة. ولكن قبل كل شيء معالجة أي معوقات قد تواجه المستثمر الأجنبي أو الوطني، كإدعاء ملكية، وحيازة الاراضي، وغيرهما وذلك قبل طرح المشروع والترويج له في الداخل والخارج. المنتجع العالمي المقترح، بموقعه الاستراتيجي المتميز في السبلوقة، منتصف طريق التحدي (الخرطومشندي) يمكن أن يوفر فرص عمل لسكان المنطقة وتسويق منتجاتهم الريفية، وزيادة حصيلة الولايتين من الرسوم والضرائب وغيرهما، بجانب دوره في جلب عملات حرة في حالة الاستثمار الأجنبي، وعملات صعبة من جمهور السياح من خلال الترويح الفاعل للمنتجع- بعد تشييده- في الاسواق العالمية المصدرة لحركة السياحة الدولية. بجانب أن المنتجع العالمي سيكون متنفسا لسكان الولايتين، ومركزا رئيسيا لزيارة المواقع الأثرية في البجراوية والنقعة والمصورات، ونقطة إنطلاق لمناطق الصيد البري شرق وغرب نهر النيل بجانب استضافة المنتجع العالمي لكثير من الأحداث السياحية الجماهيرية، كسباقات التجديف، والتزحلق فوق المياه، وسباقات مكوك البجراوية (الهجن)، ومهرجانات الحصاد والانتاج، ومعارض الزهور واستضافة الدورات والسباقات المختلفة التي تقام في ربوع المنتجعات العالمية. والله الموفق عثمان ابراهيم محمد- خبير سياحي عضو اتحاد المرشدين السياحيين العرب